فلسطين.. هل آن الأوان؟ «3-3»
أثبتت سياسة الحروب فى الصراع العربى الإسرائيلى فشلها على مر العقود، فعلى الجانب العربى أعقب كل حرب- أو فى الحقيقة هزيمة- حدوث موجة جديدة من الانقلابات العسكرية، هذا فضلًا عن صعود متزايد للإسلام السياسى. وعلى الجانب الإسرائيلى- وعلى الرغم من الانتصارات فى أغلب الحروب- لم تستطع إسرائيل أن تحظى بالأمن، كما فشلت فى عملية السلام، وعلى المستوى الداخلى تراجع اليسار الإسرائيلى بشدة، وتوارت إلى الخلف حركة السلام الآن، وصاحب ذلك تنامى صعود اليمين الإسرائيلى، وبصفة خاصة اليمين الدينى المتطرف، وسرطانية بناء المستوطنات، وسيادة العنصرية حتى داخل الخط الأخضر، وفشل الديمقراطية المزعومة فى استيعاب عرب ٤٨.
كما راهن نتنياهو واليمين الإسرائيلى على نهاية مبدأ الأرض مقابل السلام، هذا المبدأ الذى حكم كل المفاوضات والمبادرات العربية والإسرائيلية منذ سبعينيات القرن الماضى، وفى المقابل رفع نتنياهو شعارًا غريبًا هو «السلام مقابل السلام»! وأتى على المنطقة حين من الدهر كانت كلمة السر فيه ما عُرِف بـ«صفقة القرن»،
لكن عودة الروح إلى القضية الفلسطينية من جديد كانت بسبب استفزازات اليمين المتطرف الإسرائيلى باقتحام ساحات المسجد الأقصى، وهو ما أعاد القضية من جديد إلى المربع الأول وحادث البُرَاق فى عام ١٩٢٩، وتذكر العالم من جديد أن هناك شعبًا هو الشعب الفلسطينى، وهناك أراضى محتلة، هى الأراضى الفلسطينية.
والآن... هل آن الآوان؟ هل من حلٍ للقضية؟ هل يمكن أن تسير المنطقة إلى طريق السلام؟ فى الحقيقة هناك فرصة تاريخية تدعمها متغيرات إقليمية ودولية، لعل أهم هذه المتغيرات أن الشعب الفلسطينى قال كلمته فى الشارع رافضًا للاحتلال، مقاومًا لسياسة الاستيطان وطمس الهوية الفلسطينية، ولكن يبقى الانقسام السياسى بين فتح وحماس عائقًا خطيرًا أمام استثمار هذه اللحظة التاريخية.
وعلى مستوى المنطقة، تراجعت مقولة «السلام مقابل السلام» وعادت الروح إلى مبدأ «الأرض مقابل السلام». وهناك إرادة مصرية أردنية- أكثر دولتين عانتا من جراء قضية فلسطين- لطرح مبادرة جديدة على أساس الأرض مقابل السلام، وخبرات سابقة مع الجانب الإسرائيلى، تتيح لمصر والأردن لعب هذا الدور.
وتعيش إسرائيل لحظة مهمة فى تاريخها؛ إذ تمت إزاحة نتنياهو عن الحكم بعد سنوات طويلة، ونجح اليمين واليسار فى تشكيل حكومة جديدة، انضم لها عرب ٤٨ لأول مرة. ربما تكون بالفعل حكومة هشّة، كما أن نتنياهو لها بالمرصاد، لكن إذا نجحت هذه الحكومة فى التقدم إلى مفاوضات سلام جادة وحقيقية، ربما تكون هذه الخطوة بمثابة قُبلة الحياة لها.
وعلى المستوى العالمى، رحل ترامب وتراجع مشروع صفقة القرن كأساس لحل القضية الفلسطينية، وهناك رئيس جديد وإدارة جديدة أكثر إيمانًا بحل الدولتين، وإنهاء هذا الصراع. كما عاد الاتحاد الأوروبى بقوة إلى الاهتمام من جديد بما يعرفه تاريخيًا بالشرق الأدنى، وليس الشرق الأوسط بالمفهوم الأمريكى القديم.
على أية حال هناك فرصة تاريخية الآن وليس غدًا لطرح مبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية، فهل تُدرك كل الأطراف اللحظة الفارقة، أم ستدخل المنطقة فى موجة عنف جديدة؟