«سماسرة الموت».. رحلة في «أوكار فيسبوك» لتجارة لقاحات «الفطر الأسود»
في الساعات القليلة الماضية، كانت محركات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي تدور حول قضية واحدة فقط، مرض "الفطر الأسود"، الذي أفزع خبر انتشاره المصريين، وجعلهم في حالة استعداد لاستقبال مرض جديد قد يكون أشد خطورة من فيروس كورونا، الذي عانوا منه منذ ظهوره.
هل "الفطر الأسود" مرض جديد وصل إلى مصر؟، سؤال راود أذهان المصريين في الأيام القليلة الماضية، وتضاربت الآراء حينها بين تصريحات المتخصصين حتى وصلنا لنتيجة واحدة، هو مرض قديم وليس مستحدثا، ولكن لقلة شيوعه لم يسلط عليه الضوء، كما أنه غير معدي، لكننا نجيب عن سؤال أخر في السطور التالية، كيف بدأت التجارة السوداء في لقاح المرض رغم عدم انتشاره؟.
قبل التطرق لإجابة السؤال، نوضح تعريف مرض "الفطر الأسود"، كما أعلنت عنه وحدة الأورام بالمعهد القومي للكبد، فهو مرض يصيب الأنسجة المخاطية بشكل سريع، خاصة بالأنف والجيوب الأنفية والرئة والعين، وقد ترتفع خطورة أعراضه إذ تأخر التشخيص الصحيح والعلاج في المراكز المتخصصة.
«الفطر الأسود» وسماسرة الموت
المخاوف الواردة من الإصابة بهذا المرض، جاءت من تشكيك البعض في إمكانية علاجه أو اكتشافه من الأساس، والحديث عن حالة الخطورة الناتجة عن تأخر العلاج، فتحت أعين سماسرة السوق السوداء للدواء، لتجعلهم يتسابقون في نشر الإشاعات الخاصة بالمرض، وترويج علاجه بأسعار مضاعفة لسعره أصلي.
لم تكن تلك الممارسات الشنيعة وليدة هذا المرض، فقد بدأت منذ ظهور فيروس كورونا في مصر، حين انتشرت مافيا الدواء على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، لتصطاد ضحاياها من خلال ترويج صور وتفاصيل اللقاحات المختلفة التي يملكونها.
وبالفعل نجحت هذه العصابات في استغلال العديد من المصابين خلال فترة الجائحة، حتى أوقفت مصر هذه الأفعال تمامًا، بعد إعلانها عن تصنيع اللقاح محليًا، وتوزيعه على المواطنين عن طريق المراكز المتخصصة فقط.
في لحظة انتشار أخبار عن مرض جديد يدعى "الفطر الأسود"، عادوا هؤلاء السمسارة من جديد، يعلنون عن توافر اللقاح المضاد للمرض، عبر حساباتهم الوهمية التي توغلت داخل مجموعات "فيسبوك" السرية.
وكان قد أعلن الفريق البحثي لإنتاج لقاح كورونا المصري، عن توفر دواء "أمفوتيريسين بي" داخل الصيدليات المصرية، مطالبًا المواطنين بعدم الانسياق وراء الشائعات المنتشرة حول عدم توافر الدواء إلا في أمريكا والهند.
رحلة في «إجرام فيسبوك»
من هنا انطلقت رحلة "الدستور" في البحث عن مافيا لقاح "الفطر الأسود"، وبدأنا من محركات البحث على موقع "فيسبوك"، لنجد مواطنين يطلبون الحصول على الدواء في أسرع وقت، بسبب تخوفهم من أعراضه، التي بلغت مخاطرها إلى اقتلاع الأعين والأنوف لأجل التعافي منه.
استخدمنا خلال رحلتنا حساب وهمي، للدخول إلى مجموعة حملت إسم "ما يخص الأدوية المستوردة"، تتواجد بها الشبكات السرية المتخصصة في التجارة بالدواء، وأعلنا حينها عن رغبتنا في الحصول على اللقاح المضاد لمرض "الفطر الأسود"، ليتواصل معنا على الفور "س.خ"، قائلًا: "الدوا متاح عندي، عايز قد إيه؟".
قبل الخوض في أي تفاصيل، استفسرنا منه عن سعر الدواء، لكنه طلب منا أولًا تحديد الكمية المطلوبة، وعلى أساسها سنتفق على السعر، لذا أبلغناه عن رغبتنا في الحصول على 10 عبوات من اللقاح، بالإضافة إلى إرسال نوع الدواء للتأكد من مصداقية حديثه.
"أمفوتيريسين بي"، كان ذلك اسم اللقاح الذي أرسله لنا، مرفقًا صورته، التي تضمنت شكل العبوة، أما عن الكمية المطلوبة، فقد بلغ سعرها 9 آلاف جنيه، وحين اعترضنا على ارتفاع ثمنها، قال" يا باشا الدوا استيراد من برا، ومش موجود في مصر".
وتابع التاجر حديثه، موضحًا أن سعر العبوة الواحدة ألف جنيه، فقد استغنى عن مبلغ بسيط من ثمن الاتفاقية مقابل الكمية الكبيرة المطلوبة، واتضح أنه لم يعتاد على بيع هذا الكم من اللقاح الخاص بمرض "الفطر الأسود"، وكان ردنا عليه: "سنعمل على تجميع المبلغ ونعود إليك مرة أخرى".
طلب منا أيضًا عدم التأخير لأن الكمية المتاحة محدودة للغاية، وبالفعل عدنا إليه لنستفسر عن مكان وموعد التسلم، وأبلغنا أنه سيرسل خاصية "تحديد الموقع" في اليوم التالي لإجراء الاتفاقية.
هل يتطلب المرض السعي للدواء؟
ما مدى خطورة المرض التي جعلت هذه التجارة تنتشر من جديد؟، وهل يتلاعبون بمشاعر ضحاياهم ويهولون الأمر عليها لتحقيق مرادهم؟، هذا ما يجيب عليه دكتور محمد عبد الجواد، أخصائي أمراض الصدر، والذي أوضح في حديثه، أن هذا المرض نادر للغاية في مصر، ولم يصاب به حالات عدة كما يروج البعض.
واستكمل: "المناعة هي السبب الرئيسي لجذب هذا المرض، فإذ كانت ضعيف سيتعرض لها الشخص مباشرة، لكن يمكن علاجها في بداية الأمر، دون إحداث أي ضرر للمصاب، لذا يجب على أصحاب الأمراض المزمنة والجيوب الأنفية أن يتبعوا الإجراءات اللازمة للوقاية بشكل ضروري، وعدم التعرض لأي وسائل تنقل عدوى الفيروس".
وأكد الطبيب أن علاج "الفطر الأسود" متوفر في بعض الصيدليات المصرية، وليست جميعها، فالإقبال عليه لم يكن كبيرًا، كما يمكن الحصول عليه في أي وقت، بعكس ما ينشر من أقاويل مزيفة عن ندرة العقار، واستيراده من الخارج، وهذا ما فتح علينا باب التجارة السوداء، كما حدث من قبل في أزمات وبائية عدة.
وعن استخدام العلاج، قال: "الأمفوتريسين ب" يعالج الفطريات التي تنتشر في جسد المريض إثر إصابته بالتهابات في دماغ أو الأنسجة الجلدية، ما يعرض حياته للخطر بسبب تكاثر الطفيليات الخطيرة"، لذا يجب توافرة خلال الفترة القادمة لدي المواطنين، حتى يتجنبوا الإصابة بالمرض".
وبالتواصل مع الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أوضح أن اللقاح المضاد لمرض "الفطر الأسود" متوافر في مصر داخل المستشفيات المخصصة للعلاج من فيروس كورونا، كونه تابع لبروتوكول العلاج منذ بداية الأزمة، ويستطيع أي مصاب الحصول عليه بمجرد أن تتوافر مع التحاليل الطبية التي تثبت إصابته بالفيروس.
وتابع "فؤاد" أن "أمفوستيرين بي" لم يعد متوفر في الصيدليات بكثرة، فقط في مستشفيات العزل، وما يتم تداوله هو البديل الخاص به، أما عن سعره الرسمي، أكد أن الجرعة الواحدة يبلغ ثمنها 300 جنيه فقط، وهذا ما يكشف الفارق الكبير الذي استغله سماسرة السوق السوداء، بهدف الحصول على أموال عدة بطرق غير مشروعة.
اتجهنا بعد ذلك للحديث مع الدكتور أحمد أبو طالب، عضو نقابة الصيادلة، ليؤكد أيضًا حقيقة توافر عقار "أمفوسيتيرين بي" في مصر، قائلًا: "الدواء موجود من قبل أزمة كورونا، لأنه بيعالج الفطريات اللي بتضرب المناعة بعد أي مرض"، واستكمل حديثه مشيرًا إلى إمكانية الحصول على اللقاح من المستشفيات، والبدائل الخاصة به من الصيدليات.
واستطرد عضو نقابة الصيادلة، أن الأزمة الحقيقية تكمن في الشائعات التي ينساق وراءها المواطنين من حالة الفزع المنتشرة حول المرض، أو عدم توافر اللقاح الخاص به، لكن الحقيقة غير ذلك، فالدواء متوفر ويمكن الحصول عليه بعد إجراء التشخيص الطبي الذي يثبت إصابة المريض بفطريات تستلزم تناول الجرعة.