«أنا بقيت روبابيكيا».. اعترافات توفيق الحكيم في أيامه الأخيرة
«السادات لم يمنحني حرية الاختيار كان يحدد لي الموعد والساعة كأنه أمر من رئيس الجمهورية، فلم أشأ أن أخالفه وإلا اعتبر ذلك اختلافا أو موقفا معاديا له دون أن يكون هناك شيء من العداء، ومع ذلك فقد اعتذرت مرتين عن دعوته لي لحضور زفاف بناته، وعندما دعيت لاستلام قلادة الجمهورية التي أهداها لي، كنت نويت السفر في يوم زيارته لاتحاد الكتاب ليسلمني القلادة، لكن زملائي قالوا لي: "إن عدم استقبالي لرئيس الجمهورية في مقر الاتحاد الذي أنا رئيسه يفسر تفسيرات معادية وأن علي أن أمنحه الرئاسة الفخرية لاتحاد الكتاب، ردا على تكريمه لنا بدعوتنا إلى استراحته في المعمورة لتناول طعام الإفطار معه في رمضان"، هكذا حكي الأديب الراحل توفيق الحكيم في حوار نُشر بجريدة "القاهرة"عام 2004، عن كواليس علاقته بالرئيس محمد أنور السادات.
وقال الحكيم إنه اختلق الأعذار عندما أخبره أن تسليم القلادة سيكون في حفل خاص، وتركها لاتحاد الكتاب.
وأكد الحكيم أنه ظل على وداد في علاقته بالرئيس "السادات"، لكن لم تكن تعجبه تصرفاته، خاصة وأنه بعد أن يسمح بالديمقراطية، فيضيق عنها، لأنه حسبما أشار الأديب الراحل إلى أن "السادات" كان يعتبر نفسه فوق النقد.
ولفت توفيق الحكيم، إلى أن "السادات" كان مخطئًا عندما ألقى بمعارضيه في السجن، وكان يجب عليه أن يدير معهم حوارًا ونقاشًا، كما أنهم أخطئوا في قتله، فالقتل ليس حلًا للتفاهم.
واعترف "الحكيم" بأنه يحب "السادات" و"عبد الناصر" رغم أنه اختلف معهما، فطالب بإقامة تمثال لعبد الناصر، وتبرع بـ50 جنيهًا، لكنه لم يستطع أن يطالب بتمثال لـ"السادات" واكتفى بزيارة زوجته في منزلها وتقديم العزاء.
الأيام الأخيرة
مات الحكيم ف 1987 كان قد بلغ من العمر ثمانين عاما.وبدأت الأمراض تهاجمه بقوة وقسوة عام 1981، عندما قرر اعتزال الكتابة، إلا أن الأمراض الشديدة لم تبدأ بشكل مباشر في وضع النهاية المحتومة إلا منذ عام 1984 عندما نقل إلى مستشفى المقاولون العرب مصابا بغيبوبة.
ففي 21 أبريل 1984، طلبت الإسعاف الخاصة بالعاملين في جريدة الأهرام لنقله من بيته المطل على النيل إلى مستشفى المقاولون العرب، إثر إصابته بهبوط في القلب والتهاب رئوي حاد، وقد تم إدخاله غرفة العناية المركزة ومنع الأطباء زيارته لحرج الحالة التي يجتازها.
في التقرير الطبي الذي أصدرته المستشفى وقتها قال الدكتور عبد المنعم حسب الله، أستاذ الأمراض الباطنة بطب القصر العيني إنه بعد إجراء الأبحاث والفحوصات وأهمها رسومات القلب وأشعة الصدر، اتضح أن توفيق الحكيم كان مصابا بقصور في الدورة التاجية للقلب.
وكان من أسبابه تصلب الشرايين الناتج عن عامل السن، وكذلك إصابته بنزلة برد شديدة، وقد أدت هذه ومع تقدم عمر الحكيم إلى إصابته بالتهاب رئوي، حيث أصيب فص كامل من الرئة اليمنى، مما أدى إلى انكماش الرئة، مما زاد من صعوبة التنفس، حيث أصيبت الرئة المصابة بالتهاب لا تعمل بكفاءة عالية، إضافة إلى ضغط السائل البلوري على القلب، مما دفعه إلى الجانب الآخر من الصدر، ونظرا لوجود قصور بالدورة التاجية في الأصل أدت جميع هذه العوامل إلى حدوث هبوط بالقلب مما أدى إلى حالة الصعوبة الشديدة في التنفس.
وحكى صلاح منتصر عن الأيام الأخيرة في حياة توفيق الحكيم، أنه بدأ في آخر يوليو 1984، في بداية شهر رمضان، انقطعت أخبار الحكيم بعد خوله المستشفى، وأصبح الإعلان عن خبر وفاته متوقعا.
دخل صلاح منتصر في 5 يوليو بعد الإفطار لجناح توفيق الحكيم، لم يجد في الصالون الملحق بالغرفة التي فيها السرير الذي ينام عليه، لا زائر ولا ممرضة ولا صوت أحد.
سحب منتصر كرسيًا وجلس أمام سرير توفيق الحكيم، وكان عبارة عن كومة هشة من اللحم، واختفى جسمه تحت الأغطية ولم يظهر منه سوى وجهه والطاقية التي كان يغطي بها رأسه، وكان الوجه بتجاعيده الغائرة يعطي إحساس إنسان وضع قدميه على حافة القبر وجلس في الانتظار.
سأل "منتصر" توفيق الحكيم، عن "الموت"، فرد :"لم يعد لي سوى الله، وفي دعواتي السابقة إليه لم يحدث أن دعوته بشدة طالبا منه أن يأخذني إلى جواه مثل هذه المرة، لأن مهمتي في الحياة انتهت، تصور أي مسرح في آخر الليل، بعد أن يغادر الجمهور وينصرف ممثلوه وعماله، مسرح خال بدون جمهور، ما الذي يبقى له سوى أن يمد عامل يده ويطفئ ما بقى فيه من أنوار، أنا هذا المسرح، وهذا الوقت بالذات هو الوقت المناسب الذي يجب أن ينطفئ فيه نوره".
وفي حديث توفيق الحكيم، أخبر صلاح منتصر أن الأطباء أخبروه أنهم هيأوا أنفسهم لموته، ولكن المعجزة الإلهية شاءت أن يعيش.
بعدما مر توفيق الحكيم من فترة المرض كان الأطباء يهنئونه على شفاءه، فيرد: ما الفائدة من حياتي؟ فيجيبوه: عشان تمتعنا، فيسأل: ليه هو أنا مطرب؟ فيقول الأطباء: "عشان تكتب لنا"، فيرد: " أكتب، هو أنا لسه حاكتب؟ أنا أريد شيئا له قيمة مهمة غير الكتابة لأنه ما فائدة الكتابة؟ الناس لو بتقرأ كان يبقى فيه أمل، لكن الناس النهاردة للأسف لا تريد القراءة، إذا قرأت فهي تقرأ الصحافة والمقال الطازج، وما عندي الآن ليس سوى الذكريات القديمة، وحياة قديمة، والناس عاوزه الطازه، لكن أنا بقيت روبابيكيا".