رسالة إلى أمى
لا تغيبين عن خاطري أبدا يا أمي، لكنني لا أدري لماذا تلحين علي بشدة هذه الأيام، تعلمت من تجربة وفاتك ألا أؤجل التعبير عن مشاعري لمن أحب إلى الغد فربما لا يأتي الغد، أو يغادر من أحب قبل أن يأتي الغد، تعلمت أن العناق والقبلة دواء لأمراض ليس لها مسمى وليست لها أسباب معروفة، وأنهما حصن منيع ضد الوحدة والاكتئاب.
عندما أصيبت أمي بنزيف في المخ وجرينا بها إلى المستشفى، ظلت بالعناية المركزة يومين ثم أفاقت في اليوم الثالث وتم نقلها الى غرفة في قسم المخ والأعصاب،كان كل همي وقتها هو الاعتناء براحتها ومتابعة مواعيد تناول الدواء والحرص على مرور الأطباء عليها والعناية بالنظافة الشخصية، كنت على يقين أنها عدة أيام وستعود معنا إلى البيت وسأحكي لها كما اعتدت عن كل ما حدث.
نسيت في خضم المسئوليات أن أحضنها وأخبرها كم أحبها، نسيت أن أغمرها بالقبلات وأحكي معها حكاياتنا الجميلة، نسيت أن أحضر لها أولادي لتراهم وتضحك معهم ويلقوا عليها نظرة الحب الأخيرة، نسيت كل شىء يتعلق بالمشاعر، انصب اهتمامي على مسئوليتي تجاه رعايتها والاهتمام بتقارير الأطباء التي كانت تتغير كل يوم نظرا لحالتها الحرجة، لم أتوقع رحيلها أبدا فلم تكن مريضة بأي مرض ولا أدري لماذا نزف مخها بهذا القدر الذي انخفضت معه درجة الوعي للحد الذي أعاق تدخل الأطباء جراحيًا.
أنبت نفسي كثيرا بعد وفاتها، لكنني حرصت أن أمنح نفسي مساحة كافية للحزن عليها حتى أكتفي، وألا أكتم مشاعري لوقت آخر، فوقت المحنة هو دائما الوقت المناسب لإظهار المشاعر، سجلت كل اللحظات في الذاكرة حتى إنه انهالت علي رؤى كثيرة بعد وفاتها تنبئني بأشياء لم أكن أعرفها، فكتبتها حتى لا أنساها ولكي أعود إليها كلما هاجمني الحنين.
التظاهر أننا بخير ونحن نعاني يصيبنا بالأمراض، لا يجب أن ندعي المثالية وأن كل شىء تمام، فليس عيبًا أن نحزن ونبكي ونتألم ونطلق سراح مشاعرنا وحزننا، أن نصرخ في الفراغ أننا لسنا بخير، ربما يمنحنا ذلك دفعة وطاقة إيجابية لاستكمال الطريق وربما يقنعنا أن القادم أجمل.