«الشهد والدموع».. كيف بسط أسامة أنور عكاشة حقيقة العالم في عمل درامي؟
حكاية قد يراها المشاهد العادي قصة صراع عائلي على الميراث، خلاف دب بين إخوة، أحدهم تملكته شهوة المال، والآخر تملكته شهوة الحياة، غير أن ما قصده أسامة أنور عكاشة، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم، أبعد من فكرة ثنائية الصراع بين الخير والشر، لكنها تعرية للحقيقة البشرية.
يرى أسامة أنور عكاشة أننا في النهاية نحمل بين صدورنا الثنائيات جميعها، الجميع بداخله حافظ صاحب الشر المطلق، وشوقي الطيب حد السذاجة.
فلسفة وضعها أسامة أنور عكاشة في مسلسل "الشهد والدموع"، أحد أبرز أعمال الدراما المصرية، غير أنه وضعها ممزوجة بقدرته على تبسيط حقيقة العالم، ليقدمها في صورة مجموعة من الحكايات داخل حارة مصرية شديدة البساطة، بين إخوة انتموا لعائلة مصرية، وداخل الحكاية أفرغ عكاشة خبرته في رصد النفس، والتناقض الإنساني.
يعرض "عكاشة" في المسلسل كيف أدرك الأب، الحاج رضوان، صاحب التجارة والأموال، أنه أنجب ولد يشبهه في شبابه، يحاول أن يحصد كل شئ، غلبته المادة في تكوينه البشري، وافتقد إلى الروح التي يحقق وجودها التوازن، فالإنسان جسد له ميزان، يضبط ايقاعه مادة تحكم العقل، وروح تسمو بالقلب، إن اجتمعا في نفس الجسد تحول العالم إلى يوتوبيا، لكن لسبب نجهله، يصعب أن يجتمع الإثنان معا في مكان واحد، وإن حدث كانت مجرد استثناءات، مثل شخصية زينب، زوجة حافظ، التي امتلكت العقل الذي يفكر، والقلب الذي يحب.
وفي سيناريو أسامة أنور عكاشة، عندما يدرك الحاج رضوان حقيقة أولاده حافظ، وشوقي، يحاول أن يواجه المكتوب، ويغير المصائر، فوزع ثروته في حياته، وأجبر ولديه على مشاركة العمل، ظنا منه أن المادة التي تغلب على جسد حافظ، وجعلته قاس القلب، جاف المشاعر، وأن الروح التي تغلب على جسد شوقي، وجعلته طيب إلى حد السذاجة، فوضوي، ظن الأب إن أجبرهما على التواجد معا ربما حقق المعادلة الصعبة. غير أنه بفعلته تلك أخرج الشيطان من مكمنه، فقتل الأخ أخيه دون أن يقصد، أو ربما كانت رغبة مكتومة، خاف أن يجهر بها حافظ، طبقا لسيناريو عكاشة، فترك غيره يجهز على روح أخيه، لم يملك حافظ جرأة قابيل الذي جهر بقتل أخيه هابيل، لكنه ملك القدرة على تقبل المسألة، سلسال ممتد منذ خلق الله آدم.
كان أسامة أنور عكاشة شديد القسوة في عرض فلسفته داخل العمل، فصور الجميع نفس الشخص القاتل، إلا مجرد استثناءات قليلة، فالأب رضوان، انتهت به الحياة كسير بسبب جحود الابن، وبعد مرور سنوات عديدة، ألبست الحياة الابن نفس الثوب، فهام حافظ على وجهه كسيرا بعد أن داست عليه قسوة الأبناء. نفس المشاهد التي بدأ بها الجزء الأول من المسلسل لخذلان الأباء، انتهى بها الجزء الثاني من المسلسل، بعد أن كبر الأبناء وأصبح لهم أبناء يكسرونهم هم أيضا.
يرى أسامة أنور عكاشة أنها دائرة لا تنتهي؛ فحافظ، الابن الضال، تنازعه نفسه في العديد من المشاهد، تحاول روحه الغلبة في معركتها مع نفسه الأمارة بالسوء، لكنها تفشل دائما، ربما لو كان حافظ يملك قوة زينب زوجة أخيه لما سقط في غياهب الكره، وأسر شهوة المال.
نفس النظرة لحياة شوقي، الأخ الطيب، نجد أنه انساق إلى عالم الحب المطلق، وأراد أن يعيش حياة مجردة دون أدنى مسؤوليات، أو اختبارات، أو مواجهة، كان سلبيا دائما في الدفاع عن حقه، وحق عائلته، وانتهى به المطاف جثة هامدة دون حتى أن يشهر سيفه في وجه ظلم أخيه، مات في نومه عندما أدرك حتمية المواجهة، بعد أن خسر كل شئ، فهو مجرد روح، لا تملك النصف الآخر الضروري للحياة.
يرى أسامة أنور عكاشة أن الإنسان في النهاية يحتاج إلى مادية حافظ، وصوفية شوقي، ممتزجان في نفس الجسد، حتى يستطيع استكمال الطريق إلى نهايته!