في حوار لمجلة الكواكب.. محمد عبد الوهاب أباب عن السؤال: هل كان بخيلا؟
في فترة من الفترات وتحديدا في منتصف الخمسينات، انتشرت شائعة أن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب بخيلا، وردد الكثيرون الشائعة، لكن هل كان عبد الوهاب بخيلا فعلا؟.
- حكاية بخل محمد عبد الوهاب
يجيب الموسيقار الكبير بنفسه عن هذا السؤال في مجلة "الكواكب" العدد 324 الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 1957 فيقول: “في الواقع أن حكاية وصفي بالبخل بدأت كما تبدأ الشائعات، والإشاعة لا تحتاج لمن يثبتها، ولكن تحتاج إلى من يرددها فتصبح في حكم الحقيقة، ومصدر هذه الشائعة لا يزال مجهولاً لدي”.
وتابع وإن كنت أعتقد أن مروجها هو صديقي الأستاذ توفيق الحكيم، وتوفيق هو في الحقيقة أبخل فنان، أو بعبارة أدق "أفن بخيل".. أعني أنه يتفنن في البخل أو يجعل من البخل فناً، ولست بعد هذا أنكر أن للشائعة نصيباً أو ظلاً من الصحة، إذا اعتبر الناس أن الدقة أو الحرص يدخلان في باب البخل، فأنا لست بخيلاً ويشهد بذلك كل أصدقائي، وخصوصاً توفيق الحكيم، الفيلسوف الضعيف الذاكرة، الذي يعرف الناس جميعأً ضعف ذاكرته، ويروون عنها الروايات والأساطير، إن الفيلسوف "الناسي" قد نسي مثلاً أيام كنت أدعوه للغداء أو للعشاء.. بل لقد نسي أيام أن كان يدعوني هو للغداء أو للعشاء.. ثم يتضح عند دفع الحساب أنه "نسي" حافظة نقوده في البيت، وأضطر أنا طبعاً إلى إصلاح ما أفسدته ذاكرته الضعيفة ومعدته القوية، والواقع أنني حريص ودقيق.. وهذه صفات لا دخل للمسائل المادية فيها، وإنما هي مسألة تتصل بطبيعتي التي تدعوني إلى دراسة الأرض قبل أن أضع قدمي عليها".
- سبب الاعتقاد في صحة الشائعة
و أكمل الموسيقار الكبير حديثه مع مجلة الكواكب فيقول: "وكثيرون يعتقدون في صحة هذه الشائعة بسبب حرصي على الخروج من البيت بلا نقود، وليس هذا الحرص ناتجاً عن البخل، ولكن ذلك لأنني لا أقيم وزناً للنفقات الصغيرة التي ربما تشغلني عما هو أهم، وفي كثير من الأحيان أخرج من البيت بلا نقود، ثم أنسى أن سيارتي غير موجودة، وأضطر إلى ركوب سيارة أجرة، وهنالك أترك لأي صديق دفع أجرة الركوب وربما يدل هذا على عدم حرصي، ولكنه لا يدل على البخل إطلاقاً، لأن البخيل في هذه الحالة يسير على قدميه ويوفر أجرة التاكسي، والناس دائماً يعتقدون أن ثروتي تسمح لي بأن أعيش مثل المرحوم آغا خان، فأمضي الربيع في قصر بباريس، وأمضي الصيف في فيلا على الريفييرا، وأشتري طائرة خاصة، وأضع نفسي في كفة، وثروتي في كفة أخرى محولة إلى ماس وزمرد وياقوت. وهؤلاء "مغشوشون"، فأنا فقير جداً بالقياس إلى نظرة هؤلاء الناس لثروتي.. وأنا مبذر جداً بالقياس إلى مستوى معيشتي".
الموسيقار الكبير: “ذاكرتي أنا الآخر تخونني في بعض الأحيان، فيعتقد الناس أنني أتعمد النسيان لمآرب أخرى، فقد يحدث أن أقترض من صديق جنيهاً أو جنيهين بسبب عدم وجود فكة في جيبي، وقد أنسى أن أرد هذا القرض. وعندئذ يقال عني أنني تعمدت ألا يكون معي فكة، وتعمدت أن أنسى أنني اقترضت!"
- البخل لم يخطر على بالي أبدا
وتابع موسيقار الأجيال "لكن صدقوني أن أحداً من أصدقائي المقرضين، لا ينسى أبداً ما أقرضني إياه، وإذا نسى.. فربما ينسى الرقم الحقيقي ويتذكر رقماً أعلى.. معتمداً على نسياني، وفي بعض الأحيان أمتنع عن إعطاء منادي السيارات مثلاً أي شيء، فيعتقد الناس أنني بخلت عليه! ولكن الحقيقة أنني عندما أفعل ذلك، فإنما أفعله لأسباب.. من هذه الأسباب أنني أخجل من إعطاءه مبلغاً لا يتناسب مع فكرته عني.. فلا بد إذا أعطيته شيئاً، ألا يقل هذا الشيء عن خمسين قرشاً مثلاً. فإذا ما تكرر هذا الأمر مع المنادين جميعاً، وهم بحمد الله يقفون لك في كل خطوة.. فماذا تكون النتيجة؟ لهذا فأنا أعطي مرة، و"أخجل" بضع مرات.. وأحياناً أنسى.. أو لا يكون معي فكة! أما البخل فلم يخطر لي على بال!"
وأضاف "أصدقائي الذين يعرفونني جيداً، لا يصدقون عني هذه الإشاعة، وإنما يعرفون عني الحرص والدقة في كل شيء، وإذا كنت قد حرصت على ثروتي المتواضعة من أن تتبعثر فيما لا طائل من ورائه، فذلك لأنني أشعر بأنني مدين بها كلها لأولادي، وأنني يجب أن أكون أميناً عليها من أجلهم، ويظهر أن "العفاريت" قد عرفوا أنها "فلوسهم" ولذلك أخذوا "يبعزقون" هنا وهناك بغير دقة ولا حرص.. لقد أنفق "الشقي" أحمد في يوم واحد جنيهاً كاملاً، ودهشت، فناديته وسألته: قوللي يا واد بصراحة.. أنت تجوزت!".