يونيو فى تاريخنا
يعتبر شهر يونيو من الشهور المهمة، بل والمثيرة فى التاريخ المصرى المعاصر؛ إذ وقعت فيه العديد من الأحداث الخطيرة التى ربما ما زلنا نعيش فى ظلالها حتى الآن. وبالقطع لن نستطيع التعرض لكل الوقائع التاريخية فى شهر يونيو، ولكننا سنختار فى مقالنا معالجة حدثين فقط، نظرًا لتأثيرهما المثير على مجريات الأمور حتى الآن.
الحدث الأول هو ١٨ يونيو ١٩٥٦، والمعروف تاريخيًا بعيد الجلاء، والمثير أنه كان من أعيادنا القومية، ويوم عطلة رسمية، ولكننا أمة تُغَيِّر أعيادها القومية مع تغير الأنظمة السياسية، وهى عادة سيئة، بل خطيئة تاريخية، فحتى الآن تحتفل فرنسا بنهاية الحرب العالمية الأولى فى ١١ نوفمبر وتعتبره عيدًا قوميًا، وعطلة رسمية!
على أى حال احتفلت مصر كلها فى ١٨ يونيو بجلاء آخر جندى بريطانى عن مصر، وانتهاء القاعدة العسكرية البريطانية فى منطقة القناة، هذه القاعدة التى كان يحتشد بها حوالى ٧٠ ألف جندى إنجليزى. وكان هذا الجلاء تطبيقًا لاتفاقية الجلاء التى وقّعها الرئيس جمال عبدالناصر مع بريطانيا فى عام ١٩٥٤، لكنها فى نفس الوقت كانت تتويجًا لنضال الحركة الوطنية المصرية منذ الاحتلال البريطانى لمصر فى عام ١٨٨٢، مرورًا بكفاح مصطفى كامل ورفيقه محمد فريد، وثورة الشعب المصرى كله فى ثورة ١٩١٩ بزعامة سعد زغلول، ونضال الشعب المصرى وعقد معاهدة ١٩٣٦ مع بريطانيا، ثم إلغاء زعيم الأمة مصطفى النحاس المعاهدة فى عام ١٩٥١ تلبية لمطالب الأمة، واندلاع حركة الكفاح المسلح فى القناة ضد الوجود البريطانى، وصولًا إلى ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والمفاوضات المصرية البريطانية واتفاقية الجلاء، وخروج آخر جندى بريطانى من مصر فى ١٨ يونيو ١٩٥٦.
وإذا كان اليوم السابق من الأيام المجيدة والسعيدة فى تاريخنا المعاصر، فإن شهر يونيو شهد أيضًا للأسف الشديد، ربما أسوأ يوم فى تاريخ مصر المعاصر، وهو ٥ يونيو ١٩٦٧، وهزيمة مصر، بل والأردن وسوريا فى حرب ٦٧ أمام إسرائيل، هذه الحرب التى عُرِفَت إعلاميًا بـ«النكسة».
ووفقًا للمصادر الغربية لم تكن الحرب فى نية عبدالناصر، فقطاع كبير من الجيش لا يزال فى اليمن، والتسليح الروسى للجيش المصرى لا يقارن مع التسليح الأمريكى بل والأوروبى للجيش الإسرائيلى. لكن مناوشات إسرائيل على الجبهة السورية، دفعت عبدالناصر إلى التصعيد. لكن تؤكد كل التقارير الغربية أن الحرب لم تكن فى نية عبدالناصر حتى اللحظة الأخيرة، وإن ما قام به من خطوات تصعيدية، كان مجرد تحركات من لاعب ماهر للشطرنج، لدفع الأمور إلى حد السخونة، لتتدخل الدبلوماسية الدولية لتهدئة الأمور، والبدء فى مفاوضات حول الوضع فى منطقة الشرق الأوسط.
لكن تطور الأمور لم يكن على هذا النحو فى إسرائيل، إذ تشير الوثائق الإسرائيلية إلى انقسام حاد بين جناحى السياسة هناك بين الحمائم والصقور؛ إذ يرى فريق الحمائم أن إسرائيل لا تتحمل الدخول فى حرب جديدة، وأنه من الممكن حل الأزمة دبلوماسيًا، خاصة أن عبدالناصر لا ينوى الحرب حقيقة، وأوضاع الجيش المصرى لا تسمح له بالحرب. وعلى الطرف الآخر كان جناح الصقور يدق طبول الحرب، وأن الفرصة مواتية لتوجيه ضربة قوية وسريعة ليس فقط لمصر، ولكن لسوريا والأردن، وأنه من الممكن الاستيلاء على القدس الشرقية وتوحيد القدس، وأنه الآن وإلا فلا، وعملت ماكينة إعلام اليمين الإسرائيلى على تصوير عبدالناصر بأنه هتلر الجديد. وكان تعيين موشى ديان وزيرًا للدفاع بمثابة انتصار لجناح الصقور، والدفع فى اتجاه الحرب!
وترتب على هزيمة يونيو تدمير ٣٠٠ طائرة من إجمالى ٣٥٠ طائرة هى مجموع سلاح الطيران المصرى، وتحطيم ٧٠٠ دبابة مصرية، وما يزيد على ١٠٠ قطعة مدفعية، ولكن الأخطر هو احتلال إسرائيل لأراضى ثلاث دول عربية: سيناء وغزة من مصر، والقدس والضفة الغربية من الأردن، والجولان من سوريا. وما زالت الأمة العربية تعانى حتى الآن من مضاعفات هزيمة يونيو ٦٧.