للاستفزاز وليس الاحتفال .. لماذا تُعتبر "مسيرة الأعلام فى القدس" خطيرة؟
قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغر (الكابينت) أمس الثلاثاء تأجيل مسيرة الأعلام في القدس إلى يوم الثلاثاء القادم، بعد أن كانت مُقررة غدا الخميس، فيما خطط أتباع حزب الصهيونية الدينية الخروج في مظاهرة غير رسمية (تعويضية) يوم غد الخميس اعتراضا على إلغاء المسيرة الرسمية، وهي الفكرة التي قوبلت بالرفض من قبل الشرطة الإسرائيلية.
يحاول المتشددون اليهود تقديم مسيرتهم كتحرّك سياسي عادي يحفظه قانون التعبير عن حرية الرأي، لكن إصرارهم على المرور في الحي الإسلامي في القدس يدل على نواياهم الحقيقية وهي محاولة إلقاء عود ثقاب مشتعل في القدس، وهناك من يربط دوافعهم برغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاولة إحباط تشكيل الحكومة الجديدة عن طريق اشتعال آخر في القدس، وأن هذا التحرك بتحريض من نتنياهو وأتباعه.
المؤسسة الأمنية توقف المسيرة
أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس مشاورات في نهاية يوم السبت الماضي مع كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية دعا في ختامها إلى تغيير مسار مسيرة الأعلام المخطَّط لها، وأجرى القائد العام للشرطة تقديراً للوضع مع كبار المسئولين في إقليم القدس في هذا الشأن أيضا، فيما قالت مصادر سياسية إن الوضع الأمني عاد إلى طبيعته، وبالتالي يمكن القيام بالمسيرة، بحسب المسار الذي قُدّم للشرطة (بدون المرور في الحي الإسلامي) لكن المؤسسة الأمنية رأت في نهاية المطاف أن الوضع في القطاع لا يزال حساساً للغاية، وأن هناك فرصة لجولة صواريخ أخرى إذا تمت المسيرة وبالتالي تقرر تأجيلها حتى يوم الثلاثاء القادم.
طقوس مسيرة الأعلام
في كل بداية كل شهر عبري تجري مسيرة أعلام في القدس، مجموعات صغيرة ممن يعتمرون القبعات يأتون وهم يحملون الأعلام إلى البلدة القديمة، في حدث يسمى "جولة على الأبواب"، والمقصود به ليس ليس أبواب البلدة القديمة، بل أبواب الحرم الابراهيمي، وحتى تكتمل المسيرة يحتاجوا إلى المرور في شارع باب الواد الذي يقع في الحي الإسلامي والصلاة في الساحات الصغيرة قرب أبواب الحرم، وهي من الأماكن الأكثر حساسية والقابلة للانفجار في منطقة الشرق الأوسط.
كل شهر يدور الحديث عن حدث متوتر تتم حمايته من قبل الشرطة الإسرائيلية، تحدث بسببه بعد الاشتباكات.
غداً الخميس، يصادف بداية شهر تموز في التقويم العبري، جولة البوابات هذه المرة كان مُخطط لها أن تجرى بمشاركة أعداد كبيرة، بعد أن طلب حزب الصهيونية الدينية وجمعيات يمينية منها مجلسان إقليميان في المناطق وحركتا شبيبة وجمعية اليمين "إذا شئتم"، من الجمهور المشاركة في مسيرة أعلام تحت شعار "لنوحد القدس إلى الأبد"، وهو ما أعطى انطباعاً أن المسيرة هدفها هو الاستفزاز وليس الاحتفال.
الهدف المعنوي من المسيرة كان تقديم صورة أن من حق الإسرائيليين رفع أعلام إسرائيل في كل مكان في القدس، وهي الفكرة التي تذكر بما حدث عام 2000 عندما أراد أرييل شارون أن يثبت أن الحرم خاضع للسيادة الإسرائيلية وليس هناك مَن يمنعه من زيارته في أي وقت وعندما يشاء، وانتهت زيارته بنشوب الانتفاضة الثانية.
سبب لاندلاع مواجهة جديدة
مسيرة الأعلام السابقة والتي كانت في 10 مايو، استمع فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى توصية الشباك، وقرر أن يغير للمرة الأولى، بعد عشرات السنين، مسار المسيرة، ومنعها من المرور في باب العامود والحي الإسلامي، وذلك بسبب التوتر الذي كان قائما بالفعل في القدس الشرقية بسبب أزمة الشيخ جراح.
على الرغم من ذلك فإنه يمكن اعتبار المسيرة السابقة مع أزمة الشيخ جراح أنهما كانا وراء جولة المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وحماس.
منذ نشر الإعلان عن المسيرة أظهرت تقديرات أن المسيرة الجديدة يمكن أن تكون تكرارا للمسيرة السابقة وسلسلة الأحداث التراجيدية في أعقابها، فيما طلب المتحدث باسم حماس في غزة طلب من الجمهور المجيء للدفاع عن الأقصى. وأشار يحيى السنوار مرة أخرى إلى أن حماس ستدافع عن المسجد الأقصى إذا كانت هناك حاجة إلى ذلك.
مثلما حدث في مايو الماضي، فإن المسيرة تأتي في أوقت مشحونة بالتوتر في شرقي القدس بسبب إخلاء عائلات في الشيخ جراح وفي حي بطن الهوى بسلوان، وبسبب العنف بين الفلسطينيين ورجال الشرطة، وما يصاحبها تصريحات ساخنة من حماس. مع ذلك يوجد مكون واحد ناقص، خلافا لشهر مايو الماضي، وهو أن الأحداث في هذه المرة لا تأتي على خلفية شهر رمضان والأعياد الإسلامية التي دائما تزيد من نسبة التوتر في المدينة.
هناك تقديرات بأن نتنياهو أراد لدفع بهذه المسيرة لإشعال النار في القدس، وبالتي يحبط تشكيل الحكومة المُقرر التصويت عليها في الكنيست يوم الأحد المقبل، كمناورة أخيرة له، لكن كما يبدو أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية حاولت إحباط خطته، وقامت بتأجيل المسيرة إلى الثلاثاء القادم، وليس من الواضح أيضاً الأثر الذي ستتركه المسيرة المثيرة للجدل بعد يومين من تشكيل الحكومة المرتقبة.