السلفية بين الانحسار والانحدار
عندما يغلق السلفى محمد حسين يعقوب موقعه الرسمى على شبكة الإنترنت وكذلك قناته على موقع اليوتيوب والمسجل عليها جميع دروسه وكتبه ومقالاته فى أعقاب شهادته التى أدلى بها أمام محكمة الجنايات مؤخرًا فى قضية (داعش– إمبابة) فإننا يجب أن نتوقف قليلًا لنسترجع معًا تلك الشهادة لكى نقف على فلسفة الفكر السلفى الطائفى، وكيف أنه مفتاح لما يسمى "بمافيا الأديان".
كنت حريصًا على متابعة تلك الشهادة التى أدلى بها السلفى محمد حسين يعقوب فى القضية المعروفة باسم "خلية داعش– إمبابة"، حيث أقر بعض المتهمين فيها أن آراءه وفتاويه هى التى دفعتهم لارتكاب العمليات الإرهابية ضد مرافق الدولة.. ومن المؤكد أن هناك الآلاف من الشباب قد تأثروا بأفكار هذا الرجل وغيره ممن يدعون أنهم من السلفيين.
والحقيقة أنه سبق لى التعامل مع هذا الرجل وأيضًا مع السلفى محمد حسان وأعترف بأنهما كانا يجيدان فن المراوغة بامتياز، ولذلك كنت متشوقًا لسماع شهادته فى تلك القضية أمام القاضى الجليل المستشار محمد السعيد الشربينى الذى يبدو أنه كان متأهبًا لهذا الأسلوب فكانت مناقشته تمثل قمة الوعى والإدراك لمبدأ "التقية" الذى يجيده هؤلاء عند مواجهتهم بالفكرة والحجة والبينة والعلم، ومن هنا جاءت إجابات هذا الرجل لتعلن عن سقوط أحد نماذج التسلف السياسى بعد 40 عامًا من الدعوة السلفية .
رأيت الرجل بعد أن حلف يمين الله يتبرأ من الذين اتبعوه، بل ويدينهم وينكر وجود فكر سلفى جهادى...وأنه لم يسبق له تأييد جماعة الإخوان الإرهابية رغم أننا جميعًا قد رأيناه أثناء اعتصام رابعة ومعه السلفى محمد حسان على منصة الإخوان بميدان مصطفى محمود وهما يطالبان المعتصمين والمتظاهرين بالثبات فى الميادين وعدم مغادرتها.. ويعلنان تأييدهما هما وأتبعاهما لجماعة الإخوان الإرهابية قائلين نحن بين أيديكم ودماؤنا دون دمائكم".
وأعتقد أن جميعنا يتذكر ما سمى وقتها "غزوة الصناديق " فى انتخابات الإخوانى محمد مرسى التى دعا إليها محمد يعقوب، وأيضًا تلك الدعوة التى أطلقها حسان لجمع التبرعات بالملايين تحت دعوى الاستغناء عن المعونة الأمريكية فى 2013، ولا أحد يعرف مصير تلك الأموال حتى وقتنا هذا.
لقد أنكر المذكور انتماءه لأى جماعة، وأنكر الفكر الجهادى، وأنكر تواصله مع جماعة الإخوان، وكذلك بعدم معرفته لمعنى الفكر السلفى.
لقد كشفت تلك المواجهة هذا المأزق الذى يعانى منه التيار السلفى الذى طالما استغل عقول الكثيرين من الشباب باسم الدين والدعوة والسلف الصالح....فها هو القاضى الجليل يضع التيار السلفى متمثلًا فى حسين يعقوب أمام خيارين أحلاهما مر...الأول الاعتراف بصحة فتواهم كمرجعية لخلايا الإرهاب الداعشى وفى هذه الحالة سوف تطالهم يد العدالة.... والثانى الإقرار بخطأ مريديهم وإدانتهم وهو ما فعله يعقوب على أمل اعتقاد المريدين أنه قد فعل ذلك تحت الضغط الذى جعله يمارس لعبة "التقية" التى يجيدها تيار الإسلام السياسى ببراعة حتى وإن ظهر متناقضًا أو مرتبكًا، ولكنه من المؤكد أنه من داخله كان متسلطًا ومقتنعًا بذات الفكر، ولذلك فإننى أؤكد أن تبرؤ المذكور من الفتوى أو الفكر التكفيرى والنعرة المتشددة يجب ألا ننظر إليها على أنها تراجع فى معتقداته أو مواقفه أو عودة إلى الحق.
إننى اليوم أناشد الشباب من أبناء الوطن ومن اتباع هذا التيار بعد اكتشاف خديعة مشايخهم والمتاجرة بهم وبالدين أن تكون شهادة هذا الرجل وغيره من هؤلاء المدعين بداية لإبطال كل تيارات الإسلام السياسى ومحاكمة تجار الدين الذين شوهوا قيم الإسلام الحنيف، ولوثوا عقول مريديهم من أجيال كاملة أسقطوها فى مستنقع الإرهاب.
إننا لابد أن نستفيد من هذا المشهد حتى نعيد للشباب توازنهم وتفهمهم لوسطية الدين لنستكمل معهم هدم منظومة الزيف والخداع التى سيطرت على عقولهم لعدة عقود.
كما أدعو الجهات المعنية سواء مؤسسة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والإعلام إلى أن تتلقف هدية يعقوب على خلفية دحض الفكر المتطرف والتيار السلفى المتشدد بعدما شهد شاهد من أهلها وذلك لكى نحمى شبابنا المغرر بهم الذين ليست لهم تجربة فى الحياة ولا علم لهم بالكتاب والسنة ولا بأهل العلم.
فلرب ضارة نافعة بإذن الله.
وتحيا مصر....