هنا «البيت المحمدى».. خلوة محمد مهنا فى المقطم.. قِبلة المسلمين الجدد
الدكتور محمد مهنا، قطب الطريقة المحمدية الشاذلية، من القامات الصوفية والأزهرية المعروفة، فهو تلميذ الشيخ محمد زكى الدين إبراهيم، رائد العشيرة المحمدية الصوفية، وأحد رجالات الدين الإسلامى المعروفين داخل مصر وخارجها، إلى جانب تقلده العديد من المناصب الدينية، فكان مستشارًا لشيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وما زال نائبًا لرئيس الاتحاد العالمى للتصوف بإندونيسيا، ورئيسًا لأكاديمية أهل الصفة ولمؤسسة البيت المحمدى لدراسات وعلوم التصوف.
وخلال العشر سنوات الأخيرة، استطاع «مهنا» تشكيل ما يمكن أن نطلق عليه «قلعة صوفية ضخمة» فى منطقة المقطم، حيث أنشأ مسجدًا وساحة للذكر وأكاديمية لتدريس علوم التصوف، وبات المريدون يأتون من كل أنحاء العالم، لمعرفة التصوف الإسلامى على يديه.
ولم يقتصر نشاط «مهنا» على مصر فقط، بل إن نشاطه امتد إلى فرنسا، وأصبح لديه مئات المريدين فى باريس وغيرها من المدن الفرنسية.
ويمكث الدكتور محمد مهنا فى خلوته الخاصة المسماة بـ«البيت المحمدى»، أسفل مسجد الإيمان بالمقطم، طوال شهر رمضان فى حالة من الهيام والعشق الإلهى، مستقبلًا أتباعه ومريديه المتيمين به من أبناء الصوفية من داخل مصر وخارجها.
فى هذه الخلوة يمارس «مهنا» دورًا آخر غير التدريس الذى يمارسه فى جامعة الأزهر بين طلاب العلم، فهنا يلقبه مريدوه بـ«ولى الله وشيخ العارفين»، ولم لا فهو الوارث لعلوم شيخه الإمام الرائد محمد زكى الدين إبراهيم، حيث كان «حامل أسرار» الإمام الرائد، لذلك رأى فيه أتباع الطريقة المحمدية سمات الشيخ الذى يجب اتباعه والسير على منهجه والالتزام بتعاليمه وتوجيهاته. وكشف مقربون من الدكتور محمد مهنا عن أن مؤسسة البيت المحمدى بالمقطم هى الخلوة التى يجلس فيها طوال شهر رمضان ويناجى ربه ويذكره آناء الليل وأطراف النهار ويصحبه فى هذه الخلوة عدد من تلاميذه المقربين الذين يعرفون جيدًا مبادئ الخلوة وشروطها وفيوضاتها ونفحاتها.
ويقول محمد إبراهيم، أحد تلاميذ «مهنا»: «الدكتور محمد مهنا اعتاد على الدخول إلى الخلوة الصوفية فى شهر رمضان المبارك مثله مثل الكثيرين من أهل الحال والمقام كالدكتور على جمعة والدكتور أسامة الأزهرى والحبيب على الجفرى والدكتور يسرى جبر والدكتور محمد عبدالباعث الكتانى وغيرهم»، موضحًا أن أهل التصوف معروفون بالالتزام بآداب الخلوة فى شهر رمضان.
ويضيف أن «الخلوة هى هروب من الناس إلى رب الناس لفترة معينة، والهدف منها هو القرب من الله وغسيل الروح والجسد من الذنوب والمعاصى، وهى حالة روحانية إيمانية لا يعرفها الكثيرون سوى الخلّص من أهل التصوف المجتبين الذين يعبدون الله حق عبادته»، مشيرًا إلى أن «خلوة الدكتور محمد مهنا لا تكون فى شهر رمضان فقط، بل إنها فى كل شهور السنة، إلا أنه فى رمضان معلوم ومعروف للجميع أن جميع المسلمين ينقطعون للعبادة والذكر، فتكون الخلوة فى رمضان مختلفة عن الخلوة فى الأيام والشهور الأخرى، كما أن ثوابها مضاعف».
وتكشف مصادر صوفية عن أن «مهنا» له خلوة صوفية فى فرنسا دخلها مرات ومرات، وذلك لأن لديه مئات المريدين من الفرنسيين الذين دخلوا الإسلام على يديه هناك وسلكوا الطريق الصوفى وانضموا للطريقة المحمدية الشاذلية، الذى يعتبر أحد شيوخها واستطاع نشر أفكارها بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، حيث تم تعيين مقدمين ونواب للطريقة هناك، وتنظر الحكومة الفرنسية إلى التيارات الصوفية هناك على أنها تيارات دينية مسالمة بعيدة عن التطرف والعنف والإرهاب.
وقال الدكتور سيد شبل، الباحث والداعية الصوفى، إن قضية الخلوة أولوية لدى الكثيرين من علماء التصوف الإسلامى، وأولهم الدكتور على جمعة الذى ذهب فى إحدى كتاباته إلى أن «أصل الخلوة عند الصوفية هو استحباب الاعتكاف كما جاء الندب إليه فى الإسلام، والخلوة نوع من الفرار إلى الله، وقد ألزمنا الله به فقال: فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّى لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:٥٠]. وهى هجرة إليه تعالى: (إِنِّى ذَاهِبٌ) أى: مهاجر (إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ) [الصافات:٩٩]».
وأضاف أن «الاعتكاف أو الخلوة سنة ماضية فى الأديان السابقة، فموسى واعد ربه ثلاثين ليلة، ثم أتممها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة، ومريم ابنة عمران، كان لها اعتكافها وميقاتها فى المحراب، وكان ليحيى اعتكافه وميقاته ثلاث ليال سويًا، وكل ذلك ثابت فى كتاب الله، فالخلوة ذهاب، وفرار، وهجرة إلى الله كما قال إبراهيم ولوط من قبل»، وتابع: «وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلى قبل البعثة فى حراء، كما كان يختلى بعد البعثة فى العشرين أو فى العشر الأواخر من رمضان، وربما فى غيرهما كذلك، فأصبحت الخلوة سنة نبوية من سنن الهدى الثوابت».
وواصل: «يتساءل البعض: لماذا يلتزم الصوفية بالخلوة؟.. والجواب: هَو أن من دين الله أن يخلو العبد القادر المستطيع إلى ربه فترة ترويض ورياضة، يتخلص فيها من عقده وأزماته ورواسبه النفسية، ويتطهر فيها من خطاياه وآثامه ونزواته، ويتضلع فيها بشحنة الإيمان واليقين والقرب من الله، فيخرج وقد صفا قلبه، واستنار باطنه، وانسلخ من أمراضه القلبية والنفسية والخلقية إن صح توجهه إلى الله، وخلصت نواياه فى خلوته، بل إنه لينسلخ تبعًا لهذا من بعض أمراضه الجسمية والبدنية كذلك، فكأنما ولد ولادة أخرى إن وفقه الله، إضافة إلى الشحنة الإيمانية التى يحصلها».
وقال: «الخلوة علاج روحى للأمراض النفسية والخلقية، ثم هى علاج للأمراض الجسمية المترتبة على الأزمات والعقد والانفعالات المختلفة، فهى نوع من عزل المريض حتى يشفى»، مشددًا على أن «الخلوة هى لمضاعفة الشحنة الإيمانية، والترقى فى معارج القرب، وطلب مفاتيح المدد، أو على الأقل زيادة طاقة اليقين والعلاقة بالله فى نفس المريد، شأن خلوة الرسول صلى الله عليه وسلم فى رمضان، وبهذا تصبح الخلوة ضرورة إنسانية».
ولفت إلى أن «أطباء الصحة الجسدية والنفسية يؤكدون ضرورة تعيين يوم دورى للراحة والاستجمام، وكذلك يقرر أطباء الأرواح ضرورة تعيين فترة للتخلص من كل الرواسب والمشاغل والشواغل، والمهام والهموم، والانصراف المطلق إلى الله، والاستمداد من الطاقة المقدسة للتخلص من المتاعب، والإجهادات، والمعايب المعنوية، والعودة إلى مواجهة الحياة بما هى أهله من حيوية وفهم وطاقة ورشد، ونظافة إنتاج حسى ومعنوى».
واختتم: «ليس أمر الخلوة كما يفهمه المتحاملون والحمقى من الانطواء والسلبية والضعف، أو الهروب من مواجهة مرارة الواقع أبدًا، إنما الخلوة استعداد وتدريب وتربية إيجابية، وقوة ومثابرة وكفاح مرير، لا يعرفه إلا من مارسه، ولو أن واحدًا من أولئك القَوَّالِين حاول الاعتكاف والخلوة يومًا واحدًا على متعارف الصوفية لما أطاق، ولفر فرار الجدى الجبان من الأسد».