«ماتت والدته بعد صراع مع أبيه.. وجدته قالت للإنجليز: اقتلوه».. مأساة إسماعيل يس
كان يوما في غاية التعاسة ذلك اليوم الذي ولد فيه اسماعيل ياسين أحد أكبر نجوم الكوميديا في السينما العربية، فبالرغم من ان لسماعيل ولد في عائلة منوسطة الحال كانت تسكن مدينة السويس، الا أن المصائب حلت على رأس العائلة تباعا، ولأسباب كثيرة ومتتالية فقد كان والد اسماعيل يعمل في سوق الصاغة، أي في تصنيع الذهب وتحويله إلى حلى متنوعة من أساور.
وأقراط وعقود وكانت أحواله جيدة الى حد ما فعنده ورشة وفي هذه الورشة بعمل أكثر من عامل، ولكنه الى جانب ذلك كان مشهورا بمغامراته في مدينته، وحين جاء ابنه اسماعيل.
اعتقد من يعرفون الأب أنه سيتفرع لتربية ابنه والعناية بعائلته لكنه فعل عكس ذلك تماما، انصرف عن عمله وانشغل عن اسرته وابنه وباتت زوجته تعيش بتعاسة وداهمتها بعد ذلك الأمراض وكانت دائما تتشاجر مع والد اسماعيل.
وذات يوم تعاركت مع زوجها واحتدت واحتد هو وقبل ان يخرج من البيت غاضبا وجد ان زوجته قد وقعت على الأرض، وحين وضع رأسه على صدرها لم يسمع نبضًا وخرج وتجمع الناس، وعلموا ان الزوجة المسكينة ماتت بالسكتة القلبية.
وحزن عليها والد اسماعيل حزنا شديدا كما أشفق على ابنها الصغير اسماعيل الذي لم يعد أحد يرعى شؤونه بعد وفاتها، وأدى هذا به الى ان يهمل الورشة ثم أن يبيع ما فيها وحين لم يتبق شيء منها اضطر لأن يعمل عند زميل له عطف على وضعه بعد ان وجد انه تحطم تماما ولم يجد بعد ما يسد به رمقه ورمق صغيره.
وحين لم يعد يستطيع رعاية ابنه اسماعيل او يصرف عليه فإنه عهد بتربيته الى جدته لأمه بحيث نسي بعد ذلك ان له ابناء فهو في ذلك الوقت لم يكن يصحو ابدا الى نفسه ووعيه، ولم تكن جدة اسماعيل تحمل لإسماعيل اي شعور بالعطف او الحب بل كانت تكرهه لأنها كانت تعتقد ان والده هو المتسبب الأول في وفاة ابنتها ولذلك فهي كانت تنتقم منه عن طريق اسماعيل وذاق الولد الصغير صنوقا من الإهمال والعذاب .
وهكذا قضى اسماعيل السنوات الاولى من حياته يتيم الام ومحروما من حنان الاب يعاني من هذه الجدة القاسية الثي كانت حياته معها سلسلة من الآلام والعذاب، ولم يكن الاب يعرف شينًا عن تعاسة ابنه، ولم يكن يعرف بالطبع ان الجدة كانت لا تطعم اسماعيل وتضع له كل يوم وجبة واحدة عبارة عن رغيف واحد بالسمن والسكر، وكانت في كثير من الأحيان تعرضه لما يخيفه وكان أشد ما يخيفه زيارة القبور ، ومع ذلك فقد كانت جدته تصحبه بشكل شبه يومي الى نلك المقابر وترغمه على ان يحمل لها «الشيشة» ومستلزماتها وكان بعض نساء السويس القدامى قد تعودن على الالتقاء يوميا ليدخن «الشيشة» وكان مكانهن المفضل لتدخينها هو المقابر.
وذات دوم تأخرت جدة اسماعيل عن موعد عودة النساء وبقيت حتى حل الظلام وهي تدخن شيشتها وحين بدأت العودة مع اسماعيل تاهت في الطريق وفجأة وجدت نفسها في مواجهة سيارة من سيارات الجيش البريطاني اثناء احتلال الانجليز لمصر وما كاد الجنود يرون الجدة.
وحفيدها حتى أشهروا أسلحتهم واقتربوا منها مهددين، وكاد الجنود ان يفتكوا بها وبإسماعيل لولا أن حدثت أعجوبة تمثلت في وصول ضابط برتبة كبيرة تساءل عن سبب ذلك الهرج، وطلب أن تؤخذ العجوز والطفل للتحقيق، وتم ذلك بعد أخذ الشيشة منها، وامام المحقق سمع اسماعيل جدته تقول:"ارحموني .. انا سيدة كبيرة"، خذوا الطفل وافعلوا به ماتريدون اقتلوه ولكن اتركوني في حال سبيلي، وكان اسماعيل قد بدأ يفهم وأدرك اي كره تكنه له جدته، ولكن ماذا يفعل وكيف يتصرف، والى أين يذهب؟.
وكانت جدته تعمد احيانا الى وضعه في مواقف مخيفة وكأنها تريد ان يقتل وذلك عندما ترسله في الليل الى حيث كان التجول ممنوعا، وذات مرة ارسلته في مشوار عند قريبة لها تربي الماعز، وفرح اسماعيل حين دخل الحوش ورأى الماعز، وبدأ يداعب المعيزوهو يصرخ: معيز معيز.
وعلى الفور تعالت أصوات سكان البيت بالاستغاثة، فقد ظنوا أن الولد كان بقول : انجليز .. انجليز.
وكان الانجليز في ذلك الوقت يهجمون أحيانا على البيوت في الليل، ويعتدون على حرماتها، وعلى أصوات النساء هب نصف سكان القرية لكي ينجدوا العائلة المسكينة، واكتشفوا ان الحكاية ليست حكاية انجليز بل حكاية معيز، وظنوا ان الصغير اسماعيل فعل ذلك قصدًا، فضربوه، واخذوه الى جدته وهم يضريونه طول الطريق، وحبسته جدته بعد ذلك ثلاثة ايام في المنزل، وربطت يديه ورجليه يحيث لا يستطيع أن يتحرك، وقاسى الصغير كثيرا وكان أول ما فعله حين اطلقت جدته سراحه أن هرب من البيت، حسبما ذكرت مجلة الكواكب في تقرير لها عن إسماعيل يس.