ضحى عاصي تحاور سلوى بكر
«حوار بين جيلين».. سلوى بكر: الجوائز لا تشغلني.. والعمل السياسي ليس شعارات
- ما قدمته جزء كبير من طموحاتي ولا أهتم بمردود أعمالي.
- عارٍ في الشارع دفعني لكتابة أول قصصي.
ا
من هن مثلها، كن يشغلن أصابعهن في الكروشيه، عمل المطبخ، لكنها كانت كزرقاء اليمامة، تستبصر مصيرها، تعلم أن تلك الأصابع خلقت لتنحت في الصخر، تستخرج سيرة الأرض الأولى، تُخرج شخوصا مندسة تحت عباءة الخوف، أو القهر، فكانت روايتها البشموري، تستمد من تجربتها في المعتقل قوة دافعة للكتابة، تحكي عن شخوص عايشتها وعاشت معها، بين تجارب إنسانية، وأخرى تستحدثها الذاكرة الإبداعية، لتصل سلوى بكر لقمة التكريم بحصد جائزة الدولة التقديرية ،دون سعي منها، بل تقديرا لتاريخها الطويل.
"الدستور" تقتح الحوار بين جيلين؛ جيل الروائية بكل ما حققه من انتصارات وانتشار، وجيل الشباب ويمثله وتمثله الكاتبة والبرلمانية ضحى عاصي والتي تطرح أسئلتها لتجيب عليها صاحبة "البشموري" .
- شباب الجامعة في السنبلاوين كانوا يبحثون عن أحد يحكم لهم المباراة ويتمتع بالنزاهة فوقع الاختيارعلى سلوى بكر لتكون محكمة.. إلى أي مدى صدق هذه المقولة التي تصفها كأول فتاة تحكم مباراة كرة قدم؟
بطبيعة الحال لا.. هذا يرجع لأنى من ضمن هؤلاء الذين يكرهون كرة القدم، لا أتذكر واقعة في حياتى تماست مع هذا الأمر.
- ماذا عن طفولة سلوى بكر ومدى تأثيرها عليها؟
أنتمي إلى جيل ثورة يوليو، عندما دخلت المدرسة، كنا نرتدي مريلة تيل نادية، وكانوا يضفرون لنا شعرنا، ويضعوا لنا شرائط الشعر عليها وسم علم التحرير، كانت المسافة بين العام والخاص تبدو غير موجودة.
أتذكر في تلك الفترة، كنا نخرج في تظاهرات مؤيدة لثورة العراق ضد عبد الكريم قاسم، نهتف ضد «توشومبي» رافعين لافتات، تنديدا بمقتل «لومومبا»، المشهد كان معبأ سياسيا ووطنيا، فضلا عن أن كل الأغاني التى نرددها، أغاني تخص جيلنا، مثل «أمانة عليك أمانة، دع سمائي، قلنا هنبني وأدينا بنينا السد العالي».
- ما تأثير ذلك على نصك الإبداعي وكيف تنظرين لتلك التجربة الآن؟
في مرحلة التعليم الإعدادي، كنت بمدارس القبة الإعدادية، وكان من ضمن الطلاب جمال عبد الناصر، سلوى النبوي المهندس، ولما ذهبت لمرحلة الثانوية، كان من ضمن زملاء الفصل، فريدة فهمي ، هذا هو المناخ السائد في تلك الفترة، نسيج واحد أبناء وأصحاب السلطة والنفوذ، مع أبناء الشعب، يدرسون تحت سقف واحد.
دخلت منظمة الشباب في عام 66، وكنت ما زلت في المرحلة الثانوية الفرقة الأولى، كان عبدالناصر وبن بيلا بجانب عمر الشريف وعبدالحليم هم فتيان أحلامنا.
- بعد 72 أكملت سلوى بكر العمل السياسي وجرى اعتقالها عقب إضراب عمال مصانع الحديد والصلب رغم انقطاع عدد من الكوادر السياسية في تلك الفترة عن نشاطها ؟
هذا ما قيل عني، وتم اعتقالي، لكن الحقيقة تركت العمل السياسي، لسببين أولهما تركيبتي، وهو عدم قدرتي على الانخراط في العمل الجماعي، إلى جانب رؤيتي للعمل السياسي بأنه أكبر من الشعارات، وطول الوقت لدي اهتمام بموضوعين رئيسيين هما الحريات والعدالة.
- ماذا عن مفهوم العدالة؟
مفهوم العدالة فضفاض، كنا نطالب بأن يكون الحد الأدنى للأجور 30 جنيه، والحقيقة ليست هذه هي العدالة، لأنها أعمق بكثير، ومن هنا كان عليّ أن أبتعد عن السياسة، أما عن موضوع الحديد والصلب، فوقتها كنت بالإسكندرية، وعندما عدت إلى بيتي بمساكن شيراتون المطار، وجدت رجال الأمن يطرقون باب بيتي للقبض عليّ، وقبل أن اخرج معهم قدمت لهم الشاي، وقرص أسبرين لأحد الضباط، كان يعاني من صداع، أخذوني إلى قسم مدينة نصر، وجدت الناقد إبراهيم فتحي، والمحامي أمير سالم، وبعض اليساريين، عرفت فيما بعد أن سبب القبض عليّ أنهم وجدوا لدى إبراهيم فتحي كتاب لي.
- ماذا عن تجربة السجن؟
في طريقي إلى سجن القناطر، تحدثت إلى الضابط، وقلت له إنني حامل، وممكن ركوبي لعربة الترحيلات، يتسبب في أن أخسر حملي، فرفق بي، وجعلني أركب إلى جانبه في كابينة قيادة السيارة، وطول المشوار من القسم إلى سجن القناطر، كان حديثه لي نصائح بالابتعاد عن العمل السياسي.
وقضيت 15 يوما بالسجن، وكانت تجربة محتشدة بالمشاعر والموضوعات الإنسانية والغريبة والمثيرة في الوقت ذاته، ومن الأشياء التي لا يمكن أنساها أنني شاهدت سجانة من الوراق، كان لديها ابنها صغير ، وكانت تتركه للسجينات، يقضي الأسبوع معهن، وتأخذه يوم إجازتها، كان الطفل بالنسبة للسجينات ثروة، بما يمتلكه من مشاعر أمومة، وكانت سببا في كتابة مجموعتي «العربة الذهبية».
.
- ماذا يمثل لكم جمال عبدالناصر في ذلك الوقت؟
أتذكر أن ليلة زيارة الرئيس جمال عبدالناصر لنا في معكسر حلوان، بتنا «الفتيات» وقتها في المعكسر، وكان طبيعي أن جميع الفتيات تستعد للقاء الزعيم، بعض الفتيات كانت تضع الروج وأخريات كان يفردن شعورهن، وغيرهن كان يضعن الكحل، كان هذا هو المناخ العام والسائد، وأسباب انضمامنا إلى الحركة الطلابية، حتى جاءت نكسة 67، التي كانت فجيعة كبيرة علينا، وكان على الحركة الطلابية، أن تتجاوز هذا بالتفكير العملي، فكان تفكيرنا هو الكفاح المسلح.
- متى بدأت الكتابة؟
بدأت الكتابة بالصدفة، في شارعنا بمنطقة الزيتون، رأيت رجل عار تماما، ينزل إلى أحد فتحات المجاري ليصلحها، ولم يدر في مخيلتي يوما أن يحدث هذا، وقتها كتبت أولى قصصي.
بدأت في الـ22 من عمري كتابة القصة، ولم يشغلني النشر، حتى جاء شعبان يوسف ورفعت سلام، وأسسا مجلة كتابات جديدة، وسألني شعبان يوسف، «ما تعرفيش حد من الشباب بيكتب قصة؟ قلت له أنا، وأعطيته كراسة مليانة بالقصص لي»، أخذها وذهب بها ليحيى الطاهر عبد الله ليأخذ رأيه فيما أكتب، وكان رد يحيى الطاهر عبدالله قصص جيدة، وطلب منه أن يتعرف عليّ.
فيما بعد، ذهبنا ثلاثتنا «أنا ويوسف أبو ريه وشعبان يوسف» إلى يحيى الطاهر عبدالله، وبمجرد أن رآني يحيى الطاهر عبدالله، قال لشعبان أعرف سلوى من زمان.
- كيف ترى سلوى بكر منجز ما قدمته من أعمال إبداعية.. هل حقق لها ما أرادت؟
الأعمال التي قدمتها، قاصرة على جزء كبير من طموحاتي للكتابة، ويرجع هذا إلى أنني كاتبة كسولة، لست مهتمة بما بعد الكتابة، أعيش حياتي اليومية غير مهتمة بالافكار الخاصة بعملية ترويج ما أقدمه أو حتى منشغلة به.
أتمنى أن يسعفني العمر، حتى أقدم بعض طموحاتي، أما عن مردود الكتابة غير مهتمة، لكن بعض ردود الأفعال التي تصلني عن ما أنجزه تسعدني، وهناك عدد من الوقائع أدخلت عليّ تلك البهجة منها «مرة كنت في المغرب وكنت أنجزت رواية وصف البلبل»، وقابلني أحد النقاد وقال لي بحرارة أشكرك على الخطاب الذي كتبتيه في رواية وصف البلبل، فقد أرسلته لحبيبتي، وعادت علاقتنا.
- رغم شهرة سلوى، هل تحصلت على جوائز داخل مصر ؟
لم احصل على جوائز داخل مصر،لم أشغل بالي بها فهي وجهات نظر،وليس شرط التحصل عليها منجز ، الكاتب وتأثيره، لم اتحصل على جائزة، كذلك الراحلة نوال السعداوي التى فتحت ملف المرأة ولها حضورها الدولي،.وكل ما كنت ومازلت اتمناه العيش من عائد كتاباتي .
بما تنصح سلوى بكر الكتاب الجدد؟
بنصح أي مشتغل بالابداع ان يكون نفسه، لدي شعور طول الوقت انني غنية، إلى جانب عدم شعوري بان هناك ما ينقصني.
- كيف تري سلوي بكر مجتمعاتنا العربية ونظرتها تجاه المرأة ؟
مجتمعاتنا العربية مازالت تسير بقدم واحدة ،مازلنا نعيش في كارثة تاريخية بسبب وضع المرأة المؤسف ، يهمنى ان يتم التعامل معها كمواطنة ، ويتم الاعتراف بواجباتها ، يمكن أن تصدم إذا عرفت راي ناقد مثل جابر عصفور في كتابات المرأة بانه لا توجد كاتبات مصريات، وفي الوقت نفسه يدشن مقالاته للعربيات