دعم لإسرائيل أم حياد.. كيف يمكن تفسير الموقف الأمريكي نحو حرب غزة؟
الموقف الأمريكي نحو المواجهة التي اندلعت بين إسرائيل وحركة حماس، مؤخراً، كان غامضاً في الأيام الأولى، حيث جاءت الخطابات الرسمية هادئة نوعاًما، وبدون التطرق إلى تفاصيل، ثم بدأت تتخذ شكلاً أكثر حدة وجدية بعد أيام من القتال، حتى إعلان قرار وقف إطلاق النار عن طريق الوساطة المصرية.
حرب غزة، هي الحدث الأكثر أهمية - في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني- الذي اندلع منذ تولي جو بايدن الحكم في يناير الماضي، وهو ما يعني أن موقفه خلال الحرب يعكس بشكل واضح توجهات الإدارة الجديدة في البيت الأبيض نحو إسرائيل والفلسطينيين.
في السطور التالية نحاول تفسير الموقف الأمريكي من حرب غزة، هل كان مؤيداً لإسرائيل؟ أم محايداً؟
تصريحات رسمية تدعم تل أبيب
خلال أيام القتال التي امتدت لـ 11 يوماً، ظهرت عدة تصريحات رسمية من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووزير الدفاع لويد أوستين، في مجملها تحمل تأييداً واضحا لإسرائيل.
أعرب الرئيس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي (قبل يومين من وقف إطلاق النار) عن رغبته في أن يرى وقفاً للنار قبل أن يتسع الاشتعال إلى باقي أرجاء الشرق الأوسط، وفي مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعرب "بايدن" عن "قلقه البالغ" إزاء تصاعد أعمال العنف في إسرائيل وقطاع غزة، كما أكّد خلال محادثة مماثلة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضرورة أن توقف حركة حماس إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
شدّد "بايدن" خلال محادثاته مع “عباس” على "ضرورة أن تتوقف حماس عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل"، كما أكّد الرئيس الأمريكي "التزامه القوي بحلّ الدولتين عبر التفاوض باعتباره أفضل طريق للتوصّل إلى تسوية عادلة ودائمة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني".
أعلن البنتاجون أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين تحدث مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، وأكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأدان بشدة الهجوم المستمر من قبل حماس وغيرها.
رأى بعض المراقبين، أن جو بايدن أظهر قدراً من اللامبالاة حيال القتال في أيامه الأولى، وحتى الأيام الأخيرة لم يُدلِ بتصريحات حادة إزاء أي طرف، وكان تصريحه الأشهر هو أنه "يتوقع ويأمل انتهاء الموضوع في أقرب وقت من دون تأخير"، واكتفت تكتفي الإدارة الأمركية بمحادثات مع رؤساء الدول المعنية- إسرائيل، مصر، الأردن، السعودية والإمارات من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار، بدون سياسة أمريكية فاعلة تفرض، أو على الأقل توجّه مساعي الوساطة، حيث لعبت الاتصالات المصرية الدور الرئيسي في وقف إطلاق النار.
تحركات واشنطن في مجلس الأمن
العلاقات مع إدارة بايدن هي بوليصة التأمين الأكثر أمانا لإسرائيل في مجلس الأمن، في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وهذا ما ظهر واضحاً خلال الحرب، فكجزء من مظاهر الدعم من إدارة بايدن، أحبطت الولايات المتحدة (بفيتو) مرات عدة مسودات قرارات في مجلس الأمن تضمنت شجبا لأعمال إسرائيل في غزة ومطالبة بوقف نار فوري. وهو ما اعتبر تحرك أمريكي رسمي داعم لإسرائيل بشكل كبير، ولايختلف عن دعم الإدارات الأمريكية السابقة لإسرائيل أمام المجتمع الدولي.
ضغوط الديمقراطيين
كل الدعم الأمريكي السابق لإسرائيل تم رغم الانتقاد الشديد داخل الحزب الديمقراطي، الذي يوجد داخله تيار بارز يرفض تبني الإجماع القديم حول علاقات إسرائيل-الولايات المتحدة، حيث سمعنا الأسبوع الماضي دعوات لتجميد رزمة مساعدة عسكرية جديدة لإسرائيل، وهاجموا “بايدن” بعد مكالماته الهاتفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووصفوه بأنه لم يكن حازما معه بما يكفي.
كان قد وقع 28 سيناتورا -أكثر من نصف الديمقراطيين في مجلس الشيوخ- بمن فيهم بيرلي ساندرز وبريئون شاتس اليهوديان على خطاب يدعو إلى وقف نار فوري مع حماس،
اما الناطقة بلسان البيت الأبيض جين ساكي فرفضت تناول إدعاء أعضاء الكونجرس الديمقراطيين بأن بايدن يمنح إسنادا أكبر مما ينبغي لإسرائيل، وقالت "إن الإدارة تشارك في اتصالات مكثفة من خلف الكواليس".
قلق إسرائيلي
قبل اندلاع المواجهة، حرصت إدارة بايدن على التعبير عن قلقها واستيائها حيال الخطوات الإسرائيلية الأخيرة في القدس والحرم القدسي وحي الشيخ جرّاح، بينما منحت إسرائيل الدعم فيما يخص حرب غزة، وهذا بالنسبة لإسرائيل وضع غير مُريح، ويختلف عما كان يحدث خلال السنوات الأربع الماضية حيث كان نتنياهو يعلم أنه مهما كانت طريقة تصرّفه مع الفلسطينيين لن يحدث شيئاً لأن دونالد ترامب سيكون وراءه، وهو ما لم يعد قائماً الآن.
من ناحية أخرى، أعاد "بايدن" تكرار الحديث عن حل الدولتين، وهو ما يسبب قلقاً بالنسبة لنتنياهو الذي اعتاد أكثر مما ينبغي على سنوات إدارة ترامب التي تجاهلت "حل الدولتين".
من خلال المحاور السابقة يمكن استنتاج أن الموقف الأمريكي نحو إسرائيل لايزال داعماً بشكل عام، من حيث الدعم أمام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومنحها حرية العمل كمدافعة عن نفسها، ولكن بصورة تختلف عما كانت عليه أثناء إدارة ترامب، فلن تتجاهل الإدارة الأمريكية الخطوات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى وربما تدفع أيضاً لاستكمال مسيرة السلام بشكل قد يكون أكثر إيجاباً مما كان في عهد “ترامب”.