«الفيبرومياليجيا».. حكايات من ضحايا المرض الغامض
“كهاتفك الذي توصله بشاحنه الكهربائي السليم طوال اليوم، وتظل طاقته متوقفة عند ٢٠% فقط ولا تزداد مهما ظل في الشاحن” هكذا لخصت طبيبة الأسنان مي- إحدى المصابات بالفيبرومياليجيا- معاناتها مع المرض الذي يؤثر على القدرة العامة للجسم ويقصر نشاطها مهما حاولت مقاومته، لما يسببه لمصابيه من الشعور بآلم مزمن في جميع أعضاء الجسم خاصة المفاصل.
وقالت مي في حديثها لـ"الدستور" إنه على الرغم من أعراض الفيبرومياليجيا المؤلمة تلك إلا أنه بإجراء الإشاعات المختلفة لا يظهر المريض إلا سليماً معافا من أي أمراض، مضيفة أنها بالبداية شعرت بتعب شديد في جميع أجزاء جسمها، وخاصة بالمفاصل، جعلاها لا تتمكن من أداء وظائفها سواء المهنية أو الزوجية حيث أنها زوجة وأم لثلاث أبناء.
ظنت مي حسبما روت أنها مصابة بإحدى نوبات برد العظام، وأنها ستشفى سريعاً عقب تناولها المضادات الحيوية والمسكنات، لكن لم يكن الأمر كما ظنت فلم تجدي أياً من أدوية المسكنات أو المضادات الحيوية في تخفيف الآلام التي حرمتها النوم.
تصف مي أنها أمام تلك الأعراض التي تهاجمها لم تكف يوماً عن البحث حول العديد من تخصصات الأطباء المختلفة، وتكون الإجابة واحدة: "انتي سليمة يا مدام ومفيش عندك أي مشاكل صحية"، حتى اكتشفت بالصدفة وجود "جروب" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يحمل اسم مرض الفيبروماليجيا- ارتفع أعداد أعضائه من 141 إلى 7 آلاف عضو- والذي يصف أعراض المرض لتجده مطابقاً لما تشعر به، ثم تتوجه من بعد ذلك إلى أحد أطباء الروماتيزم الذي أكد لها إصابتها بالفعل.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=787798135059126&id=100014868391197
حالة مي لم تكن هي الحالة الوحيدة التي حملت بين ضلوعها هذا المرض الغريب، بل هي واحدة من حالات كثر ظهرت تحمل هذا المرض الذي يشخصه الأطباء في البداية بالعديد من الأمراض الأخرى، فيظل المريض تائهاً بين أعراض مرضية غير مفهومة، وعلاجات خاطئة، وهو ما تسلط عليه “الدستور” الضوء في تقريرها لمعرفة معاناة ضحايا المرض الغامض.
إحدى المصابات: وصفوني بـ"البروطة"
فتلك علياء أحمد، وهي السيدة ذات الثلاثين ربيعاً، وهو ذلك العمر الذي يفترض به توافر من الهمة والنشاط وازدهار وحيوية المرأة ما لم يتوافر بأي عمر آخر، ولكن لم تكن هي تحظى بمثل هذه الصفات على الرغم من المرور الحالي لقطار عمرها بهذا السن، فهي تعاني آلاماً لا تستطيع تحديد مكمنها.
“وصفوني بالبروطة”.. كلمات علياء التي صاحبت دموعها، حسرة على ما آلت إليه في أوج ريعان شبابها قائلة: "بقيت من جوايا أحس إني عندي ١٠٠سنة مش تلاتين، بتعب من أقل مجهود، بعاني من صداع نصفي مزمن، وآلام في الفك، وآلام في جسمي كله، تقرحات في المعدة رهيبة وآلام مزمنة في القولون، شعور دائم إني عايزة أنام.. كل الأعراض دي وأنا مش عارفة عندي إيه، ولا أروح لدكتور إيه بالظبط"، متابعة: "روحت لعشرات الدكاترة في أغلب التخصصات، وكلهم قالوا لي ماعندكيش حاجة.. أكيد الموضوع نفسي".
ليال من العذاب عاشتها علياء، في ظل وصف المجتمع من حولها لحالتها بهذه الصفات، التي وعلى الرغم من كونها ليست على علم بالمدلول الطبي لما تشعر به من آلام، إلا أنه لم يفارقها يقيناً واحداً، ألا وهو أنها أصبحت دائماً ليست على مايرام.
وفي ذات مرة أشارت إحدى صديقات علياء، عليها الذهاب إلى أحد كبار أطباء الروماتيزم، والذي فاجئها بأنها مصابة بمرض نادر يدعى الفيبروماليجيا، شعرت حينها براحة نفسية فقط، لكونها وجدت تفسيراً طبياً لما عانته سنوات من ألام وسط تكذيب وسخرية من حولها.
مهندس معماري: تركت وظيفتي رغماً بسببه
ولم يختلف الحال كثيرا مع المهندس المعماري محمد فودة أحد مرضى الفيبروماليجيا، الذي تسببت إصابته في التخلي عن مهنته التي ظل سنوات يكافح من أجل العمل بها فقد كانت حلم طفولته ليس لسبب إلا لإعلانه الاستسلام لآلامه الجسدية التي عجزت من قدراته، وجعلته يشعر بأن مهام عمله شاقة وكانت موضع سخرية من بعض زملاؤه الذين وصفوه بالتكاسل والتمارض، بعد أن باءت محاولته للمقاومة بالفشل والمزيد من الآلام.
أمام آلامه كانت محاولات محمد العديدة للتردد على الأطباء، لمعرفة الأسباب وراء كل هذا التعب الذي لا ينتهي، ولكن كانت محاولاته تلك تنتهي دائماً بأنه لا إجابة طبية واضحة تفسر ذلك، حتى ذهب مصادفة لأحد أطباء الروماتيزم بعد نصيحة أحد الأصدقاء له، ووضع هذا الطبيب الإجابة المفسرة لآلامه نصب عينيه، مؤكداً إصابته بمرض الفيبروماليجيا.
فيما أكدت الدكتورة نجوي نصار رئيس قسم الروماتزم و المناعة عين شمس، أنه عقد حدث طبي وصفه بالعظيم وهو أول مؤتمر يتناول مرض للفيبروماليحيا في مصر مخصص للأطباء.
اللافت للنظر إلى أن أزمة مرض الفيبروماليجيا لا تكمن فقط في صعوبة التشخيص، بل أنها تكمن وحسب الدراسات العالمية في أن أحد أهم عقاقير العلاج منه هي مواد البربالجين، والترامادول والذين يندرجوا تحت مسمى المواد المخدرة والممنوع تعاطيها بعالمنا العربي، الأمر الذي يجعل المصاب به في حيرة دائمة بداية من كيفية التشخيص إلى وسائل العلاج، بالإضافة إلى أن هذه العقاقير المخدرة التي من المجرم تناولها فهي في الحقيقة لا تأتي بنتيجة أكبر من ٢٠%، في حال حتى تم تناولها، ولكن الواقع حسبما وصفوا أنه ليس هناك علاج حقيقياً وفعال لهذا المرض، وماهي إلا أدوية مسكنات تتميز بارتفاع أسعارها التي تصل إلى 10 آلاف شهريا، حسب ما ذكر أحد المصابين لـ"الدستور".
استشارى جراحه العظام: يصيب السيدات أكثر
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور حامد الجوهرى استشارى جراحة العظام والمفاصل بالهيئة العامة للمعاهد والمستشفيات التعليمية أن متلازمة الفايبرومالي هي متلازمة الألم العضلي الليفي أو التليفي، وهي عبارة عن صورة شائعة لآلام العضلات، والأنسجة مثل أوتار الجسم، وتحدث نتيجة اضطراب بسبب ألم واسع المدى في البنية العضلية والعصبية، ويصحبه اضطراب في النوم والذاكرة والحالة المزاجية للمريض، كما يصاحبه أعراض أخرى مثل الصداع النصفي، وآلام في القولون، وقلق، واكتئاب.
وقال الجوهري في تصريح لـ"الدستور" إن الإصابة بهذا المرض تأتي في الغالب بعد تعرض المريض لوقوع حادث، أو إجرائه لعملية جراحية كبيرة، أو تعرضه لضغط نفسي شديد، وتتزايد الأعراض مع مرور الوقت.
وتابع الجوهري أنه يعتقد الباحثون أن الأسباب وراء الإصابة بهذا المرض هو التحفز المتكرر للأعصاب، والذي يتسبب في حدوث تغيرات في الدماغ والحبل الشوكي لدى المريض ينتج عنها تغيرات في مستويات المواد الكيميائية المسئولة عن نقل الألم من الدماغ إلى الأطراف العصبية فتصبح مستقبلات الألم حساسة أكتر من اللازم، وبالتالي يصبح الشعور بالألم السريع عند بذل أي مجهود أكثر عند المريض من غيره.
وأوضح الجوهري أن هذا المرض يصيب السيدات أكثر من الرجال، لتعرضهن أكثر للإصابة بالروماتيزمية، أكثر تلك الأمراض التي تزيد من فرص الإصابة بالفيبروماليجيا.
أما عن العلاج الدوائي لمرض الفيبروماليجيا قال الجوهري إنه يتركز في تناول مسكنات الألم ومضادات الاكتئاب، وأحياناً يحتاج الأمر لتناول عقاقير مثل أدوية الصرع التي قد تسهم في تخفيف الشعور بالآلام الناتجة عنه، بالإضافة إلى الحرص على ممارسة الرياضة والعلاج الطبيعي، موضحا أنه لابد أن تراعى الظروف الصحية لمريض الفيبروماليجا في المجال الوظيفي.
الجدير بالذكر أنه نسبة إصابة السيدات بهذا المرض تصل إلى 77%، وكانت أولى المحاولات العلاجية بالأدوية السيريتونية لمرض الفيبروماليجيا في العام 1984، فيما كان أول ظهور لاسم المرض فى 1976، أما إنتاج الأدوية والعلاجات التي خصصت لهذا المرض فبدأت في عام 2007.