هذه فلسطين قبل 48.. السينما والغناء وكرة القدم قبل النكبة (صور)
دور العرض والسينما تنتشر في المدن الكبرى، الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية في نشاط، الشعب الفلسطيني يتجه لاكتشاف مواهبه المسرحية، الفنانون المصريون يعرضون مسرحياتهم هناك. هكذا كانت ملامح الحياة قبل نكبة 1948 في فلسطين.
كانت الحياة في كافة مدن فلسطين، راقية، مرفهة، تعج بالجامعات والكليات، منها، كلية العربية بمدينة القدس والناصرة، و"النجاح" في نابلس، التي تحولت إلى جامعة شاملة لكل الكليات العلمية والأدبية بعد النكبة، هذا بجانب التطور في جانب المواصلات، إذ لم تكن مدينة تخلو من مطار أو سكة حديد، لتخدم المصانع والشركات والبنوك.
افتتحت أول دار عرض للسينما في فلسطين "أوراكل" بمدينة القدس عام 1908، ثم افتتحت دور عرض أخرى في بقية المدن، لتعرض الأفلام المصرية والأجنبية، وساهم المخرجون الفلسطينيون بعدة أفلام، "الملك عبدالعزيز"، "في ليلة العيد"، "مقدمة سينمائية"، جميعها إخراج إبراهيم حسن سرحان، وأخرج صلاح الدين بدرخان فيلم "حلم ليلة"، وساهم الأخوان بدر وإبراهيم لاما في تأسيس شركة إنتاج سينمائية بمدينة حيفا، قبل أن يسافرا لمدينة الإسكندرية ويقيما فيها، لتأسيس شركة إنتاج "كوندور فيلم".
وأسست جمعيات مسرحية في "حيفا" فترة الثلاثينات، منها "جمعية التمثيل الأدبي"، "الرابطة الأدبية"، وألفت العديد من المسرحيات وتُرجمت بعض الأعمال العالمية، على يد الأديب جميل البحري، حيث ساهم في مسرحيات "قاتل أخيه"، "سجين القصر"، "أبو مسلم الخرساني"، "وفاء العرب".
وشهدت مسارح دور العروض السينمائية، حفلات غنائية لكبار المطربين العرب، على رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وزار فنانون آخرين فلسطين، لعرض أعمالهم الفنية هناك، أمثال فرقة علي الكسار، منيرة المهدية، فرقة رمسيس بقيادة الفنان يوسف وهبي.
وثق المخرج إبراهيم سرحان، زيارة الأمير سعود بن عبد العزيز إلى فلسطين في فيلم، تحرك فيه بالكاميرا، ما بين القدس واللد ويافا، وحسبما كشف في حوار صحفي، أنه نكبة 48 شردته، فاضطر للهجرة إلى الأردن ليشارك في أول فيلم سينمائي أردني، قبل أن يهاجر إلى لبنان، ثم عاد إلى فلسطين مرة أخرى، ليعمل "ٍسمكري" في مخيم "شاتيلا" للاجئين الفلسطينيين.
وروى الموسيقار إلياس سحاب في حواره مع "جدلية" أن يافا كانت مركزًا موسيقيًا مهمًا، دفع الفنانين والموسيقيين لبدء جولاتهم من هناك، يقول: "كان هناك مقهى اسمه مقهى حنا السرياني. وكان يتردد إلى هذا المقهى بشكل دائم فنانو إذاعة الشرق الأدنى. وكنت أرى هؤلاء الفنانين وأتحمّس كثيراً لرؤيتهم أمام عيني المجردة بلحم ودم. كان هؤلاء أبطالي الذين كنت أستمع لهم على الأثير يتجسّدون أمامي في ذلك المقهى، وأذكر في عيد ميلادي الخامس أو السادس، أن أبي أحيا سهرة كبيرة بمناسبة عيد ميلادي في بيتنا كان نجومها فنانو إذاعة الشرق الأدنى. وكان في الحفل عازف البزق التاريخي والعبقري محمد عبد الكريم الذي كان معروفاً بلقب "أمير البزق" الذي كان سوريّاً وعاش في فلسطين. وهو أهم عازف بزق عربي في القرن العشرين".
وبحسب "سحاب"، أن الفنان محمد عبدالمطلب عندما أخفق في القاهرة، بدأ نجاحه في إذاعة القدس، ومن ثم انتقلت شهرته إلى القاهرة، فقد كانت إذاعة القدس تستقطب الفنانين من المشرق العربي، ومصر، أمثال، رياض السنباطي، أسمهان، فتحية أحمد.
وتصف الكاتبة الفلسطينية "بيهان هويهض الحوت" في كتابها "فلسطين القضية، الشعب الحضارة"، أن القرى الفلسطينية، سعت في معظمها إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج حاجاتها، الملابس، السجاد والطوب ومواد البناء، وبرز أصحاب المهن والصناعات الحرفية، فاشتهر الخليل بإنتاج الزجاج والمنتجات الصوفية، والجبن والألبان، كما اشتهرت بيت لحم والقدس بإنتاج العلب التذكارية والهدايا المصنوعة من خشب الزيتون والصدف، في حين اشتهرت غزة بالفخاريات، ونابلس والقدس وغزة ويافا بإنتاج الصابون المصنوع من زيت الزيتون، ويافا ونابلس بالمنسوجات القطنية.
وأجرت الحكومة البريطانية إحصاء للصناعات في فلسطين عام 1927، ووجد 1215 منشأة صناعية، كانت قائمة عام 1914، بالإضافة للمنشآت التي توقفت خلال تلك الفترة.
وشهدت فلسطين تأسيس ثاني إذاعة عربية خلف الإذاعة المصرية، حيث أسست إذاعة "هنا القدس" عام 1934، وبدأت بثها عام 1936 من فندق "بالاس" بمدينة القدس، ثم انتقلت إلى شارع "مأمن الله" في حي "ماميلا" عام 1939، وكان أول صوت يخرج من الإذاعة، صوت الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وانتشرت أجهزة الراديو وقتها، وصلت إلى واحد وعشرين ألفا.
وفي كتابه "يافا، عطر المدينة" يصف هشام الشرابي، الحياة الثقافية في فلسطين، حيث كانت النوادي الثقافية تنتشر في الأندية، وتقام فيها المحاضرات والندوات، وبعضها يقدم الروايات التمثيلية، وكانت يافا مركز الصحافة في فلسطين".
وفي كتابه "الأدب العربي المعاصر في فلسطين" يقول كامل السوافيري، أن الصحف الفلسطينية استكتبت عدد من الشعراء والأدباء والمثقفين، بعدما وصل عددها إلى 22 مجلة و57 صحيفة.
وكانت الصحف المصرية، تسافر إلى فلسطين، كالأهرام، البلاغ، المصري، ومجلات الهلال، الرسالة، والسياسية، والثقافة، وتأثر بها المثقفون في فلسطين، وكان لها دور في نشر الأفكار والاتجاهات الحديثة التي كانت رائجة في مصر.
أما الحياة الرياضية، فقد أسست مدارس كرة القدم عام 1908، عن طريق مدرسة المطران بالقدس، تبعها تأسيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في نفس المدينة، ثم انضمت فلسطين للاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1929، وراجت الأندية الرياضة إلى أن وصلت لـ56 نادي، أمثال، الدجاني والأرثوذكسي بالقدس، وإسلامي في يافا وحيفا، والنادي القومي في عكا، والنادي العربي، واشتهر لاعبون كثر، جبر الزرقة، جوج مارديني، رشاد الشوا، جورج رشماوي.
كانت الحياة في فلسطين، وفق الدراسات التي أجريت في القرن الـ19، منفتحة، تتحول إلى التمدن السريع، خاصة في تكوين مجتمع كليات بمختلف اللغات، الإنجليزية، الفرنسية، التركية، بجانب اللغة العربية، وبجانب هذا النشاط التعليمي، كانت تصدر المنتجات الهائلة من ميناء حيفا إلى مختلف أسواق العالم، وهو ما ساعد على انتعاش السياحة، فقد امتدت السكك الحديد من الحجاز في عام 1905 إلى إسطنبول، وبرلين، مرورًا بمعظم البلاد الفلسطينية والعربية والأوربية. حسب المؤرخ، نظمي الجعبة.
أسست عدة بنوك، قبل النكبة، فقد تأسس في القدس البنك العربي في عام 1930، وكان من أبرز الظواهر الاقتصادية في فلسطين، فقد تبعه تأسيس عدة بنوك وفروع أجنبية في مختلف المدن، خاصة في حيفا ويافا، أهم مركزين اقتصاديين وتجاريين، فقد أسس البنك العربي ثلاثة فروع في حيفا ويافا والقدس، أنشئ البنك العقاري في 1946 بقرار من الجامعة العربية، لحقه فروع أخرى، للبنك البريطاني للشرق الأوسط، بنك القاهرة، بنك عمان، ولاقت خدمات المصارف قبولًا كبيرًا.
كان ميناء حيفا ينافس ميناء الإسكندرية، بجانب مصفاة للنفط، وتقدم ميناء يافا على بيروت، كانت فلسطين في صعود اقتصادي كبير، من ملامحه انتشار فيلل الأثرياء بالقدس الغربية، لكن كل هذا تحول إلى ركام.
وكانت الفنادق، فندق ومسرح سينما الحمراء بالقدس، فندق قصر الحمراء، يستقبلوا المصطافين العرب، ومحط إقامة الزعماء الزائرين إلى فلسطين، وفي عام 2010 أدرجت ضمن بورصة فلسطين.