في ذكراه.. جورج أبيض صاحب أول مسرحية اجتماعية تكتب في مصر
كان جورج أبيض رائد المسرح في مصر والعالم العربي بعد مارون نقاش٬ والذي تحل اليوم الذكري الواحدة والأربعين بعد المائة على ميلاده. وكان جورج أبيض أول من درس أصول التمثيل في فرنسا ليعود بعدها ويؤسس في دار الأوبرا في القاهرة فرقته المسرحية٬ والتي كانت فاتحة المرحلة التالية من تاريخ المسرح العربي بعد مارون نقاش.
وقد أشاد بدور جورج أبيض التاريخي في المسرح كبار أدباء مصر٬ فقال عنه محمود تيمور إنه: "قدم فنا لم يكن لمصر عهد به في الإخراج والتمثيل والإلقاء." وعنه قال الناقد الكبير محمد مندور: "المسرح بمعناه الفني المستقل بأصوله ووسائله الخاصة لم يظهر في مصر إلا بفضل جورج أبيض."
وقال زكي طليمات عن جورج أبيض: "هو عملاق المسرح العربي بلا منازع٬ وهو الأستاذ الأول للمسرح العربي". وقال عنه يوسف وهبي: "جورج أبيض احتل المركز الأول في تاريخ مسرحنا لفترة هامة في هذا التاريخ٬ نبرات صوته لم تمنحها الطبيعة حتي اليوم لفنان عربي آخر."
وقال بديع خيري عن جورج أبيض: "هو عاهل التمثيل في الشرق بلا منازع". وقال عنه السندباد المصري د. حسين فوزي: "إن جورج أبيض ارتفع بفن التمثيل إلي المستوي العالمي. ومما لا ريب فيه أنه كان أعمق رجال المسرح أثرا في جيلي والأجيال التالية. وكان متمتعا بحب تلك الأجيال ممن عملوا في المسرح٬ أو ممن أحبوا المسرح." وقال سعد زغلول لــ جورج أبيض مداعبا:"أنت يا جورج جيت قبل أولئك بخمسين سنة."
ويشير كريم مروة في كتابه "الرواد اللبنانيون في مصر.. في الصحافة والفكر والأدب والفن" إلي أن جورج أبيض تعرف في باريس علي "سارة برنار" أشهر ممثلة في عصرها. وظل يلاحقها حتي سمحت له بمقابلتها. وذكرها بزيارتها للقاهرة وإدهاشها الجمهور المصري بفنها. فرعته وساعدته طوال فترة إقامته في باريس.
كما تعرف جورج أبيض إلي الممثل الشهير "سيلفيان" ودعاه لمشاهدة مسرحية "طرطوف" لموليير٬ بأعجب به وقرر أن يتولي رعايته مجانا. وبعد إتمام دراسته في "المعهد العالي للمسرح" أتيحت لجورج أبيض فرصة الالتحاق بفرقة أستاذه "سيلفيان" حيث عمل معه لمدة سنة كاملة وطاف معه في أفريقيا الفرنسية. وفي إحدي حفلات تلك الجولة وبسبب مرض "سيلفيان" تولي جورج أبيض أداء دوره.
يقول جورج أبيض إن أستاذه "سيلفيان" قدمه ذات ليلة إلي الجمهور قائلا:"هذا هو الممثل الذي تفوق على أستاذه" وإذ شعر جورج بالثقة عاد إلي مصر بعد ست سنوات قضاها في المسرح الباريسي وكان ذلك عام 1910.
بعد سنتين من التمثيل بالفرنسية كون جورج أبيض فرقته العربية الأولي٬ وافتتح موسم دار الأوبرا بمسرحية "جريح بيروت"٬ واستمر في تقديم المسرحيات حتي بلغ عددها مائة وخمسين مسرحية. وكان بين تلك المسرحيات٬ مسرحية "أوديب ملكا" لسوفوكليس٬ من ترجمة فرح أنطون٬ ومسرحية "لويس الحادي عشر" لكازيمير دو لافان من ترجمة إلياس فياض٬ ثم مسرحية "عطيل" لشكسبير" من ترجمة خليل مطران. وهكذا صار جورج أبيض بطل النهضة المسرحية المصرية في مطالع القرن العشرين.
وفي مقال للكاتب اللبناني عصام محفوظ يقول عن جورج أبيض:"كان المسرح الطاغي حتي ذلك الحين هو المترجم أو المقتبس أو المعرب أو المسرح التاريخي أو الشعري٬ لكن جورج أبيض في باريس رأي ازدهار المسرح الدرامي الذي يعالج مشاكل اجتماعية٬ وكان مهتما بإضافة هذا العنصر إلي عمله. من هنا كان تشجيعه لفرح أنطون٬ الذي سبق له أن عهد إليه في ترجمة بعض المسرحيات.
ويمضي محفوظ في مقاله: "تشجع فرح أنطون واستجاب لرغبة جورج أبيض وألف مسرحيته الأولي "مصر الجديدة"٬ التي كانت كما يقول الناقد والمؤلف المسرحي د. علي الراعي:"بأنها أول مسرحية اجتماعية تكتب في مصر. وبها ولدت الميلودراما الاجتماعية ميلادا صحيحا علي يد فنان ملتزم واسع الآفاق."