«الدستور» من داخل المدارس العلمية
«مصدات الإرهاب».. كيف تحمي المساجد الشباب من التطرف؟
الفترة الماضية أدركت الدولة أن تصحيح الخطاب الديني و متابعة الرسالة التي تقدم للعابد في دور عبادته لها من الاهمية التي تؤثر على الوطن وبنيانه، وإن أردنا المحافظة عليه،لابد من معرفة الدين كما اُرسل دون تحريف أو تأطير يضر بالمتلقي، فكان على “الأوقاف” أن تدشن عددا من المدارس العلمية في المساجد بالقاهرة والمحافظات، تنظم خلالها عدد من البرامج الدينية.
وتعلن إدارة المسجد بانتظام عن البرامج التعليمية، وهي منفصلة عن مدرسة تحفيظ القرآن، وتقدم برنامجا يشمل مناهج في علوم الفقه، الشمائل المحمدية، التفسير والحديث، وهو ما سنتعرف عليه تفصيلا مع شروط الالتحاق بتلك المدارس ومعرفة المميزات التي تقدمها من داخلها.
مسجد عمرو بن العاص: مناهج علمية تؤهل الدارس تؤهله ليصبح عالم دين
في البداية التقينا بالدكتور أحمد عِوَض، إمام مسجد عمرو بن العاص، الذي حكى لنا كيف بدأت المدرسة العلمية الخاصة، موضحا أنه رغم أن الافتتاح الرسمي لها كان في 9 ديسمبر 2017، لتصبح الأولى في مصر المخصصة لهذا الغرض، لكن التواجد الفعلي للعمل فيها بدء قبل هذا التاريخ بنحو عامين، لكن كانت محاضرات غير منتظمة بجهود علماء من شيوخ وإدارة المسجد جميعهم معتمدين من الأوقاف وحاصلين على إجازات علمية من الأزهرالشريف.
في منتصف 2017 قررت وزارة الأوقاف نهج بعض البرامج لتصحيح الخطاب الديني وتطوير المحتوى المقدم من خلال منصاتها سواء على المنابر أو المدارس، هنا شرعت في تعميم فكرة المدرسة العلمية لتُمنح مدرسة عمرو بن العاص إطارا رسميا تابعا للوزارة مباشرة، يذكر "عِوَض" أنه تم تدشين مسابقة لاختيار أساتذة ومحاضرين المدرسة، فكان المتقدم لها ينبغي أن يكون حاصلا على درجة الإمام المتميز أو المتميز من الوزارة، أو حامل لشهادة الماچيستير أو الدكتوراه في العلوم الدينية.
بعد الاختيار كان توجيه المدرسين للغرض الأساسي وهو حماية العقول من الفكر المتطرف والمتشدد والسلاح هو كتب أصيلة في مناهل الدين.
يكمل عوض، أن تدريس أمهات الكتب في العلوم التي تخصصت فيها المدرسة رغّبَ عدد كبير للاتحاق بها فكان بينهم الأئمة الصغار والدراسين في الكليات الشرعية وحتى جمهور العوام، وكل هؤلاء لا يتطلب تسجيلهم في المدرسة سوى البيانات الشخصية، فإذا اجتاز المراحل الدراسية يُمنح شهادة معتمدة من وزارة الأوقاف في العلم الذي تفوق بن وإجازة تدريسه فيما بعد، والأئمة الصغار يرتفعون للدراجات أعلى تسهيلًا لالتحاقهم بمسابقة الإمام المتميز و الإمام العصري أو الإمام المجدد تمهيدًا لحصوله على زمالة الأوقاف المصرية.
هناك فصول مخصصة للذكور يحاضر فيها علماء أزهريون كـ"الشيخ أنور الكومي"، وأخرى للسيدات تلقي فيها واعظة نفس المادة العلمية، حاصلة هي الأخرى على ماچيستير أصول دين.
يستمر الجدول لخمسة أيّام وتبدأ المحاضرة عقب صلاة المغرب وحتى العشاء، توقفت خلال ذروة وباء كورونا المستجد داخل المسجد لكنها ظلت عبر الإنترنت، و يخصص فيها وقت للنقاش حول القضايا الجدالية، ويوضح الدكتورأحمد عِوَض أن كثيرًا ماتطول فترة المحاضرة بعد أن تطرح أسئلة من قبل الدارس لا يجوز إنهاء الدرس قبل الفصل التام فيها ولعل أبرز تلك الأمورالتي طُرحت في الفترة الماضية كان الخوض في مسألة مخارج الزكاة، فمثلًا أشاع عدد من الجماعات المتشددة أنه لابد من الالتزام بالحبوب كالقمح والشعير كما أشار الرسول (ص)، فمثل هذه القضية أخذت باعا طويلا في إثبات أن مخارج الزكاة اختلفت مع مطلبات الفقير في وقتنا هذا فباتت أصلح في الصحة والتعليم.
مسجد صلاح الدين: محاربة تطرف طلاب الطب بمحاضرات العلم
في إحدى الأمسيات توجه أحد الشباب إلى الدكتور يسري عزام إمام وخطيب مسجد صلاح الدين المتواجد بمنطقة المنيل جنوب القاهرة، يعلمه عن رغبته في الجهاد بسيناء مع جماعات تصف نفسها بالإسلامية الجهادية، يروي "عزام"، أنه بعد أن جلس مع الشاب وجده من أسرة ميسورة يدرس في كلية طب القصر العيني، وسرد له أسبابه التي جعلته ينتوي ذلك فكان أبرزها الاستماع للكثير من الدعاة الذين يرتاعون في أروقة كليته ثم عدد كبير من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح زائرا دائما لها.
يكمل الشيخ أن ما جعل الشاب يبوح بسره له هو حاجز ثقة بُني بينهم بعد سماعه عدد كبير من الخُطب التي يلقيها في صلاة الجمعة وغيرها، وفوجئ أنه لا يحفظ من القرأن شيئًا ولا يعلم من الدين ظاهره وبَاطِنَه، فهو مشبع فقط بحمل السلاح للجهاد كسبيل لدخول الجنة، وحينما طلب منه الشيخ أن يقترح على دعاته الالتحاق بالجهاد هم الآخرين ورجع خائب الرجا، أصبح طالب الطب دارس للدين على يد مشايخ المسجد وعلمائه.
يذكر “عزام” أنه حينما نقل المشهد لوزارة الأوقاف باعتباره متكرر الحدوث، وبعد تحليل الوزارة وجدت أن أكثر العناصر الإرهابية والجهادية تخرج من باطن كليات القمة كالطب والصيدلة والهندسة لتشبع الطلاب بالعلوم المجردة لذا يصبح إغوائهم من قبل التكفيريين أمرًا يسر.
عقب ذلك افتتحت مدرسة علمية للأوقاف بمسجد صلاح الدين لتصبح الثانية في مصر من نوعها، يوضح يسري عزام، مدير المدرسة، أن أغلب المترددين عليها من قِبل كليتي طلبة الأسنان والطب المجاورتين للمسجد، وعلى مدار عامين شهد هو تغير أفكار العديد منهم، فبعد أن كانت فكرة تحقيق الإخلاص في الإيمان عن طريق الجهاد وحمل السلاح في وجه عدو يصنعه لهم التكفيرين أصبح الفلاح فيه هو العلم والمذاكرة وبر الوالدين.
يوضح "عزام" أن المدرسة لاقت إقبالًا واسعًا، وانتظم فيها عدد كبير من الطلاب حتى تكونت بينهم وبين المحاضرين علاقات ود وصداقة بنت حاجز من الثقة بينهم.
يكمل أن القضايا بالتدريج اتجهت نحو أمور أكثر جدلية، لكن يكتشف الشيخ أن وراء الأسئلة عقل فارغ لا يعلم الكثير عن علوم الدين ولا مقاصده، فجُلّ ما يشغل بالهم لما الرسول تزوج من تفوقه سنة حتى يحلها لنفسه ويقنع أهله به، ولَم تعدد زيجاته، لكن لا يودون أن يعرفوا عن الرسول مناهجه وسلوكه، لذا بدأ المعلمين في تدريس منهج الشمائل المحمدية للإمام الترمزي لتبيين الأخلاق النبوية والسيرة المحمدية وكتاب حكم بن عطاء الله السكندري الذي يكفره عدد كبير من المتشددين/ وكل تلك الكتب تجود بمواد ترقق القلوب وتوصل الرسالة بطريقة مبسطة للعالم والجاهل، وبنفس الطريقة يُدرس كتاب علم الحديث تدريب الراوي للأمام السيوطي وهو معتمد من قبل علماء الحديث.