حوار بين جيلين.. منى العساسي: على الروائي أن يكون نبيًا «2 ـ 2»

تواصل “الدستور” نشر سلسلة حلقات حوار بين جيلين، ونستضيف في هذه الحلقة الروائي الكبير فتحي إمبابي والروائية الشابة منى العساسي. وفي الحلقة  الفائتة تحدثت الروائية الشابة منى العساسي عن بداياتها مع الكتابة، وأهمية ودور متابعة المبدع  وترويجه لمنجزه الإبداعي، ولفتت إلى  الصورة النمطية التى ينظر إليها للمرأة المبدعة في أقاليم مصر، وكيف تجاوزت هذه الصورة ، وإلى نص الحوار..

في روايتك ليالي الهدنة لغة تضارع ذرى الشعر العليا، وقد ساهم في إطلاق تلك الطاقة المتعلقة بجماليات اللغة اختيارك لأسلوب تيار الوعي، بينما تنتمي روايتك جبل التيه إلى (الواقعية الأسطورية)، وهو تنوع يثير الاهتمام... هل يمكن أن تخبرينا إلى أي مدى كان هذا يمثل اختيارا قصديا من الكاتب، وإلى أي مدى كان الأمر تعبيرا عن عفوية الكاتب وجدارته التلقائية في اختيار البني الفنية المناسبة التي تستجيب إلى حاجة النص الفنية؟

أظن أن النصوص هي التي تختار منهجها، ففي أثناء كتابة هذين النصين أنا فقط كنت اتبع افكاري  بتلقائية وبساطة، قد أكون نقحت أحدهم  بعد أن أعدت قراءته بالإضافة أو الحذف وبعض التعديلات، لكني لم أتدخل في اختيار المنهج، فلم أرسم شخصيات ولم أخطط لبناء درامي ولم أختر أسلوب كتابي بعينة ربما يكون هذا التكنيك أختلف بعض الشيء في أعمالي التالية وخاصة في روايتي الجديدة فقد اعتمدت علي جداول للشخصيات، وخريطة زمنية وكروت تحمل بعض التفاصيل التي تذكرني بمسار الاحداث وهي طريقة تعلمتها حديثا من أستاذي القدير فتحي إمبابي.

في رواية جبل التيه يلعب الصراع بين الخير والشر الدور الرئيس في النص، وقد بلغ النص ذري الكلاسيكيات اليونانية الخالدة، دون الوقوع في فخ النقل. وقد قدمت تلك الواقعية الأسطورية بصورة طازجة ومن خلال مفردات محلية الطابع مثل البيئة الريفية وثقافة الجماعة المصرية،وجري تناول ذلكبواسطة الصورة الكلية والأسطورية لحياة أبطالك الواقعية، من خلال شخصيات لا تنسي، هل يمكن أن نعرف رأيك حول الآتي في رواية جبل التيه يلعب الصراع بين الخير والشر الدور الرئيس:

* هل تعتقدين أن لفن الرواية مهمة ما؟
الرواية هي فن المعرفة الجذابة الذي تخاطب عقل وقلب الانسان، مرآة العالم التي نكتشف من خلالها هويتنا، ونتعرف عبرها على تاريخنا، هي ذاكرة الشعوب التي توثق عادتنا وتقاليدنا، مورثنا الشعبي ولغتنا، ترصد حسناتنا وسيئاتنا، أحوالنا وسلوكياتنا، هي واقع الحياة حتى وإن كانت  إبداع الكاتب، هي تاريخ البسطاء الذي لا يأتي على ذكرهم أحد، لسان الناس وحكايتهم التي يسبرها الكاتب ويعبر عنها عبر عوالم وشخوص تشبههم، هي ابنة الازمات والانتكاسات والهزائم، هي الفن الذي غير شكل العالم ولا يستطيع أن ينكر ذلك أحد فما فعلته الرواية الروسية واللاتينية في تغيير شكل أوربا جلي وواضح للجميع.

هل تؤمنين بأن هناك مسؤولية تقع على الكاتب؟

انطلاقا مما ذكرته عن التعريف الذي اتبناه  للروايه وعن أهمية هذا الفن ودوره في المجتمع، فاستطيع القول بأني أؤمن أن الروائي يجب إن يكون نبي، عليه إن يكون ذو مبدأ، صادقا مخلصا لفنه، مقتنعا بما يقوله ومسؤولا عنه، وليس منتفعا أو بوقا لأحد

برعت في كتابة فن الرواية والقصة القصيرة ولديك موقف لم يتضح أو يتشكل بعد عن قضايا المرأة المصرية بصورة عامة. هل يمكن أن توضحي موقفك تجاه هذا؟

أنا مهتمة بأبناء جيلي بل ومنحازة لهم كليا، ومهمومة بقضايا المرأة بشكل خاص فرواياتي ابنة اللحظة وابطالي هم ابناء هذا الزمن بكل ما فيه من تشظي  وتمزق في العلاقات وانعدم القيمة وفقدان النموذج، وقد تناولت شخصيات متعددة تمثلهم في رواياتي واعمالي القصصية امثال خالد ومريم في جبل التيه، وبطلة ليالي الهدنة، وكذلك بطلات مجموعتي القصصية الجديدة  كما كتبت عدد من المقالات التي تتحدث عن أوضاع المرأة ومدى الظلم المجتمعي الذي تتعرض له وضياع حقوقها بين الاعراف والدين والقانون

تلقى قصصك القصيرة ومقالاتك رد فعلا طيبا لدى القراء وخاصة المثقفين منهم.. هل لديك خطة لنشر مجموعة قصصية قريبا؟ 

نعم لدي مجموعة قصصية لازلت اعمل عليها تتألف من مجموعة من القصص القصيرة التي تتناول عدد من النساء البسيطات اللاتي ربما حدثت ولازالت تحدث ولا تسترعي مأساتهم انتباه أحد، تستعرض المجموعة مواقف ومشاهد مختلفة من عوالم هؤلاء النساء التي تنتمي الي شرائح اجتماعية مختلفة من الريف المصري، التي ربما لم  يلتفت لها أحد بسبب استكانتهم ورضاهم  واقتناعهم بميراث طويل من المعتقدات المغلوطة علي المستويين الاجتماعية والدينية  والتي شربوها وتوارثها دون أدنى إعمال للعقل فامنوا إن هذا هو  قدرهم ودورهم في الحياة، وقد تم نشر عدد منها بالفعل مثل، "ساتان أحمر"، "مقبرة الاحلام"، "جوري مانكي" 

هل لديك علاقة مع كتاب كبار وما هو موقفك من الكُتاب والكاتبات الذين ينتمون إلى جيلك الفني؟

نعم لدي علاقة بعدد من الكتاب والكاتبات الرائعين، لا استطيع ان اصفها بانها وثيقة فهي علاقات لازالت في البداية ارجو ان استطيع ان اوطدها في المستقبل،  فإقامتي خارج القاهرة وجائحة كورونا  مثلت حجرة عثرة في لقائي بالناس وتوطيد علاقتي بهم، ولا استطيع ان انكر دور عدد من الاصدقاء الرائعين الذين امنوا بي ودعموني دون إي غرض شخصي أو معرفة سابقة، يسعدني إن انتهز الفرصة و أعبر عن شكري وامتناني لهؤلاء الشرفاء ولما فعلوه وقدموه لي .

ما هو الكابوس الذي يؤرق منى العساسي التي تخطو أولي خطواتها في عالم الثقافة والإبداع المصري. وما هو الطموح الذي تنتظرين تحقيقه؟

كما ذكرت في السابق العام الماضي كون لدي خبرة قاسية ومؤلمة جعلت أسوء كوابيسي هي الفشل والذبول والاستسلام  والانهزامية أمام الجو  الخانق المليء بالتصورات الزائفة الذي يستهلك طاقة الانسان  في اشياء جانبية، الامر الذي  لازلت أعاني من تبعاته و أبذل قصارى جهدي  لكي لا يبعدني عن مشروعي وحلمي، فأنا أطمح أن أكون أحد النماذج الناجحة، أن أستطيع أن أثبت لنفسي ولبنات جيلي أننا نملك المقدرة والأدوات التي تضعنا كتف بكتف بجانب مبدعي العالم على اختلاف جنسهم وجنسياتهم، أن أساهم في منحهم الأمل أن كل من يجتهد ويفي لما يفعله سيصل ،وأن العالم سيستجيب له إن صدق، أطمح أن أهشم الصورة الكلاسيكية للمرأة المصرية المستكينة الضعيفة المستغلة من قبل الجميع، فنحن جميعا واقصد بها كل امرأة مصرية  نستطيع أن ننجح ونتحقق على كافة المستويات مهما كانت العقبات، كما أطمح أن يفسح لنا وطننا المجال لنصل للعالم. 

التحقت بالدراسات العليا لقسم علم النفس، لماذا؟ وهل هناك فائدة تعود على الروائي من تلك الدراسات؟

هي خطوة تأخرت كثيرا، لكن كما تقول الحكمة الشهيرة" أن تأتي متأخرا خيرا من إلا تأتي أبدا "،لعلم النفس الفضل الكبير في تكوين شخصيتي كإنسانة وروائية فقد ساعدني كثيرا في كتابة روايتي "جبل التيه وليالي الهدنة".

ففن الرواية هو أكثر الفون الادبية ارتباطا  بـــ  psychology ، فإذا كان علم النفس هو علم دراسة السلوك، فالرواية هي الفن الذي يرصد هذا السلوك، ومعرفة الروائي بهذا العلم ستساعده كثيرا في فهمه لشخوصه ومشاعرهم وافكارهم والوعي بنوازعهم وطريقة تفكيرهم و توقع اختياراتهم وإدراك  سلوكهم، من خلاله يمكن للروائي فهم صراعات ابطاله الداخلية بين id و super ego وبالتالي توقع سلوكهم الخارجي ومعالجة الافكار والمونولوجات الداخلية ودرجها في سياق تيار الوعي consciousness أو اللاوعيunconscious عن طريق الاحلام مثلا وتوظيف شخوصه داخل النسيج الروائي بالشكل الذي يتناسب مع ثقافتهم وتركيبهم النفسي وعلاقتهم بعوالمهم، كما أن الرواية ذات الابعاد النفسية التي تقوم على ابطال يعانون من اضطراب نفسي ليست جديدة فقد تناولها العديد من الكتاب العالميين أمثال دستوفيسكي وكافكا وفوكنر، وبشكل عام العلاقة بين الفن وعلم النفس علاقة وثيقة ولها جذور عميقة ولعل المدرسة السريالية من أهم المدارس التي تطرقت للغوص داخل النفس البشرية عن طريق الربط بين الواقع والأحلام.