«توازن الرعب».. ماذا بعد وقف إطلاق النار فى غزة ؟
رغم انتهاء الجولة العسكرية الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة باتفاق وقف إطلاق النار، برعاية مصرية، فإن الآمال فى تهدئة طويلة المدى تستطيع أن تصمد لمدة من الزمن لا تزال محل شك، خاصة أن المشهد الحالى يتشابه مع مشاهد سابقة، تم فيها التوصل لاتفاقات بين الجانبين لكنها لم تصمد طويلًا. غير أن البعض يرى أن هذه الجولة من التصعيد مختلفة، فالطرفان أعادا معادلة «توازن الرعب» إلى الواجهة مرة أخرى، وكلفة المواجهة باتت صعبة، ومن ثم فإن التعويل بات على إدراك أهمية اتفاق تهدئة طويل المدى لمنع الخسائر الفادحة.. فهل ستنجح هذه المساعى؟
تل أبيب ما زالت تخطط لاغتيال قائد كتائب «القسام».. واستعدادات لأى جولة تصعيد محتملة
بعد أيام من وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، لم يتضح بعد لدى قيادات الجيش الإسرائيلى والمسئولين الأمنيين والمحللين السياسيين فى تل أبيب ما إذا كان من الممكن التوصل لهدوء طويل المدى على حدود القطاع، مع الاتفاق على أن المعركة الماضية لم تضمن استمرار الهدوء.
ويرى معظم المحللين العسكريين فى إسرائيل أن تل أبيب يجب أن تظل مستعدة للرد على أول صاروخ جديد أو بالون حارق يخرج من قطاع غزة عبر تصعيد جديد وجولة قتال إضافية، فيما يعتقد آخرون أن هذه الرؤية تجعل إسرائيل أسيرة فى يد كل من يملك صاروخًا أو بالونًا حارقًا فى القطاع.
ويقارن المحللون فى إسرائيل بين المشهد الحالى ومشهد ما بعد عملية الحرب على غزة فى عام ٢٠١٤، والمعروفة باسم «الجرف الصامد»، التى انتهت اتفاقات الهدنة بها بعد التوتر على طول السياج الفاصل مع قطاع غزة فى ٢٠١٨، مع التأكيد على أن اتفاقات التهدئة بين الجانبين على مدار السنوات الماضية لم تصمد أمام أى اختبار حقيقى، كما لم تطبق كامل بنودها على أرض الواقع فى أى مرحلة، وهو ما يثير التساؤل حيال أى اتفاق جديد.
ويؤكد المحللون فى إسرائيل أن النجاح الحقيقى للعملية الأخيرة لا يمكن رصده إلا بعد عدة أشهر، مع اتضاح تأثير هذه الجولة على قدرات الفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، على رأسها حركة «حماس»، بالإضافة إلى قياس مدى تخوف الفصائل من الانخراط فى تصعيد جديد خلال السنوات المقبلة.
ويزعم المحللون أن الجيش الإسرائيلى حقق نجاحات متعددة خلال جولة التصعيد الماضية، من بينها تدمير البنية التحتية لقوات «حماس» تحت الأرض، وهو ما تحقق جوًا لا بقوات برية، بالإضافة إلى النجاح فى تدمير قدرة حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» على إنتاج الصواريخ، وهو ما يستغرق عدة أشهر لترميمها.
كما يشيرون إلى أن العملية الماضية أسفرت عن تعطيل خلايا إنتاج مضادات الدروع لدى الفصائل الفلسطينية، وكذلك قواتها البحرية وطائراتها المسيرة، الأمر الذى يضمن تعطيل قدرات الفصائل لعدة أشهر على الأقل.
وبالطبع فإن هذه الدعاية الإسرائيلية لـ«انتصار مزعوم» فى قطاع غزة تنفيها المعلومات القادمة من الجانب الفلسطينى، حيث أشار زعيم «حماس» فى قطاع غزة، يحيى السنوار، إلى فشل إسرائيل فى مخططها لاغتيال الصف الأول من «حماس»، فى حين لم تنجح سوى فى اغتيال قائد واحد فقط من هذا الصف، وبالنسبة للصف الثانى لم تنجح سوى فى اغتيال ٥ أشخاص فقط، هذا فضلًا عن فشلها فى تدمير البنية التحتية والأنفاق سوى بنسبة قليلة جدًا، تحتاج إلى فترة قصيرة جدًا لإعادة الأمر كما كان، حيث قال «السنوار»: «الضرر الذى لحق بشبكة الأنفاق لم يصل إلى ٥٪، وستتم معالجته خلال أيام».
هذا إلى جانب أن مخزون الصواريخ يمكن أن يعود لما كان عليه قبل جولة التصعيد الأخيرة خلال فترة ليست طويلة، وفق تأكيدات قادة «حماس». كما أن إسرائيل فشلت فى اغتيال محمد الضيف، القائد العام لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكرى لحركة «حماس»، لكن الأجهزة الأمنية فى إسرائيل أجمعت على وجوب اغتياله فى أول فرصة سانحة، حتى لو تم التوصل لاتفاق تهدئة، وحتى لو كان ذلك سيؤدى لتفجير الأوضاع مجددًا. وعن مسار المفاوضات المرتقبة مع الفصائل الفلسطينية، يتوقع المراقبون أن تطالب إسرائيل بوقف إطلاق النار وتهدئة طويلة المدى دون شروط، وكذلك بالتزام دولى بإعادة الأسرى والمفقودين، ونزع سلاح «حماس»، مقابل إعادة إعمار القطاع وتقديم المساعدات تحت رقابة إسرائيلية، ما يضمن ترسيخ معادلة «الإعمار مقابل السلاح». كما يؤكدون أن المطالب الإسرائيلية للتهدئة طويلة المدى ستشمل تقييد صناعة السلاح المحلية فى القطاع، والمراقبة على دخول أى مواد ثنائية الاستخدام إلى غزة، وهى المواد التى يمكن أن تُستخدَم فى إنتاج بعض وسائل القتال، مع ربط كل ذلك بمسألة إعادة الإعمار. ويرى المراقبون أن الهدف الإسرائيلى فى الفترة المقبلة هو جعل غزة تتحسب من خسارة الكثير فى الحرب المقبلة، مع خلق دوافع لدى «حماس» تجعلها تمتنع عن أى تصعيد جديد، مشيرين إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانت الفصائل الفلسطينية، على رأسها «حماس»، يمكنها أن تقبل بمطالبات مثل هذه، أو أن الموقف الإسرائيلى يمكن أن يسمح بخروج اتفاق تهدئة طويل المدى إلى النور.
«حماس» تطالب بعودة التفاهمات السابقة وربط التفاوض بالأوضاع فى القدس
المطالب الفلسطينية فى المقابل لا يتوقع أن تختلف بصورة جوهرية عن مثيلتها فى أعقاب جولات التصعيد الماضية، لذا يتوقع المراقبون أن تتمحور المفاوضات حول نفس البنود التى تم التوصل لتفاهمات بشأنها فى عام ٢٠١٨، بعد جولة التصعيد على السياج الحدودى للقطاع. ويعتقد المراقبون فى إسرائيل أن الشىء المختلف فى جولة التفاوض المقبلة فى القاهرة سيكون فى إصرار حركة «حماس» على ربط التهدئة مع غزة بالموقف فى الضفة الغربية، وتحديدًا فى مدينة القدس، مع المطالبة بخروج القوات الإسرائيلية من الحرم الإبراهيمى. ويتوقع كثيرون فى إسرائيل أن تصر «حماس» على هذا الربط بين اتفاق التهدئة والأوضاع فى القدس، لكون التوتر فى المدينة المقدسة هو السبب الرئيسى وراء جولة القتال الماضية، مشيرين إلى أن الحركة ستنظر لأى تهدئة فى التوترات بالقدس باعتبارها إنجازًا يبرر التصعيد الأخير.
وتؤكد التقارير الإسرائيلية المختلفة أن «حماس» ستحاول خلال جولات التفاوض فى الفترة المقبلة الربط بين العمليات العسكرية فى غزة والأوضاع فى القدس، من أجل اكتساب مزيد من الشعبية، سواء فى الداخل الفلسطينى أو بين «عرب ٤٨» فى إسرائيل.
وتشير هذه التقارير إلى أن أى تراجع فى الموقف الإسرائيلى بالضفة سيجرى الترويج له باعتباره انتصارًا لـ«حماس»، ما يستوجب الدفع باتجاه ترتيبات أمنية جديدة فى القدس، بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية ومصر والأردن، للتوصل إلى اتفاق ناجح بهذا الشأن، يقلل من التوتر بالمدينة المقدسة.
ويؤكد محللون أن «حماس» حققت بالفعل مكاسب هائلة خلال جولة التصعيد الأخيرة، حيث أظهرت قدراتها العسكرية النوعية والتطور الكبير الذى حدث فى قوتها القتالية الذى أفضى إلى اختراق منظومة القبة الحديدية، فضلًا عن تطور قدراتها الاستخباراتية ونجاحها فى تفادى «خدعة الحرب البرية» التى حاول الإسرائيليون الترويج لها لدفع «قوات النخبة» إلى التقدم لمواقع دفاعية ومن ثم القضاء عليها من قبل جيش الاحتلال.
وبالطبع فإن الخسائر الاقتصادية الكبيرة فى إسرائيل والحراك بين فلسطينيى الداخل للمرة الأولى والتضرر الكبير فى تل أبيب، انتصارات لا يمكن إغفالها لصالح الفصائل فى غزة.