رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مراحل التطور

حي العباسية.. من صحراء للمنشآت العسكرية إلى أرقي أحياء القاهرة

حي العباسية قديما
حي العباسية قديما

ربما مرت بآذاننا ونحن نتابع واحدا من أفلام الأبيض والأسود٬ عبارة "صحراء العباسية" أجل كان حي العباسية صحراء جرداء لا يسكنها أحد٬ حتي تحولت إلي واحد من أعرق أحياء القاهرة. وفي كتابه "شوارع لها تاريخ ..سياحة في عقل الأمة"٬ يرصد مؤلفه الكاتب الصحفي عباس الطرابيلي٬ رحلة تحول الحي. مشيرا إلي أنها كانت أول ضاحية للقاهرة٬ والتي امتد العمران بها حتي التحم بالقاهرة نفسها٬ وامتد العمران ليعبرها إلي الشرق حيث مدينة نصر٬ وإلي الشمال الشرقي حيث هيلوبوليس٬ أو مصر الجديدة.

 

والعباسية وضع أساسها عباس حلمي الأول باشا والي مصر٬ والذي تولي الحكم بعد وفاة عمه الوالي الثاني إبراهيم باشا في عام 1848 واستمر واليا علي مصر حتي عام 1854 فقد قرر عباس الأول هذا تشييد ثكنات للجيش المصري علي حافة الصحراء ووضع أسس حي العباسية وشجع الناس علي تغيير هذه المنطقة عن طريق منح الأراضي وتشييد مستشفي ومدرسة وقصر٬ وسار علي منواله الوالي الرابع سعيد باشا.

 

إلا أن الطفرة الأساسية كانت في عهد إسماعيل باشا الذي أنشأ عدة مدارس عسكرية فيها ونقل إليها مدرسة الضباط "المدرسة الحربية" حتي يسهل علي التلاميذ القيام بالتمرينات الحربية وضرب النار. ففي عام 1863 أنشأ إسماعيل المدرسة التجهيزية بالعباسية٬ التي نقلت بعد فترة إلي درب الجماميز عام 1868 وعرفت باسم "المدرسة الخديوية". وفي عام 1868 أيضا أنشأ مدرسة المبتديان الإبتدائية التي نقلت بعدها إلي الناصرية ثم إلي حي المنيرة. كما أنشأ مدرسة البيادة "المشاة" 1864 وكان عدد تلاميذها عند الإنشاء 490 تلميذا. ثم مدرسة السواري "الفرسان" عام 1865 ومعها في نفس العام أنشأ إسماعيل باشا مدرسة الطوبجية "المدفعية" ومدرسة أركان حرب٬ ثم مدرسة الري والعمارة وسميت "المهندسخانة" 1866 بسراي الزعفران التي أنشأها إسماعيل باشا٬ والتي نقلت بعد ذلك إلي سراي درب الجماميز ثم إلي الجيزة.  

 

ويلفت الطرابيلي إلي أنه: ومع كل هذه المنشآت العسكرية وضعت الأساس السليم لحي العباسية الذي كانت بدايته سراي ضخمة أقامها عباس الأول٬ ثم بتشيجع من إسماعيل وتسهيل في تملك الأراضي٬ انطلق الناس يعمرون العباسية٬ ثم العباسية الشرقية٬ وإن كان البعض كان يري في ذلك ابتعادا عن قلب العاصمة٬ ولكن بسبب جفاف جوها وارتفاع أرضها أقبل الناس علي سكني العباسية حتي توسعت٬ وإن أصيبت بضربة شديدة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية٬ بسبب غارات الطائرات الألمانية والإيطالية علي المعسكرت الإنجليزية في العباسية.

 

وحي العباسية له تاريخ حافل في سجل العسكرية المصرية خلال أحداث الثورة العرابية٬ ففي يوم 18 فبراير 1879 عقد 600 ضابط مصري اجتماعا في ثكنات الجيش بالعباسية٬ خرجوا علي إثره في مظاهرة عسكرية٬ اشترك فيها طلاب المدارس العسكرية وبعض الجنود وثلاثة من أعضاء مجلس شوري النواب٬ وتوجهوا إلي مقر وزارة المالية في لاظوغلي بقيادة البكباشي "لطيف سليم"٬ وتربصوا برئيس النظار "نوبار باشا" والمفتش الأجنبي الوزير "ويلسون" عند خروجهما من النظارة "الوزارة" التي كانت قصرا لإسماعيل باشا المفتش "إسماعيل صديق" وضربوهما ضربا مبرحا٬ وسجنوهما في داخل الوزارة ولم ينقذهما إلي الخديوي إسماعيل. وفي اليوم التالي سقطت وزارة نوبار ولكن بعد أن أثيتت مظاهرة الضباط قدرة الجبهة الوطنية المصرية الرافضة للتغلغل الأجنبي.

 

وامتدت حركة العمران٬ فشهدت العباسية إنشاء المستشفي اليوناني والمستشفي الإيطالي٬ بعد إنشاء مستشفي الأمراض النفسية. وظل اسم العباسية قائما لأنه كان من الصعب تغييره بزوال حكم أسرة محمد علي عام 1953.