«حوار بين جيلين»
منى العساسي: عائلتي لم تستوعب بعد فكرة انخراط أمراة في عمل إبداعي «1-2»
تواصل “الدستور” نشر سلسلة حلقات حوار بين جيلين، ونستضيف في هذه الحلقة الروائي الكبير فتحي إمبابي والروائية الشابة منى العساسي، وعلى غير المعتاد في حلقاتنا الفائتة والتى بدأنا فيها بأسئلة كتاب ومبدعي جيل الشباب ليجيبنا عليها الكبار أصر الروائي فتحي إمبابي أن يبدأ بطرح اسئلته وما يشغله تجاه واقع كتابات جيل الشباب المتمثل في الروائية الشابة منى العساسي.
منى العساسي واحدة من أبرز الروائيات الشابات، قدمت 3 أعمال روائية في الفترة مابين 2018 حتى 2020 " وهم “نقش على خاصرة الياسمين” ثم تبعه "جبل التيه"، و"ليالي الهدنة" وكلاهما صدر في 2020. وتشتغل الآن على مجموعة قصصية قيد النشر .
متى بدأ اهتمامك بالأدب والثقافة بصورة عامة؟ ومتى بدأت كتابة الرواية الأولى؟
لا أستطيع أن أوثق بدقة تاريخ اهتمامي بالأدب لكن ربما كانت البداية في طفولتي المتأخرة عندما سمعت عمي وزوجته التي كانت تعمل أمينة مكتبة أن ذاك يتحدثون حول رواية الحب في زمن الكوليرا لماركيز، من ثم استعرت الرواية وبدأت في قراءتها بنهم شديد، أغرمت ببطلتها وعوالمها للدرجة التي جعلتني أواصل القراءة حتى صباح اليوم التالي، حتى توسدت رأسي الصفحات دون أن اشعر، منذ ذلك الوقت اغرمت بكتابات ماركيز وتتبعتها بشغف، ثم بعد ذلك تعرفت على العديد من كُتاب الأدب العالمي أمثال دستوفسكي وهيمنغواي وفوكنر وتولستوي وغيرهم حتى أصبحت القراءة عادة يومية، فتنوعت قراءاتي حول الادب والفلسفة والفنون التشكيلية والعلوم الانسانية حتى تشكلت ذائقتي.
أما فيما يخص الكتابة، ففي الحقيقية لم أبدأ في كتابة الرواية سوى مؤخرا، لم اكن أدرك أني أملك هذه الملكة، لطالما كنت أعيد صياغة الروايات التي اقرأها أما بالحذف أو الاضافة او تعديل مسار الأحداث على هوامش الصفحات، لكني لم أكن أدرك مطلقا إني بهذا أكتب رواية، وأول عمل أدبي لي هو "نقش على خاصرة الياسمين" كتبته في عام 2018 وتم نشره في 2019 من ثم تبعه" جبل التيه" ،و"ليالي الهدنة " وكلاهما صدر في 2020.
تنتمين الي إحدى قري محافظة الشرقية النائية، هل يمكن أن تطلعينا على نشأتك وحياتك الثقافية قبل طبع أعمالك؟
ولدت في قرية بسيطة تنتمي لمحافظة الشرقية، الابنة الكبرى لعائلتي، تخرجت من قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقازيق، لم تكن حياتي سابقا تحتوي على شيء مميز أو خاص، تزوجت مباشرة بعد تخرجي من ثم انجبت ابني الأول طاهر وسافرت الي زوجي في المملكة العربية السعودية ، عملت هناك مدرسة للمرحلة الابتدائية، ولما كانت هناك صعوبة في الوصول إلى الكتب الورقية لأسباب عدة، عندها تعرفت على القراءة الالكترونية عبرPDF تلك الطريقة التي شكلت نقلة نوعية بالنسبة لي، فقد عرفتني علي الكثير من الكتاب العالميين الرائعين وأتاحت لي الوصول لعدد لا نهائي من الكتب المميزة والنادرة.
هل لاقيت دعما من محيطك شجعك على الانخراط في مجال الإبداع؟
ربما تكون عائلتي كالكثير من العائلات الريفية التي لم تستوعب بعد فكرة وجود امرأة مبدعة أو مميزة في شيء خارج المألوف، بشكل عام فالبيئة الداعمة للمبدعين أو الأدق للمبدعة الأنثى بشكل خاص تحتاج لمقومات عدة لا تتوفر في مجتمع القرية الذي نشأت فيه، خاصة وقد بدأت متأخرة.
إلى أي الأسباب ترجعين موقف الأسرة والعائلة، وهل هو موقف من الإبداع أم موقف من المرأة؟
كما ذكرت سابقا ربما تعود الأسباب لكونه لم تتوافر لديهم الظروف الثقافية لفهم طبيعة ما أكتب أو إدراك قيمته، فهم ككل البسطاء الذين يتحدثون عن محفوظ وزويل ويشيدون ويفخرون بإنجازاتهم لكنهم يستبعدون تماما فكرة أن يكون أحد ابناءهم من هذه الفئة، كما إن مجال الابداع الادبي مجال لم يطرقه أحد من عائلتنا من قبل، بشكل عام أوضاع المرأة الريفية على وجه الخصوص صعبة وسيئة فإن نصفتها القوانين في أخذ شيء من حقوقها يبقي الموروث السوسيو- ديني يطاردها ويبتزها ويقهرها ويسحق هويتها ووجودها لصالح المجتمع الذكوري الإبنوي الذي يدعم الابناء الذكور على حساب الاناث، هذا بشكل عام فما بالك بمن يتمرد على هذا النسق ويرفضه ويسعى لتحقيق عن ذاته واستقلاله خارج سلطته .
هل هناك أشخاص في حياتك كان لهم دور مساعدتك في مسيرتك مع الكتابة الإبداعية؟
قبل نشر روايتي الأولى لم يكن هناك وجود لأحد يعلم بأن لدي قدرة على الكتابة، ولا حتى أنا نفسي كنت أثق في ذلك، وبحكم البيئة والظروف تكونت لدي شخصية منعزلة، لا اتحدث كثيرا، ولا انخرط في نقاشات طويلة، ولا اعطي فرصة للناس أن تتطلع علي حياتي الخاصة، كان نشر رواياتي الاولى صدمة بالنسبة لهم، بعد أن نشرت رواية "جبل التيه" بدأت رحلتي داخل الوسط الثقافي القاهري فتعرفت على الروائي القدير فتحي إمبابي الذي أمن بي ودعمني بشكل كامل ومطلق .
على عكس المبدعين عادة كانت حياتك بعيدة تماما عن الأضواء، كنت منعزلة عن القاهرة عن وسطها الثقافي الصاخب، الى أي حد كان هذا إيجابيا وإلى أي حد كان سلبيا؟
في بادئ الامر لم أكن أدرك قيمة الوجود في القاهرة، كنت أتساءل مندهشة عندما يخبرني أحدهم بأهمية وجودي في القاهرة: لماذا عليا أن أتواجد هناك، ما علاقة الكتابة الابداعية بمحل إقامتي، هل الإبداع حكرعلى القاهريين!؟،بعد ذلك اكتشفت إن النص الجيد يحتاج لترويج جيد، وهذا الجزء هو بالضبط ما يتطلب التواجد داخل القاهرة حيث القرب من المنصات النقدية والاعلامية، أما عن ايجابيات الاقامة في الريف فربما تكمن في توافر الوقت وقلة المغريات التي تلهيك وتستهلك طاقتك ، يمكن أن يجد المبدع جوا مناسبا ليكتب بأريحية، اما السلبيات فربما تكون في بعد المسافة عن العاصمة والتواجد خارج الوسط الثقافي، عدم الدراية بخبايا دور النشر، صعوبة التواصل مع المنصات النقدية والاعلامية ..إلخ .
استقر الأمر في واقعنا الروائي على الفصل بين حياة المؤلف وخاصة الكاتبة والنص الإبداعي، ورغم ذلك يميل العدد الأكبر من جمهرة القراء الى اعتبار أعمالك الروائية تعبير عن حياتك الشخصية، كيف تتلقين الأمر؟ وإلى أي مدي يعد صحيحا، وما هو مدي ارتباط الأعمال الروائية بحياة مؤلفيها، وهل هناك نازع أخلاقي في الأمر؟
القراء العاديون يتناولون النصوص بأريحية شديدة ولا يطرق في ذهنهم هكذا اسأله، المشكلة كانت في الوسط الثقافي نفسه ،أول الامر كان الموضوع مزعج للغاية يدفعني للتساؤل بغضب لماذا يتم الربط بين العمل الابداعي وكاتبة، هل يجرؤ أحد على سؤال إيزابيل الليندي أو أليف شيفاك مثلا: هل نصك تجربة خاصة أم لا؟، لماذا يستكثر المثقفون المصريون على المبدع أو المبدعة المصرية أن تكون موهبة حقيقية تملك قدرات وأدوات لخلق نص جيد فنميل الي القول بأنه تجربة خاصة بدلا من كونها كاتبة قادرة على الابداع والخلق الفني؟، لماذا ننفي عن الادباء المصري دور المخيلة الروائية والمصداقية والحس الانساني.
لا أخفي عليك كان الامر يسبب لي حالة من الاستياء الشديد خاصة عندما يتصل بي أدباء ومثقفين لم يروني مطلقا بدعوى مناقشة النص ثم بعد ذلك أجد أنهم فقط يتصلون ليكتشفوا إلى إي مدى قد يكون النص تجربة خاصة؟ مما أفقدني الأمل لبعض الوقت، فإذا كانت الكتابة الابداعية التي تحتاج الي حصيلة كبيرة من القراءة والاطلاع في شتى المجالات كالأدب والفلسفة والعلوم الاجتماعية والنفسية ومتابعة ودراسة القضايا العامة بالإضافة إلى الخبرات الحياتية يتم تهميشها والتقليل من شأنها تحت جملة تجربة خاصة، إذا كانت هذه طريقة تفكير بعض مثقفين هذا الوطن، فكيف ستصل كاتبة مصرية إلى نوبل!؟
خلال حوالي عام ونصف أصدرت ثلاثة أعمال روائية، عبر اثنان منها على جدارتك ككاتبة وروائية. كيف استقبل الوسط الثقافي القاهري الكاتبة منى العساسي؟ من خلال تجربتك هل لديك نصائح مناسبة في الأمر؟
في البداية كنت كما العاصفة مندفعة وبريئة ولا ألقي بالا للعديد من الالتباسات والخلط الذي يمكن أن يحدث نتيجة هذا الاندفاع وربما لازالت كذلك بطريقة ما، على كل حال اكتشفت بعد ذلك أن الوسط الثقافي القاهري يشبه حقل ألغام ضخم أول دخولي فيه كان انفجار صاخب طبع في جهازي النفسي خبرة مؤلمة شقت عليا كثيرا، ولكنها في الوقت نفسه ساهمت في استنبات جهاز استشعار شديد الحساسية بداخلي، جعلني متحفظة وحذرة تجاه الجميع.
كما أني كنت أظن أن الوسط يستقبل المبدعات الجدد بنازع اخلاقي وضمير حي نابع من مسؤولية وإيمان حقيقي بالمبدع فيوفر له فناء صحي آمن داعم يساعده على الاستمرار والنجاح وليس جو مشتت ومستهلك لطاقته وموهبته، على الوسط إن يحتوي المواهب الشابة ويدعمهم بصدق، دعم حقيقي متحرر من الانانية والنوازع الشخصية والنظرة الضيقة التي تتسبب في إزاء الاخرين دون إي مبرر.
نصيحتي الوحيدة: على كل صاحب موهبة أن يؤمن بذاته ويبذل جهده، ويكافح من أجل تحقيق أحلامه، فمهما كان الطريق شاقا، لا شيء مستحيل "كل الاحلام تولد في مقبرة ،نحن فقط من يمنحها إذن الميلاد"