شريف عرفة: الإنسان فى المجتمعات العربية يعانى من الإزدواجية (حوار)
استنادًا إلى أحدث المراجع والدراسات الأجنبية المعنية بدراسة النشاط الجنسى والعوامل المؤثرة فيه، يُقدِّم الباحث فى علم النفس الإيجابى شريف عرفة، كتابًا غنيًا يُفصِّل فيه الفوارق بين جنسانية المرأة والرجل وأثرها فى تعزيز الخلافات الزوجية التى قد تصل إلى ظاهرة مثل «الاغتصاب الزوجى»، والناجمة بالأساس عن سوء فهم طبيعة الاختلافات بين الجنسين فى النظرة إلى الجنس وأهميته ودوافعه، ومن ثم يكتسب كتاب «لماذا يُريد الرجل وترفض المرأة» أهميته من طرقه لموضوع يتحسس الكثيرون فى العالم العربى الكتابة عنه أو الخوض فيه بأسس علمية وبحثية جادة.
فى هذا الحوار نفتح مساحة للنقاش مع شريف عرفة، الذى أصدر كتابات أخرى فى مجال علم النفس الإيجابى منها «إنسان بعد التحديث»، و«كيف تُصبح إنسانًا»، حول أبرز الأطروحات فى كتابه انطلاقًا من مناقشة المنهجية العلمية التى يستند إليها فى مختلف أعماله.
■ ما الحدود التى يمكن تعيينها بوضوح بين علم النفس الإيجابى والتنمية البشرية؟
- فى وقت سابق كانت الكتابات المعنية بتطوير الشخصية غير مبنية بشكل رئيسى على الدراسات العلمية، وإنما على تجارب شخصية ونصائح للنجاح. نجد على سبيل المثال شخصًا مثل «تونى روبنز» وهو الأشهر على الإطلاق كرمز لهذه المدرسة ليست معه شهادة جامعية، ولكنه يستند إلى ما يمتلكه من جاذبية شخصية، فالتف الناس حوله لأنه متحدث تحفيزى؛ فتأثير الإيحاء والحماس الزائد قد يجعل الجمهور ملتفتًا للمتحدث ومعتبرًا إياه من مصادر الاتزان أو الطاقة التى تعينه على مواصلة حياته.
ظلت المسألة مبنية على هذا الأساس، فلم تكن هناك دراسات علمية كافية، خصوصًا أن علم النفس منذ نشأته كان معنيًا بدراسة الاضطرابات النفسية أكثر من دراسة الظواهر الإيجابية، إلى أن ظهر علم النفس الإيجابى الذى اعتمد على دراسة القوى النفسية عند البشر والتحقق من أى فرضية بالتجارب العلمية.
■ تحدثت فى كتابك «لماذا يريد الرجل وترفض المرأة» عن الغرائز البدائية لدى رجل وامرأة الكهف التى لا تزال حاضرة إلى الآن فى توجيه العلاقات.. ما المصادر التى تشكّل منها هذا اللا وعى البدائى برأيك؟ وما الأسباب التى دعت إلى رسوخه واستمراريته؟
- السبب الأساسى هو البيولوجيا؛ أن البشر لم يتطوروا بيولوجيًا بالدرجة الكافية لمواكبة التطورات الحضارية التى انتابت نمط حياتنا. ومن أبرز الأمثلة فى هذا الصدد الصعوبة التى يجدها الإنسان فى كثير من الأحيان فى اتباع حمية غذائية تمنعه من استهلاك الأغذية التى قد لا تناسب صحته، إذ لا يزال الإنسان كما كان فى وضعه البدائى يحتاج السكريات التى كانت نادرة فى الطبيعة لتمده بالطاقة، فهذه غريزة بدائية لا تزال موجودة إلى الآن سببها التكوين الهرمونى والجسدى للبشر، وعدم تطور الآليات النفسية البدائية بالدرجة الكافية.
■ وهل يمكن للبيئة والمجتمع أن يحددا درجة توغل وتغول اللا وعى البدائى لدى أفراده؟ وما العوامل التى ساعدت على ذلك فى المجتمعات العربية؟
- هذه مسألة مهمة لأنه ينبغى التفريق بين المجتمعات الفردية والمجتمعات الجماعية. بعض المجتمعات تكون سطوة المجتمع على الفرد أكبر من مجتمعات أخرى، فى هذه المجتمعات يكون الفرد بحاجة إلى إرشاد، ويختار الحلول التى اتفق عليها المجتمع، خاصة أن فكرة التطور والارتقاء النفسى مغامرة شخصية تقتضى أن يجد الإنسان طريقه بنفسه ويصل إلى قناعات جديدة يواجه بها مشكلاته، وهو ما لا نجده بكثرة فى المجتمعات الجماعية، خلافًا للمجتمعات الفردية التى يندر فيها ذلك.
بعض الأطباء والباحثين تحدث عن ميل الإنسان فى المجتمعات العربية إلى المسايرة، إذ يضطر إلى مسايرة المجتمع وكبت رغباته الحقيقية، وهو ما يقود إلى ازدواجية. وبالتالى فالأمر يعتمد على طبيعة الأفراد وطبيعة المجتمعات سواء كانت فردية أو جماعية.
■ يمكن القول إن الانتقال من البدائى إلى الثقافى «الاستنارة» هو ما دعوت إليه فى كتابك بأن يعيد الإنسان التفكير فى أفكاره غير الواعية.. ما الصعوبة التى تكتنف تحقيق هذا التحديث الفكرى؟
- أول صعوبة أن يجد الإنسان سببًا للتطور، غالبًا ما يكون هذا السبب هو التناقض والاختلاف بين الأفكار المُسبقة عند الإنسان والقضايا والمشكلات التى يواجهها فى حياته. التناقض يدفع الإنسان إلى إعادة التفكير فى قناعاته لتحديث أفكاره، لكن هذا لا يحدث لدى الكثيرين الذين يختارون العيش فى بيئة آمنة فكريًا، فلا يقرأون سوى ما يتفق مع أفكارهم ولا يصادقون سوى المشابهين لهم فى الأفكار، ولا يخوضون تجارب حياتية كثيرة متشابكة. الكثير من الناس يميلون إلى السلام الفكرى، وبالتالى لن يتطوروا أو يواجهوا مُعضلات تخبرهم أن أفكارهم غير صحيحة أو غير مناسبة لظروف راهنة، فالتحدى الأكبر هو وجود الإلحاح النفسى لذلك التطور.
■ وهل تحقيق التطور أو الارتقاء النفسى مرهون فقط برغبة ووعى فردى أم أن ثمة عوامل خارجية قد تعوق هذه الرغبة الفردية؟
- قد تكون رغبة الفرد موجودة، لكنه يكبتها نظرًا للضغوط المُحيطة، حينما يكون ثمن التغيير فادحًا، وهو ما يُعرِّض الفرد لضغط نفسى ناجم عن عملية التغيير، فتغيير الأفكار ليس مغامرة سهلة أو ممتعة، لكنها رحلة مضنية فى سبيل وصول الإنسان إلى السلام النفسى.
■ فى إطار مناقشتك للاختلافات بين غريزة الرجل وغريزة المرأة الجنسية.. كيف تنظر إلى قضية الاغتصاب الزوجى المُثارة حاليًا؟
- فى الكتاب تحدثت عن وجود فجوة أو اختلاف بين طبيعة الغريزة الجنسية للرجل والمرأة. فى أغلب الأحيان الغريزة الجنسية للرجل قابلة للإثارة بسرعة أكبر من المرأة التى ترتبط غريزتها بالسياق والحالة الشعورية والجو العام، وهو ما جاء فى وصف بعض الأبحاث للرغبة الجنسية عند الرجل بـأنها تلقائية وعند المرأة بأنها استجابية.
فكيف يمكن سد هذه الفجوة؟.. السؤال أُجيب على مدار العصور بأكثر من طريقة على اختلاف التطور الحضارى فى المجتمعات. فى فترة من الفترات كان الرجل يُعدّد وفى عصور أخرى كانت هناك الجوارى، وفى حضارات أخرى كانت هناك المحظيات أو الحرملك. هناك أيضًا إجابات أخرى استندت إلى أن المرأة ليس لها حق الرفض، وهو ما يمكن أن نستشفه من كتابات فرويد الذى غلبت عليه القناعة بعدم وجود غريزة جنسية لدى المرأة.
لم تعد مثل تلك الأفكار ملائمة فى العصر الحالى؛ ففكرة التعدد غير مقبولة، وكذلك الإجبار على العلاقة لا يمكن قبوله، بينما نحن فى عصر نتحدث فيه عن حق المرأة فى الاستمتاع بالعلاقة الجنسية. ومن ثم الحل يكون بتقريب المسافات بين الطرفين للوصول إلى اتفاق معين وحلول وسط شرحتها فى الكتاب.
■ ما الموضوعات التى تُحضر للكتابة عنها مستقبلًا فى إطار «علم النفس الإيجابى»؟
- أُحضر لكتاب جديد عن السعادة فى ظل السلبيات الموجودة فى الحياة، فالبعض حينما يسمع كلمة سعادة يشعر بأن الموضوع خيالى، خاصة مع ما تكتظ به الحياة من آلام وأوبئة ومعاناة، وهنا أطرح معنى السعادة فى ظل حياة تُشكِّل هذه السلبيات جزءًا من نسيجها اعتمادًا على تجارب واقعية، كما أننى أعمل على الموسم الثالث من برنامج «يوفوريا»، وهو برنامج أقدمه عبر الإنترنت يتعرض للموضوعات المُتعلقة بعلم النفس الإيجابى بشكل ترفيهى وخفيف.