«الدستور» تحقق في انتشار أدوية إقلاع عن التدخين تؤدي إلى الإدمان
اعتاد أحمد خالد، 30 عامًا، من محافظة القاهرة، تدخين السجائر بشراهة منذ خمس سنوات، إلا أنه بعدما رُزق بمولوده الأول، عزم على الإقلاع عن التدخين، بسبب نصيحة أحد الأطباء له بضرورة عدم تعريض الصغير إلى دخان السجائر، حاول كثيرًا الإقلاع بمفرده عن التدخين إلا أنه فشل.
بحث أحمد عن شيء يساعده في عملية الإقلاع، ولم يكن يعرف أن ذلك الشيء سيدفعه في يوم ما إلى أن يكون مُدمنًا يتلقى العلاج داخل إحدى مصحات الإدمان، بعدما بدأ رحلة الإقلاع باستخدام دواء يسمى "بوبروبيون" والذي أدى به إلى الإقلاع عن التدخين وإدمان ذلك الدواء.
أحمد واحد ضمن كثير من الشباب المُدخنين، الذين أصبحوا مدمنين بفعل أدوية الإقلاع عن التدخين، إذ يكشف التحقيق التالي عن وجود أدوية إقلاع عن التدخين، ذات تركيز عالي من مادة النيكوتين، تؤدي إلى الإدمان، لعدم وجود تحذيرات على العلب من الخارج كما طالبت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، خلال آواخر عام 2018 الماضي.
كان لمعهد فرجينيا للمعلومات الحيوية بأمريكا، تحذير شديد الخطورة، في دراسة عكف عليها باحثون، من بدائل النيكوتين (مادة منبهة تؤثر على عمل الجهاز العصبي) المستعملة في الإقلاع عن التدخين، كالأدوية التي وصفها بأنها غير آمنة لجميع المدخنين ربما يدمنها بعضهم، أو تسبب اضطرابات وطفرات جينية في المادة الوراثية يمكن أن تمهد للإصابة بالسرطان، يُصاب به متعاطي أدوية الإقلاع عن التدخين.
كذلك طالبت إدارة الغذاء والدواء (FDA)، من شركات إنتاج أدوية الإقلاع عن التدخين، وضع مربع تحذير أسود اللون، للتنويه إلى خطرها بأنها تُسبب إدمان، وتترك آثارًا خطيرة على مستعمليه خاصة الأمراض القلبية الوعائية، وضعف عضلات القلب بشكل مفاجئ، وتظهر تلك الآثار مستقبلًا في بعض الأحيان.
كانت زوجة أحمد الشاب السالف ذكره، هي من أرشدته إلى استعمال ذلك الدواء، بعدما قرأت بعض الإعلانات عن الإنترنت بشأن وجود وسائل تساعد المدخنين على الإقلاع بصورة أسرع. يقول: "الدواء اسمه بوبروبيون، وهو مصنف كمعالج للاكتئاب في الأساس، والإقلاع عن التدخين، اشتريته من الصفحة بسعر 1177 جنيهًا، علبة فيها شريطين بـ30 قرصا، وبدأت أخد واحدة الصبح وأخرى بالليل، عشان فيه تحذيرات أنه بيتاخد كل 8 ساعات".
لم يكن هناك أي تحذير على العلبة من الخارج، مثلما طالبت إدارة الغذاء والدواء بحسب «أحمد» الذي أكد أن الأمر زاد سوءً بسبب تعوده على ذلك الدواء والبدء في زيادة جرعته: "بدأت أخف سجاير بدل ما كنت بشرب علبة في اليوم بقيت أجيب نصها مثلًا، وبزود عدد حبوب الدواء بطريقة لا إرادية".
أصيب أحمد بضعف شديد وانتقص وزنه بطريقة ملحوظة، وعانى من تلقصات في المعدة، وفي يوم لم يجد الدواء متوفرًا على الصفحة كعادته، فظل يبحث عنه في كل مكان ولم يجده، وبدأت التشنجات تظهر عليه، فذهب مع شقيقه لأحد الأطباء، والذي طالبه بعمل تحاليل دم، وكانت المفاجأة أنها أثبتت أنه أصبح مدمنًا لذلك الدواء.
يضيف: "الطبيب عرف من نسبة المواد والنيكوتين اللي موجودة في دمي من الدواء والجرعات اللي بأخدها إني بقيت مدمن للدوا، وطبعًا طلب من أخويا إني أدخل مصحة للعلاج، لكني مكنتش مدمن بالطريقة اللي بتيجي في الأفلام لأن الدواء مش مخدرات"
أسبوعان فقط استطاع بعدها أحمد الخروج من المصحة بنسبة تخلص من الإدمان وصلت إلى 55%، بحسب ما قاله له الطبيب، وبالفعل تخلص من إدمان السجائر إلا أنه كاد الوقوع في إدمان أخطر ومر بتجربة مريرة، وفقًا لوصفه.
نحو 14 مليون مصري يدخنون السجائر، بنسبة تقرب من 20% من تعداد المصريين، بحسب آخر إحصاء صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يستهلكون 80 مليار سيجارة سنويًا في مصر.
وأفادت الدراسة بأن 50% من الذكور المصريين فوق سن 15 سنة يدخنون السجائر، بينما وصلت نسبة تدخين الذكور إلى 38.5٪، مقابل 1.5٪ بين الإناث، و14.3% من طلاب المدارس الثانوية.
تلك الأرقام وضعت مصر في المركز رقم 10 ضمن الدول الأكثر تدخينًا في العالم، فيموت 170 ألف حالة مدخن في مصر سنويًا، بينما تصل التكلفة الاقتصادية للتدخين إلى ٦٪ تقريبًا من متوسط الدخل الشهري للأسرة المصرية.
ويصل متوسط الإنفاق الشهرى للمدخنين على السجائر حوالى ١١٠ جنيهات، وهو ما يعادل ١٣٢٠ جنيهًا فى العام ليصل حجم الإنفاق السنوى على التدخين إلى ١٨ مليار جنيه تقريبًا.
وراء نصيحة من أحد أصدقائه، فكر سامح محروس، 28 عامًا، من محافظة الجيزة، في تجريب الأدوية التي تساعد على الإقلاع عن التدخين، بعدما أصيب بأمراض عدة في الرئة، على إثرها أمره الطبيب بضرورة الإقلاع.
الدواء اسمه نيكوريت، ابتاعه الشاب بحسب ما قاله لـ«الدستور» من أحد الصيدليات بمبلغ 600 جنيه، عبارة عن علبة تحتوي على شريطين بهما حبوب استحلاب يؤخذ مرتين في اليوم، يساعد المدخن على الإقلاع عن التدخين خلال أسبوعين فقط.
"سبت السجاير وبقيت مدمن نيكوريت"، يقولها "سامح"، مضيفًا أنه عقب مرور أسبوعين فقط استغنى عن السجائر لكنه لم يستطع في الوقت ذاته التخلص من الرغبة الشرهة تجاه ذلك الدواء.
نصحه صديق آخر بتجريب "علكة" تُباع في الصيدليات أيضًا تحتوي على نسبة من النيكوتين، وتغني المدخن عن السجائر، وبالفعل جربها فأدمنها هي الأخرى: "عرفت بعد كده لما كشفت أن أدوية الإقلاع عن التدخين كلها فيها نسبة نيكوتين بتخليك تدمنها هي نفسها وتسيب السجاير، وده اللي حصل معايا وبالفعل لحد دلوقتي مش بشرب سجاير لكن أدمنت البدايل بتاعته".
12 أسبوعًا كانت كفيلة لأن يصبح مينا مجدي 26 عامًا، من محافظة الجيزة، مدمنًا لعقار فارينيكلين الاسم العلمي لدواء شامبيكس الشهير في الإقلاع عن التدخين، بعدما ابتاعه مرة من إحدى الصيدليات بسعر 250 جنيهًا، ومرة أخرى من أحد الصفحات المروجة له عبر الإنترنت بمبلغ 300 جنيه.
حالة مينا لم تختلف كثيرًا عما حدث مع سابقيه، ممن اعتمدوا على أدوية الإقلاع عن التدخين، فقد دخل في نوبة إدمان سريعة لذلك العقار: "المشكلة إني في نفس الوقت مبطلتش تدخين، بقيت بدخن وأخد الدوا".
أثناء استمرار الشاب في تناول ذلك العقار، شعر في يوم بتقلصات في معدته اشتدت بمرور الساعات، حتى أنه لم يقو عليها، يقول: "حسيت كأن أمعائي بتقطع، أهلي ودوني مستشفى قريبة، وقتها الدكتور عملي غسيل معدة وقالي إني خدت نسبة نيكوتين عالية جدًا، وكنت لسه واخد الدواء من ساعة".
استطاع مينا الاستغناء عن الدواء والكف عن تناوله عقب تلك الواقعة شديدة الألم، إلا أنه استمر في التدخين كعادته: "مفيش أي تأثير للأدوية دي، مجرد فلوس وسعرها غالي جدًا وحياتي أتعرضت للخطر".