مصر وغزة.. تاريخ مشترك «٢-٢»
مرّ بنا فى الجزء الأول من المقال مدى ارتباط غزة- وفلسطين عامةً- بمصر على مر التاريخ، ولعل العبارة الشهيرة لجمال عبدالناصر بعد عودته من حرب فلسطين فى عام ١٩٤٨ خير دليل على ذلك؛ إذ قال ناصر: «لقد اكتشفت أن رفح ليست آخر الحدود المصرية».
من هنا كان رفض الحكومات المصرية بعد حرب ٤٨ التنازل عن غزة لتصبح قاعدة للقوات البريطانية، بديلة عن قاعدة قناة السويس، وكان هذا الشرط مطلبًا أساسيًا لبريطانيا للحفاظ على وجودها فى الشرق الأوسط، لكن أهل غزة فضلوا بقاءهم تحت الإدارة المصرية.
ويشهد التاريخ بأن مصر، وطيلة فترة إدارتها لقطاع غزة، كان هدفها الرئيسى رعاية القطاع وتنميته والحفاظ على هويته الفلسطينية، حتى يتم الاعتراف بدولة فلسطين.
وتشير المصادر إلى زيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين من فلسطين ٤٨ إلى قطاع غزة، ويقدرهم البعض بحوالى ٢٠٠ ألف لاجئ، وهكذا وجدت مصر نفسها ملزمة برعاية شئون هؤلاء اللاجئين، بالإضافة إلى السكان الأصليين لغزة.
وقامت الإدارة المصرية فى غزة بإحداث نهضة تعليمية؛ حيث طُبِقَ النظام التعليمى المصرى فى القطاع، وبدأت الإدارة المصرية فى التوسع فى إنشاء المدارس، وأصرت مصر على مجانية التعليم لأهل القطاع، وأدى ذلك إلى ارتفاع نسبة التعليم فى غزة نتيجة إتاحة فرص التعليم المجانى فى المدارس المصرية فى القطاع، كما قبلت الجامعات المصرية عددًا كبيرًا من أبناء القطاع بها، وأسهمت مديرية الشئون الاجتماعية وأمور اللاجئين فى مساعدة الطلبة المتفوقين وتقديم منح مالية لهم.
وأسهم الأزهر الشريف فى النهضة التعليمية فى غزة؛ حيث تم إنشاء المعاهد الأزهرية، هذا فضلًا عن بعض فروعه فى غزة، وكان التعليم بالمعاهد الأزهرية فيها بالمجان.
وبالنسبة للشئون الصحية فى القطاع، قامت الإدارة المصرية بتوفير الأطباء الاختصاصيين وإرسالهم إلى غزة، كما تم إرسال الأدوية اللازمة للقطاع، لا سيما لرعاية اللاجئين الذين وصلوا إلى غزة فى حالة سيئة، وكان من أكبر إنجازات الإدارة المصرية فى هذا المجال إنشاء مستشفى الشفاء، وهو المستشفى الشهير الذى يُردَد اسمه كثيرًا فى الفضائيات أثناء العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة نتيجة استقباله المصابين.
وخصصت مستشفيات القوات المسلحة نسبة من الأسِرَّة البيضاء للمرضى من قطاع غزة، وفى مجال الصحة الوقائية طبقت وزارة الصحة المصرية كل المشاريع التى كانت تطبقها فى مصر؛ إذ رعت وزارة الصحة المصرية مشاريع مكافحة الملاريا ومشروع مكافحة الدرن فى القطاع مثلهم مثل المواطنين المصريين.
ويتذكر الأجداد والآباء التسهيلات التى قدمتها الإدارة المصرية للتجارة فى غزة، حتى أصبحت غزة سوقًا يشترى منها المصريون الكثير من السلع الكمالية، وكان ذلك ضمن مشروع أكبر لتنشيط الاقتصاد فى غزة.
واستمرت الإدارة المصرية فى رعاية القطاع منذ عام ١٩٤٨ وحتى عام ١٩٦٧ عندما وقع العدوان الإسرائيلى وسقطت غزة تحت نيران هذا الاحتلال، ورغم ذلك استمر القطاع وأهله محط رعاية مصر وتوفير الخدمات التعليمية والصحية لهم. ولعل كل هذا التاريخ يفسر أهمية الدور المصرى الأخير فى رعاية وقف إطلاق النار، ودعم إعادة إعمار غزة.