مآسي في دوري المظاليم.. أحلام قتلها الرباط الصليبي (صور)
أحلام صارت آلامًا في مستطيلات خضراء؛ كانت الأقدام تبحث فيها عن ترويض الساحرة المستديرة (كرة القدم) لتُحقق لهم أمانيهم في عالمها.. اختلفت الوجهات والأندية التي كانت تُداعب مُخيلة كلٌ منهم، لكن اتفاقًا اجمعوا عليه أن يبحثوا عن الحُلم.. عن الهدف.. عن الاحتراف، غير أن صدمة كانت في الطريق، زارهم الشبح الذي يخشاه اللاعبون.. رُعب الرباط الصليبي أوقف كل شئ، وباتت الأحلام التي يسعون من أجلها؛ آلامًا تؤرق حياتهم.
في دوري المظاليم، تكثُر مناجم المواهب الكروية في مصر، لتُزين مسابقتي دوري الدرجة الثالثة والرابعة بأهداف ولمسات سحرية، قد يُضاهي بعضها ما يجري في الدوريات الأوروبية، لكن فارقًا واحدًا يفصل بينهما، بأن الأولى لا توثقها عدسات الكاميرات أكثر الأوقات، وتضيع هباءً دون أن يُشاهدها سوى عدد قليل من البشر يحضرون هذه المُباريات.
جِراح لاعبي المظاليم لا تتوقف عند ضياع لمساتهم الساحرة عن أعين الجمهور، لكنها تزيد ألمًا حينما تضربهم الإصابات ولا يجدون أحدًا يقف إلى جوارهم في أزماتهم، ويبقى الأكثر ألمًا هو إسدال الستار على مسيرتهم في المستطيلات الخضراء، أو تكبيلها.
حكايات كثيرة عايشها «الدستور» طيلة مواسم ماضية بين لاعبي الدرجتين الثالثة والرابعة في القاهرة، كانت تروي مآسي ما يتعرض له هؤلاء اللاعبون بعيدًا عن الأضواء وتوفير ملاذ شرعي آمن يضمن وجود فرصة علاج مجانية في حال تعرضهم لإصابات داخل الملاعب، في ظل إمكانيات ضعيفة تُعاني منها مراكز الشباب أو الأندية التي يلعبون بها، قد تصل لمنحهم مكافآت فوز متدنية، فبعض اللاعبون يحصلون على 50 أو 100 جنيه في المباراة التي يحصلون على نقاطها الثلاث.
محمد أسامة، 25 سنة، لاعب نادي حلوان العام والحديد والصلب السابق، وشرق حلوان حاليًا، كان واحدًا من الذين واجهوا لعنة قطع غضروف الركبة وقطع جزئي في الرباط الصليبي، فكما يحكي لنا: تعرضت للإصابة هذا الموسم، وتم تشخصي بشكل خاطئ من قِبل أحد الأطباء، فأخبرني وقتها أن الأمر مجرد تمزق، وأنني سوف أتعافى خلال 4 أسابيع، لكنه لم يحدث.
يُضيف «أسامة»: ذهبت لإجراء رنين مغناطيسي على مكان الإصابة، فاكتشوا وجود قطع الغضروف وقطع جزئي في الرباط الصليبي، وهُنا بدأنا في الاتجاه لإجراءات العملية الجراحية، وتكلفتها كبيرة.. وتحملتها بمفردي، ونحن نعرف إمكانيات المكان الذي نلعب له ضعيفة.. هم يُمكنهم تحمل الإصابات المحدودة، لكن في المبالغ الكبيرة يكون الأمر صعبًا.
تكلف محمد نحو 20 ألف جنيه في علاج إصابته، ولم ينتهِ إلى الآن من جلسات العلاج الطبيعي التي يُجريها في طريق التعافي، بعد 6 أسابيع قضاها دون أن تلمسه قدمه الأرض بعد الجراحة.. خياطة الرباط الصليبي قد تُكلف الشاب 6 أشهر بعيدًا عن محبوبته كرة القدم التي يتمنى العودة لها مُجددًا.. يقول اللاعب، مؤكدًا تقديره الشديد لإمكانيات المكان الذي يلعب به، وأنها لا تسمح بتحمل هذه التكلفة، لكنها في نفس الوقت كبيرة بالنسبة له، خاصة وأنهم يلعبون دون تقاضي أجر، ويفعلون ذلك من وازع حبهم في المكان الذي تربوا فيه ويبحثون عن تحقيق شئ جيد بالنسبة له (الصعود لدوري الدرجة الثالثة).
محمود هابه، هو الآخر كان يلعب في دوري المظاليم، وتعرض للإصابة في عام 2018، مؤكدًا أنه لم يجد من يقف إلى جواره، وهو من بحث عن علاجه، وسعى لإجراء الجراحة على نفقة الدولة، لكنهم أخبروه بتحمل تكلفة المسامير، وكانت تكلفتها 3 آلاف جنيه، وساهم فيها النادي، لكنهم أخبروه أن تكلفة التأهيل سوف تكون بالمناصفة بينه وبينهم، لكنهم عادوا بعدها ليتنصلوا من وعودهم، ورفضوا المساهمة في تكاليفه.
في الإسكندرية، بدأ أحمد الشرنوبي، اللعب لنادي حرس الحدود في العاشرة من عمره.. كانت أحلام كثيرة تُراود الصغير لاستثمار موهبته الكروية التي قادته ليلعب للنادي الكبير، وظل 5 سنوات مع الحرس، قبل أن ينتقل في الخامسة عشر من عمره إلى نادي سموحة، وكانت أمنيته اللعب للفريق الأول بالنادي، وكان سن العشرين هو التاريخ الفارق بين تصعيده للفريق الأول، أو رحيله للعب لنادي لآخر، غير أن الخيار الأول هو الذي يتوق له اللاعب.
في التاسعة عشر من عمره، كانت الصدمة في حياة «أحمد» حينما تعرض لقطع في الرباط الصليبي الأمامي والغضروف الخارجي، وكانت المرة الأولى التي يتعرض لإصابة مثل هذه، ولم يكن لديه الوعي بشأنها.. «النادي تكفل بالجراحة، ولم يُقصر معي، لكن التأهيل كان خاطئًا، ولم أتعافى حتى بعد مرور 9 أشهر من الإصابة، وانتهى حُلم التصعيد للفريق الأول، وهُنا بدأت في البحث عن العمل لتوفير نفقات المعيشة، وظللت بعيدًا عن البساط الأخضر لعامين ونصف العام» ـ يقول أحمد.
بعد عامين ونصف، أجرى أحمد عملية تنيظيف الغضروف والرباط، وبعدها بثلاثة أشهر بدأ التعافي وممارسة الرياضة، لكنه بالتأكيد لم يعد مستواه كما كان، ولم تكن إمكانياتها ذاتها التي كان عليها قبل الإصابة، غير أن الاستمرارية أعادت جزء من مستواه ـ وفقما يقول.
عاد الشاب للعب فريق المنتصر المعمورة في دوري الدرجة الرابعة، ثم انتقل إلى نادي منارة الإسكندرية، وهُناك تعرض لإصابة أخرى بقطع في الغضروف، العام الماضي، لكن إمكانيات فريق في الدرجة الرابعة لا تقدر على تحمل تكاليف هذه الجراحة ـ وفقما يقول ـ وقرر الشاب التعايش مع إصابته بعيدًا عن محبوبته كرة القدم، وانتهت مسيرته في الملاعب على غرار هذه الإصابة.
يحلم اللاعب المحروم من لُعبته قهرًا بجِراح الإصابة، أن يجري تأسيس جهة تؤمن اللاعبين في حالة التعرض لأي إصابة، حفاظًا عليهم وعلى مستقبلهم.