روضة النعيم.. أسرار من خلوة الأزهرى: زهد كامل وعبادة
عرف الدكتور أسامة الأزهرى التصوف منذ نعومة أظافره، حيث كان والده من مريدى الطرق الصوفية، وتحديدًا الطريقة الشاذلية، فقد كان يصطحبه فى صغره للحضرة التى كان يتواجد فيها العلماء والشيوخ وكبار رجال البلدة، الذين رأوا فيه النبوغ المبكر، حتى تنبأ أحد الصالحين له بأن يكون من العلماء الكبار الذين يشار إليهم بالبنان.
وهذا ما حدث فعلًا، حيث أصبح من أبرز الوجوه فى الأزهر الشريف وتقلد منصب مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، وكأن دعوات أهل المدد تصاحبه فى حله وترحاله.
وطاف «الأزهرى» العالم كله بحثًا عن التصوف الحق، حيث زار كبار شيوخ وأقطاب الصوفية حول العالم وجلس فى حضرتهم، ومن أبرز الشيوخ الذين عايشهم وتتلمذ على أيدهم الشيخ عبداللطيف بلقايد، شيخ الطريقة البلقائدية أكبر طريقة صوفية بالجزائر، وكذلك شيخ الطريقة القادرية بالشيشان، وشارك فى حضرة صوفية مع الرئيس الشيشانى، رمضان قايدروف، وغيره من كبار المسئولين حول العالم، حيث يستضيفه كبار الشيوخ والمسئولون والزعماء المحبون للتصوف والصوفية.
وزار «الأزهرى» المغرب وجلس مع كبار رجالات وأقطاب التصوف هناك، والتقى الملك محمد السادس ذا التوجه الصوفى، وما زالت رحلته فى طريق أهل الله مستمرة لا تنتهى أبدًا.
ولـ«الأزهرى» طقوس خاصة فى شهر رمضان المبارك، حيث يدخل خلوة خاصة به، يتعبد خلالها لله، ويدعوه أن يفرج هموم المسلمين، وله تقاليد خاصة ينفذها ويتبعها خلال تلك الخلوة الروحية والإيمانية.
ويعطى «الأزهرى» الدروس والمحاضرات الخاصة بالتصوف والفقه والشريعة وغيرها من الأمور الدينية والعلوم الإسلامية المختلفة، ويعج مسجده بالكثير من المريدين والمحبين الذين يأتون من كل دول العالم للجلوس فى حضرته للاستزادة من علومه وأفكاره الدينية.
ويفرض «الأزهرى» حالة العزلة التى يعيشها بعض الصوفية على نفسه، للوصول إلى حالة من الزهد والبعد عن ملذات الدنيا، حيث يرى أن من أهم واجبات الصوفى مواجهة مشكلات الحياة والمجتمع وإلا فهو ليس صوفيًا.
ويرى أن التصوف مجاهدة النفس وكبح جماح الشهوات، وإذا لم يستطع الصوفى أن يكون ابن وقته هنا لا يصبح صوفيًا، وهو المعنى الذى أقره الأقطاب والصوفية الأكابر.
وتبدأ خلوة «الأزهرى» داخل أحد مساجد القاهرة من أول أيام رمضان، حيث يجلس الليل كله فى العبادة والذكر والصلاة والقيام ولا يحتك بأحد من المريدين أو المصلين الذين يأتون للمسجد، حيث توجد له فى نفس المسجد حجرة خاصة به يقضى بها خلوته ويتواجد فيها خلال شهر رمضان وغيره من أشهر السنة التى يعكف فيها لذكر الله والبعد عن الناس.
كما يشارك فى دروس العلم التى ينظمها المسجد فى حضور أتباع مريدى التصوف، ويحدث ذلك باتباع التدابير الصحية والاحتياطات الخاصة بالوقاية من فيروس كورونا، وكذلك ارتداء الكمامات خلال المحاضرات التى تتم داخل المسجد، حيث تبدأ هذه الدروس العلمية يومى الجمعة والخميس من كل أسبوع.
ونجح «الأزهرى» خلال السنوات الماضية فى جذب الكثيرين للحضرة الصوفية وتحديدًا الطريقة الصديقية الشاذلية التى يتزعمها الشيخ على جمعة، حيث يعد «الأزهرى» واحدًا من رجالات هذه الطريقة الذين يعتمد عليهم «جمعة» فى نشر أفكار طريقته سواء داخل مصر أو خارجها.
واستطاع «الأزهرى» أن ينتزع لقب الداعية الصوفى الأول بالطريقة الصديقية نظرًا لحالة القبول الكبيرة من الناس، ما جعلهم ينجذبون للطريقة الجديدة التى أسسها مفتى الجمهورية الأسبق فى مدينة ٦ أكتوبر لتعتبر الطريقة الأشهر فى مصر.
وقال مصطفى الشاذلى، أحد مريدى الطرق الصوفية، إن الدكتور أسامة الأزهرى من العلماء الربانيين الذين أنعم الله عليهم بالقبول، وما أحلى أن يكون عالم الدين «صوفيًا»، لأن أفكاره بذلك تكون وسطية متماشية مع العصر الذى نحن فيه بخلاف علماء الدين المتشددين الذين يكرّهون الناس فى الإسلام وفى علمائه.
وأضاف: «(الأزهرى) منذ أن عرفناه رجل صوفى صادق محب للأولياء والصالحين، وينشر التصوف على الطريقة الحديثة، فمن أراد أن يعرف الإسلام الحقيقى فعليه أن يذهب إلى المساجد التي يتواجد بها ويشاهد دروس الدكتور أسامة الأزهرى هذا العالم المنفوح من رب العالمين ومن أولياء الله الصالحين».
وأكمل: «(الأزهرى)، مثله مثل أى شيخ أو عالم صوفى، له خلوة يعبد الله فيها، وهذا ما يعرفه الجميع داخل روضة أهل التصوف، وفى شهر رمضان المعظم يتقرب (الأزهرى) إلى مولاه، ويعبد الله ليلًا ونهارًا، ويدعو الله أن يرحم الأمة ويزيل الغمة، حاله حال غيره من رفاقه السادة الصوفية الذين يجاهدون فى الليل وفى النهار لنشر دين الإسلام وتحسين صورته بعد أن شوهها المتشدقون والمتطرفون».
ويعتبر «الأزهرى» من العلماء الذين شاركوا فى الدروس المحمدية التى تنظمها الطريقة البلقائدية الجزائرية، حيث كانت تعقد هذه الدروس فى شهر رمضان المعظم بمدينة وهران كل عام، حيث شارك مرتين فى هذه الدروس بحضور شيخ الطريقة عبداللطيف بلقايد، للتباحث حول أمور الدين والحديث ومناقشة سيرة آل البيت رضوان الله عليهم أجمعين.
ولم تكن هذه الزيارة خاصة بالمشاركة فى دروس العلم والتصوف فقط، بل يدخل خلالها خلوة كما كان يفعل كبار علماء التصوف فى العالم، حيث كان يأتى أهل الصوفية من العراق والكويت وإندونيسيا والمغرب والسودان وغيرها من الدول وليس مصر فقط.
والتقطت صورة لأسامة الأزهرى وهو جالس على ركبتيه داخل الخلوة الصوفية فى مدينة وهران وبصحبة شيخ الطريقة البلقائدية الشيخ عبداللطيف بلقايد، حيث كان «الأزهرى»، وقتها، يرفع يده إلى السماء ويؤمن على الدعاء الذى يقوله شيخ الطريقة البلقائدية، وذهب «الأزهرى» لخلوة البلقائدية فى الجزائر مرتين تقريبًا.
من جهته، قال الشيخ مصطفى الهاشمى شيخ الطريقة الهاشمية، إن العبادة فى الخلوة أو الذكر فى الخلوات أمر اعتاد عليه كبار شيوخ وعلماء أهل التصوف منذ قديم الأزل، حيث ينظرون إلى الخلوة على أنها وقاية للمسلم من الذنوب والمعاصى.
وأضاف أن السواد الأعظم من أهل الصوفية يختار شهر رمضان لإقامة الخلوة، حيث يعتبرون أن الخلوة فى رمضان أفضل بكثير من دخولها فى غيره، لأن فضل هذا الشهر يختلف عن الشهور الأخرى، وعندما يدخل المريد أو الشيخ إلى الخلوة فى هذا الشهر، يحصل على ثواب مضاعف، وهذا يعد جهادًا كبيرًا.
وذكر أن الخلوة من أهم الطقوس التى مارسها الصوفية على اختلاف طرائقهم، فقد تداولوا هذا المصطلح باهتمام شديد، وكانت الخلوة إحدى أهم مجاهداتهم ورياضاتهم الأثيرة على قلوبهم طوال تاريخهم، ثم إنها فاتحة الحياة الصوفية للمريد، الذى يبتدئ بالخلوة، ثم يتدرج حتى ينتهى بالفتح.
وقال إن الخلوة فى العرف الصوفى هى انقطاع عن البشر لفترة محددة، وترك الأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كى يتفرغ القلب من هموم الدنيا التى لا تنتهى، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التى لا تنقطع، ثم ذكر الله بقلب حاضر خاشع، وتفكر فى ذات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، ولا يتم ذلك إلا بإرشاد شيخ عارف بالله، يعلم المختلى إذا جهل، ويذكره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع وساوس الشيطان وهواجس النفس.
وتابع: «الشيخ يلزم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال، ويلقنه ذكرًا من الأذكار حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلًا: الله، الله، أو: سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه حتى يسقط الأثر عن اللسان وتبقى صورة اللفظ فى القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة فى القلب، وحاضرة معه غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشىء خلا عن غيره، والهدف من دخول الخلوة فى رمضان أو غيره من أشهر السنة أو التضرع إلى المولى سبحانه وتعالى والتذلل إليه هو غفران الذنب وقبول التوبة والإنابة له».