مجدوا أبطالكم.. وإن اختلفتم معهم
يصادف اليوم ذكرى الحكم الجائر الذي أصدرته حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا على المناضل الوطني نيلسون مانديلا وذلك في عام 1964، وهو نفس اليوم من عام 2010 الذي استضافت فيه جنوب أفريقيا حفل افتتاح بطولة كأس العالم التاسعة عشرة لكرة القدم، بعد أن تبنى مانديلا الترويج لملف بلاده لإستضافة البطولة، كأول دولة أفريقية تستضيف الحدث الرياضي الأول على مستوى العالم، ولكن نيلسون مانديلا ألغى خططه لحضور افتتاح البطولة بعد مقتل ابنة حفيدته في حادث سير وقع في الليلة التي سبقت يوم الافتتاح.
كم كبير من الكتب وضعت لرصد سيرة نيلسون مانديلا، وتحليل مسيرته سواء بخط يده كسيرة ذاتية، أو كتبها عنه محبون له من أتباعه السياسيين أو المتأثرين بمسيرته، فقد كانت قصة كفاحه مصدر إلهام لعشرات المؤلفين ومئات المحللين وآلاف المناضلين وملايين من الحالمين بالحرية لكل البشرية؛ والمساواة بين مواطني البلد الواحد دون تمييز بسبب دين أو لغة أو لون.
رحلة طويلة من النضال الثوري والكفاح الوطني السلمي أحيانًا والمسلح في أحيان أخرى، انتهت بعد سنوات جاوزت 27 سنة في السجن بسبب مقاومته رفضًا لسياسة الفصل العنصري، ثم سنوات أخرى من التفاوض مع ممثلي نظام التمييز العنصري إلى أن انتهت المفاوضات بإتفاق أنهى رحلة طويلة من النضال لتتكاتف بعدها الأيادي بيضاء وسوداء بهدف بناء دولة فتية في أقصى جنوب القارة السمراء، ولينتهي الأمر بإختيار مانديلا كأول رئيس أسود لجمهورية جنوب أفريقيا بين عامي 1994-1999، ثم يرفص الترشح لولاية ثانية، ويترك الحكم لشريك نضاله تامبو انبيكي، ويصير هو فيما بعد رجلاً من حكماء الدولة، يركز على العمل الخيري في مجال مكافحة الفقر وانتشار الإيدز من خلال مؤسسة خيرية حملت اسمه.
وفي مسيرتنا الوطنية قصص مشابهة كثيرة تضاهي قصة كفاح مانديلا، ففي سيرة عدد من مناضلي مصر من الوطنية والعطاء ما قد يتجاوز - دون أدنى مبالغة - قصة كفاح مانديلا ولنستحضر فقط قصص زعماء وقادة عمالقة أمثال: أحمد عرابي، مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول، محمد نجيب، جمال عبدالناصر وأنور السادات وغيرهم كثر.
لكن المحزن أننا نتعامل مع هذه الرموز الوطنية بمبدأ الحب و الكراهية؛ وذلك وفقا لمواقفنا وقناعاتنا السياسية، ونحاسبهم حساب الملكين وننتقدهم نقدًا لاذعًا ونحن نجلس على المقهى أو أمام التلفاز في انتعاشة مكيفات الهواء، لم نضع أنفسنا يومًا في مكانهم ولم نتخيل الظرف التاريخي الذي عاشوه واتخذوا قراراتهم وحددوا مواقفهم بناء على هذا الظرف، بل إننا لم نضع في حساباتنا أنهم بشر من طبيعتهم الخطأ والنسيان لكن أيًا منهم لم يتعمد الخيانة أبدًا ولم يقبل أن يبيع وطنه مهما كانت المغريات.
لا تتصور عزيزي أن مانديلا وأمثاله من المناضلين كانوا ملائكة بلا أخطاء، بل على العكس تمامًا ولكنهم - برحلة نضالهم - كانوا قادة وصاروا رموزًا تتعلم منهم الأجيال المعاني السامية ويتطلعوا للزود عن الوطن مهما كانت التضحيات.
قد تظن أنني أردد كلامًا مثاليًا لا يتسق مع لغة العصر المادية ولا يتفق مع حسابات المكسب والخسارة التي أصبحت تغلب على تعاملاتنا اليومية، لكن صدقني أنك انت شخصيًا ستغير مواقفك تمامًا وربما تتحدث بلغة فيها من الحماس ما يفوق لغتي في هدا المقال إذا ما دعاك الداعي لتنصر وطنك بكلمة أو بموقف أو حتى بالتضحية بعزيز لديك؛ أو أن تفتدي هدا الوطن بروحك أنت شخصيًا.
وليس موقف المشير السيسي في الثلاثين من يونيو عام 2013 منا ببعيد، وليس ما يبذله جنودنا البواسل وقادتهم في التصدي للإرهابيين ببعيد عنا، فلا تنجرف خلف من ينعق بكراهية بلاده ولتجعل من سيرة مانديلا وقبله قصص كفاح مناضلينا الأبطال أسوة تقيك من فتن قوى الشر وأذنابهم وإعلامهم المأجور.