«بسبب محجوب»... قصة الخلاف حدث بين أديب نوبل وحمدي أحمد
[القاهرة - 1966]
محجوب عبدالدايم.. هو بطل رواية القاهرة الجديدة لأديب «نوبل» نجيب محفوظ والتي تحولت إلي فيلم سينمائي في ذلك العام، يُعد ضمن أفضل 100 فيلم مصري في تاريخ السينما. لعب دور «محجوب» القدير حمدي أحمد وهو الفنان الصادق، الواضح، والمثقف، وصاحب الرسالة، والأمانة، والملامح المصرية الأصيلة.
•••
[الإسكندرية - صيف - 1966]
بعدما وقع اختيار المخرج القدير صلاح أبوسيف علي شاب اسمه حمدي أحمد - حينذاك - كان قد رآه علي المسرح، ليلعب الدور أمام الراحلة سعاد حسني، عرض الاسم علي نجيب محفوظ. في البداية رفض هذا الترشيح.. لكون الشخصية صعبة، ومركبة، وتحتاج ممثلاً له خبرة وأكثر دراية بأبعاد الشخصية، لكن أمام أصرار صلاح أبوسيف، وافق نجيب محفوظ، حيث كان يشارك هذا الشاب في عرض مسرحي هناك، وجاء به للقاهرة وعرض عليه الدور، قال له أمامك أربعة أيام، وتأتي بعدها لتوقيع العقد، وبالفعل عاد إليه، لكن طلب قبل توقيع العقد الجلوس مع الأستاذ نجيب محفوظ، ورغم اندهاش واعتراض صلاح أبوسيف علي طلب حمدي أحمد- علي افتراض من أنت حتي تجلس مع نجيب محفوظ- وافق وحدد له المكان والزمان حتي يلتقي بالأستاذ، وقد كان!
[القاهرة - مقهي الفيشاوي - 1966]
- نجيب محفوظ يسأل: خير يا حمدي أفندي.. قيل لي إنك تريد الجلوس معي؟
- نعم يا أستاذ.. جئت حتي نتحدث عن شخصية محجوب عبدالدايم قبل أن تدور الكاميرا.
- اتفضل
- يا أستاذ حضرتك كنت قاسي جداً علي محجوب عبدالدايم.
- بالعكس.. هذا أقل ما يكون عليه.. فهو.. قذر، قذر جداً!
- لكنني أراه غير ذلك
- وكيف تراه يا حمدي أفندي؟
- حضرتك تراه متهماً.
- نعم وهو كذلك.
- لا.. يا أستاذ.. أنا أراه وثيقة اتهام ضد المجتمع، المتهم هو المجتمع وليس هو، لو كنا في مجتمع صحيح سليم، ولا يوجد فيه محسوبية، ولا وساطة، وفيه التعليم السليم والعلاج السليم، والوظيفة التي تحميه من الفقر، ما كان محجوب عبدالدايم هو محجوب عبدالدايم الذي نعرفه في الرواية والذي سنراه في الفيلم.
- سكت نجيب محفوظ قليلاً.. ثم نظر لهذا الممثل الشاب الذي يراه لأول مرة.. وقال له: اتفضل يا حمدي.. مثل الدور كما تراه.. أنت، لا كما كتبته أنا.!
بسعادة بالغة قام من أمامه، بعدما فرغ من فنجان قهوته، وغادر المقهي الذي التقي الأستاذ عليه.. وترجل في شوارع القاهرة، ينظر في وجوه البشر، يبحث في عيونهم عن محجوب عبدالدايم حتي يراه قبل أن يتخيله أو يقدمه علي الشاشة.
•••
كان حمدي أحمد صاحب شخصية متميزة ؛ تحمل ملامح الشخصية المصرية الأصيلة، المعجونة بتراب وطمي النيل، والمنحوتة علي ملامح وجهه. و التى تحمل أجزاء من ملامح القدماء الفراعنة، الضحكة.. ضحكة فلاح، والصوت صوت مقاول أنفار، والبشرة بشرة تاجر من تجار الصعيد جاء للقاهرة يبيع الغلال، هو باختصار- الأصل والرسم- مصري صناعة فرعونية 100٪ لم يتغير، ولم يتلون، ولم ينافق، ولم يهادن، ولم يبع قيمه ومكتسباته الفنية والشخصية من أجل شهرة أو مجد زائف، وذلك حسبما ذكر الكاتب الصحفي خيري حسن في كتابه "أبي كما لم يعرفه أحد".