تقنية جديدة لصناعة روبوتات «الحمض النووي» في دقائق
يعتقد العلماء أن الروبوتات متناهية الصغر التي تعرف باسم روبوتات الحمض النووي سوف يكون باستطاعتها يوما ما توصيل جرعات الدواء إلى الخلايا داخل الجسم، واكتشاف الفيروسات المميتة والتعامل معها، بل والمساعدة في تصنيع أجهزة إلكترونية طبية أصغر حجما.
وقطع فريق من الباحثين في الولايات المتحدة مؤخرا خطوة واسعة نحو تحقيق هذا الهدف عن طريق تطوير تقنية جديدة يمكنها تصميم روبوتات حمض نووي معقدة وأجهزة متناهية الصغر خلال فترات زمنية قصيرة للغاية.
وأزاح الفريق البحثي من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية برئاسة الباحث تشاو مين هوانج الستار عن البرنامج الحوسبي الجديد الذي يستخدم في تصنيع هذه الروبوتات متناهية الصغر، والذي أطلق عليه اسم "ماجيك دي.إن.إيه" أي "الحمض النووي السحري".
وخلال الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "نيتشر ماتيريالز"، كشف الباحثون أن البرنامج الجديد يساعد العلماء في تشكيل خيوط الأحماض النووية في صورة هياكل مركبة مزودة بأقراص دوارة ومفصلات، ويمكنها التحرك وتنفيذ سلسلة مختلفة من المهام بما في ذلك توصيل جرعات الدواء.
ونقل الموقع الإلكتروني "سايتيك ديلي" المتخصص في التكنولوجيا عن الباحث كارلو كاسترو عضو فريق الدراسة والمتخصص في مجال هندسة الميكانيكا والفضاء بجامعة ولاية أوهايو قوله إن العلماء يعكفون على تطوير هذه الروبوتات متناهية الصغر منذ سنوات طويلة باستخدام تقنيات بطيئة وخطوات يدوية تستغرق وقتا طويلا، غير أنه استطرد قائلا: "ولكن الآن، أصبح من الممكن تصميم الأجهزة متناهية الصغر في غضون دقائق، بعد أن كانت تتطلب عدة أيام، كما صار بمقدور الباحثين ابتكار أجهزة نانوية أكثر تعقيدا وأكثر فائدة".
ويقول الباحث تشاو مين هوانج: "كنا فيما مضى نصنع الأجهزة النانوية من ستة مكونات منفصلة، ثم نربط بينها باستخدام مفصلات، ونحاول أن نجعلها تؤدي حركات معقدة... ولكن باستخدام البرنامج الحوسبي الجديد، لم يعد من الصعب صناعة روبوتات متناهية الصغر باستخدام عشرين عنصرا مختلفا، كما أصبح التحكم فيها أكثر سهولة... إن البرنامج الجديد يمثل خطوة كبيرة نحو تصميم أجهزة نانوية يمكنها تنفيذ الوظائف الصعبة المطلوبة منها".
وينطوي البرنامج الجديد على العديد من المزايا التي تساعد في تصميم الأجهزة متناهية الصغر وجعلها أكثر فائدة وقدرة على أداء وظائفها، كما أنه قد يقلل المدة الزمنية اللازمة من أجل دخول هذه الأجهزة في تطبيقات الحياة اليومية للإنسان.
ومن بين هذه المزايا أن البرنامج يسمح للباحثين بتصميم الجهاز متناهي الصغر بالكامل في صورة مجسمة، في حين أن التقنيات السابقة كانت تسمح بتصميمه في صورة ثنائية الأبعاد، وهو ما يعني أنه لم يكن بإمكان العلماء تصميم أو تصنيع أجهزة بالغة الدقة أو التعقيد، كما أنه يسمح للباحثين بتنظيم خيوط الحمض النووي وفق الهياكل التي يرغبون فيها، وبالتالي التحكم بدقة في تركيب الجهاز النانوي وخصائصه المختلفة.
ويسمح البرنامج للمصممين ببناء هيكل الحمض النووي بأكثر من طريقة، سواء من "أسفل إلى أعلى" أو من "أعلى إلى أسفل".
ويقصد بطريقة من "أسفل إلى أعلى" أن يأخذ الباحث الخيوط الفردية للحمض النووي، ويقرر كيفية تنظيمها داخل الهيكل الذي يريده، وهو ما يسمح بالتحكم الدقيق في مكونات الجهاز النانوي. أما طريقة من "اعلى إلى أسفل"، فيقصد بها أن يحدد الباحث من البداية الشكل النهائي للجهاز النانوي من الناحية الهندسية، مع التحكم آليا في طريقة تركيب خيوط الحمض النووي لصناعة هذا الجهاز.
كما أن البرنامج يتيح أيضا إمكانية إجراء عمليات محاكاة لكيفية تحرك الجهاز النانوي وعمله في الواقع. ويقول كاسترو: "نظرا لأن هذه الأجهزة ذات تركيبات معقدة، فإنه من الصعب التنبؤ بدقة بشكلها النهائي أو سلوكياتها في البيئة الواقعية"، مضيفا أنه "من المهم أن نكون قادرين على إيجاد منظومة للمحاكاة من أجل التعرف على طريقة عمل هذه الأجهزة متناهية الصغر، حتى لا نهدر وقتا طويلا دون طائل".
وفي إطار اختبار قدرات البرنامج الجديد، قامت الباحثة أنجيليكا كوسينيتش بالتعاون مع فريق من الباحثين، لتصميم العديد من الأجهزة متناهية الصغر، وكذلك تصنيعها وتفعيلها. ومن بين هذه الأجهزة ذراع روبوتية مزودة بكلابات يمكنها التقاط الأشياء الأصغر حجما، وكذلك المئات من الهياكل متناهية الصغر التي تبدو مثل الطائرة، وهي طائرة أصغر بواقع ألف مرة عن عرض الشعرة البشرية.
ويؤكد كاسترو أن القدرة على تصنيع أجهزة نانوية أكثر تعقيدا يعني أنه سوف يكون بإمكان العلماء صناعة أجهزة مفيدة يمكنها أداء أكثر من مهمة في آن واحد، موضحا أنه على سبيل المثال بدلا من صناعة روبوت حمض نووي يمكنه اكتشاف فيروس مميت داخل الجسم، فمن الممكن أن يستطيع الجيل الجديد من الروبوتات النانوية اكتشاف الفيروس المميت ثم التعامل معه عن طريق حقنه بدواء معالج أو احتواءه لحماية الجسم من أضراره.
وأضاف: "نريد تصميم روبوتات نانوية يمكنها التفاعل مع المؤثرات الخارجية أو التحرك بأسلوب معين حسب المواقف المختلفة".
وأعرب كاسترو عن توقعاته بأن يتم استخدام برنامج "ماجيك دي.إن.إيه" في الجامعات والمراكز البحثية المختلفة في غضون سنوات، وكذلك التوسع في استخداماته وتطبيقاته.
واضاف: "هناك اهتمام متزايد بالتطبيقات التجارية لتقنيات الحمض النووي متناهية الصغر، وأرى أننا خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، سوف نرى تطبيقات تجارية لأجهزة نانوية تعمل بتقنيات الحمض النووي، ونشعر بالتفاؤل من أن البرنامج الجديد سوف يساعد في هذا الاتجاه".