مصر وغزة.. تاريخ مشترك «١-٢»
استرعى انتباه البعض أهمية الدور المصرى أثناء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة؛ إذ لم تكتفِ مصر بالجهد الدبلوماسى والمخابراتى من أجل وقف إطلاق النار، وإنما أعلنت عن قيامها بإعادة إعمار غزة بعد العدوان، لكن هؤلاء لا يقرأون التاريخ، ولا يعلمون شيئًا عن ارتباط فلسطين بمصر، لا سيما قطاع غزة.
من أين نبدأ؟ هل نبدأ من التاريخ القديم وصولاً إلى التاريخ المعاصر؟ فى الحقيقة لن تكفى مقالة ولا حتى سلسلة مقالات بالوفاء برسم طبائع هذه العلاقة، لذلك اخترت أن أبدأ من التاريخ المعاصر، ومع دخول مصر حرب ١٩٤٨ دفاعًا عن فلسطين، ومن الجدير بالذكر اشتراك جمال عبدالناصر فى هذه الحرب، وكان ضابطًا شابًا، بل وتم حصاره مع جنوده فى الفالوجة. ويذكر ناصر فى كتابه «فلسفة الثورة» عبارة مهمة ومثيرة توضح العلاقة التاريخية بين فلسطين- وغزة على وجه الخصوص- وبين مصر، يقول ناصر إنه ومع عودته من حرب فلسطين «اكتشفت أن رفح ليست آخر الحدود المصرية».
هنا نحن أمام عبارة مهمة فى الاستراتيجية المصرية تحدد الاتجاه والمسار، ورفح هى آخر مدينة مصرية على الحدود مع قطاع غزة، وبالمناسبة رفح مقسمة إلى جزءين: رفح العريش وهى تتبع مصر، ورفح غزة وتتبع قطاع غزة، وبالتالى هناك عائلات وقبائل نصفها مصرى ونصفها الآخر غزاوى.
وربما لا يعرف البعض أن الجيش المصرى أنقذ قطاع غزة من السقوط فى أيدى الإسرائيليين بعد حرب ٤٨؛ إذ رابطت القوات المصرية فى القطاع، واعترفت معاهدة رودس بالوجود المصرى فى غزة، حيث نصت المعاهدة على: «يحتفظ المصريون بالسيطرة على الممر الساحلى الممتد من قرية رفح على الحدود المصرية الفلسطينية إلى نقطة تبعد ثمانية أميال من غزة»، وهكذا دخل قطاع غزة تحت الإدارة المصرية المباشرة منذ عام ١٩٤٨ وحتى حرب يونيو ١٩٦٧.
وجدير بالذكر أن مصر لم تسعَ يومًا إلى الاستيلاء على قطاع غزة، أو ضمه إليها، بل اعترفت به كوديعة تحت الإدارة المصرية إلى أن يتم تحرير فلسطين وقيام الدولة المستقلة.
وربما لا يعرف البعض أنه أثناء المفاوضات البريطانية المصرية من أجل جلاء القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس، طرحت بريطانيا إمكانية إنشاء قاعدة بريطانية فى غزة بدلاً من قاعدة قناة السويس، فى مقابل الجلاء عن مصر، وبدأت بريطانيا فى حملة دعاية فى قطاع غزة من أجل تخلى مصر عن القطاع، وانتقاله إلى التبعية البريطانية.
وجدير بالذكر أن أهالى غزة، بل وكل الفلسطينيين، رفضوا هذا المشروع، وطالبوا ببقاء الإدارة المصرية لقطاع غزة، وعلى ذلك أصدرت مصر بيانًا لطمأنة أهالى القطاع جاء فيه:
«إن مصر لن تضم القطاع ولن تتركه، بل ستبقيه وديعة فى يدها، فلتهدأ النفوس وتطمئن القلوب».