من يؤتمن على العرض..
ليست «القايمة» فقط.. حكايات فتيات فرطن في حقوقهن الزوجية
استحال العيش بين نور.خ وزوجها، بعد خمس سنوات نتج عنها ثلاثة أطفال في أعمار متقاربة، فلم يكن أمامهما سوى الانفصال الذي اتفقا عليه بهدوء كما تصف، فانتقلت هي إلى بيت أبيها وعادت إليه وظل هو في شقة الزوجية تمهيدًا لاجراءات الطلاق.
تمت اجراءات الطلاق سريعًا، واتفقا على أن يبقا الأطفال مع الأم على أن يلتقيا بوالدهما وقتما شاء، إلى هنا سارت الأمور هادئة، حتى أرادت نور العودة إلى منزل الزوجية لنقل كل حاجاتها ومنقولاتها من الأثاث والذهب، ولكنها تفاجأت حين ذهبت بإن الشقة فارغة من كل شيء.
تقول: "أخذ كل ما في المنزل، حتى الأثاث الذي اشتريته بمال أبي، والشبكة والذهب الخاص بي وبعض الأموال، فلم يكن هناك قايمة أو مؤخر بسبب ثقتنا الشديدة فيه، وإصرار أبي على أن الرجولة لا تشترى بالمال وأن الزواج ليس صفقة يتحقق فيها المكسب لأحد الطرفين ولكن ندمنا على ذلك".
نور وغيرها كثير من الفتيات اللاتي سرن بمبدأ "من يؤتمن على العرض لا يسأل عن المال"، إلا إنهن يكتشفن سريعًا سوء اختيارهن ومن ثم دفع ثمن ذلك المبدأ غالي كما وصفن في حكايتهن لـ"الدستور" بعضهن في محاكم الأسرة يتناحرن مع الأزواج والبعض الآخر تنازلن عن حقوقهن.
لجأت نور وأبوها إلى أحد المحامين من اجل استرداد جميع ممتلاكاتهم، إلا أنهم لم يمتلكوا ورقة واحدة أو إثبات حق الفتاة في المنقولات: "القضايا لازالت مستمرة بيننا إلى الآن ووصلت إلى قضايا لحضانة الأطفال، لاسيما أنه تزوج بأخرى وعلمت أنه كتب لها كل ما يحفظ حقوقها".
تتذكر نور وقت إتمام الزواج حين وافقت على الخطوبة بـ"دبلتين" فقط لم يتعد سعرهما ألف جنيهًا، وأكملت الشبكة من ذهبها الخاص، ولم يكتب لها مؤخر أو قايمة: "أبي تنازل عن حقوقي وأنا وافقته لكن زوجي لم يقدر ذلك لقد تغير بشدة بعد الزواج".
توضح نهاد أبو القمصان، المحامية الحقوقية، أن التنازل عن حقوق الفتيات وقت الزواج لن يدفعه ثمنه غيرهن، مشيرة إلى أن الفترة الماضية كان هناك تحريض واضح على سرقة ممتلكات الزوجة وإيهامهن بأن الحفاظ على حقوقهن المادية نوع من قلة الأصل.
أبو القمصان تشير إلى أن القايمة هي في الأسعار المهر والذي شرعه الدين للزوجة ويدفعه العريس، ولكن تم إلغاؤه أو وضع مبالغ قليلة لذلك ظهرت فكرة القايمة للحفاظ على ممتلكات الزوجى: "يا أما قايمة بالمنقولات وحق الزوجة أو دفع المهر مثلما كان يحدث قديمًا".
وتبين أن مذهب الإمام أبو حنيفة أقر بأن المهر ركن من الأركان الشرعية للزواج، لكن بسبب سوء الأوضاع المادية تم إلغاء المهر وأصبح هناك قايمة، مبينة أن في قانون الأحوال الشخصية الحالي والمسودة التي تم تقديمها للحكومة تعتبر المهر من أساس الزواج، ومن حق الولي الفسخ إذا لم يقبض المهر.
وتضيف الحقوقية: "لكل من ينادي بالتنازل عن حقوق الزوجة أو إلغاء القايمة، هم ينادون بسرقة النساء والاستيلاء على حقوقهم، وتغيير الشرع الذي ينادون بتطبيقه ولا يعرفون منه سوى مثتنى وثلاث ورباع، ويوميًا يأتي للمركز المصري لحقوق المرأة أمثال الأباء التي اؤتمنت على العرض لأخذ حق ابنته".
تحكي رشا،خ، ما حدث لشقيقتها والتي تحدت أهلها من أجل إتمام الزواج بأحد زملائها في العمل، والذي كان مستواه المادي أقل بكثير منهم ويعاني من وضع مادي متعسر: "نصحتها أمي وأنا بأن تلك الزيجة ستنتهي بالفشل إلا أن أبي كان يوافقها الرأي".
توضح أنه تيسيرًا على ذلك الشاب وافقت شقيقتها وقت الخطبة على إحضار الدبلة فقط، وأن تسكن في منزل إيجار، وتحمل الأب ما يقرب من 90% من المنقولات والأثاث حتى الأشياء التي تعتبر بديهية على الزوج تحملها والدها تخفيفًا عليه.
تقول رشا: "ظل زوجها طوال عام كامل يستنزف أموالها بشتى الطرق، ويقوم بضربها ويرفض الإنجاب منها وكأنه يعلم بالنهاية، إلى أن تم الطلاق بينهما وعادت شقيقتي لمنزلنا مرة آخرى لكون منزل الزوجية إيجار وليس تمليك".
الكارثة كما تصف رشا أن زوج شقيقتها قام بسرقة الأثاث من الشقة كله، لاسيما إنها كانت إيجار واخفاه وأنكر ذلك، وفي نفس الوقت لم يكن هناك قايمة بالمنقولات: "لم نستطع إثبات شيء عليه فقد أخذ كل ما اشتراه أبي لأختي وبالقانون".
ويؤكد الشيخ ياسر سلمى، خطيب بالأوقاف، أن من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها حفظ الضروريات الخمس، ومنها حفظ المال، موضحًا أن حفظ المال بمعنى المحافظة عليه من الضياع والنهب والسلب وذلك مطلب شرعي.
ويضيف: "ولذلك نجد الشريعة تؤكد على أهمية الإشهاد والتوثيق وكتابة الديون قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ" من أجل المحافظة على الأموال وحمايتها من الضياع أو التلف".
سلمى يشير إلى أنه لاشك أن قائمة المنقولات تعد من هذا القبيل فهي تحافظ على ممتلكات الزوجة وأموالها، ولا يجوز التهاون أو التساهل في حفظ حقوق الزوجة خاصة: "نحن نعيش في عصر ضيعت فيه الأمانة وانتشرت فيه الخيانة وخربت فيه الذمم ولابد أن نعلم أن الإنسان مهما كان صالحا فإنه يتغير ولا يثبت".
ويتابع خطيب الأوقاف: "فهو في حالة الحب والتراضي شخص وفي حالة البغض والتقاضي يتحول إلى شخص آخر إلا من رحم الله، وبناء عليه يجب علينا أن نأخذ حذرنا و أن نحذر من الناس من غير أن نتهم أحدا إعمالًا لقوله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ".
يذكر أن حالات الطلاق في مصر خلال عام 2020 وصلت إلى 218 ألف حالة طلاق مقابل 225 ألف حالة في عام 2019، بينما عدد حالات الزواج في عام 2020 وصلت 902 ألف حالة، فيما بلغت نسبة المرأة المعيلة من 10% إلي 15%.