روضة النعيم.. أسرار خاصة من خلوة الحبيب على الجفرى فى الحسين
يعد الحبيب على الجفرى، الداعية اليمنى المعروف، واحدًا من أشهر علماء الصوفية الذين ذاع صيتهم فى السنوات الأخيرة، خاصة بعدما جذبته كرامات الأولياء وبركات الصالحين إلى مصر والمصريين، وجعلته ينشئ خلوة له فى ميدان الإمام الحسين، أطلق عليها اسم «روضة النعيم».
وفى خلوة الداعية اليمنى تقام حلقات الذكر ودروس العلم طوال أشهر السنة، لكنها فى شهر رمضان تصبح مملكة خاصة بالحبيب الجفرى، الذى يجهز برنامجًا خاصًا للعبادة والتقرب إلى الله طيلة شهر رمضان، ويدعوه متضرعًا أن يصلح حال الأمة، وأن يعود الأمن والأمان إلى اليمن وسائر بلاد المسلمين.
يظل يتعبد داخلها حتى يغشى عليه من الذكر والصلاة
ينتمى الحبيب على الجفرى إلى قبيلة آل باعلوى، التى تؤمن بانتسابها إلى سلالة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من آل الحسين بن على بن أبى طالب، ويسكنون منطقة حضرموت باليمن، منذ عام ٣١٩ هجرية، الموافق ٩٣١ ميلادية، بعدما وصل الجد أحمد إليها، ثم انتشرت القبيلة بعد ذلك فى أنحاء العالم.
وتتبع القبيلة منهج أهل السنة والجماعة على المذهب الشافعى فى الفقه، وعلى المذهب الأشعرى فى العقيدة، ولهم طريقتهم الصوفية المعروفة بأنها طريقة السادة آل باعلوى، وهى إحدى الطرق الصوفية المنتشرة فى عموم العالم الإسلامى، ومنهم من لعب دورًا كبيرًا فى نشر الإسلام فى غرب إفريقيا.
وكشفت مصادر مقربة من الحبيب الجفرى عن أن منطقة حضرموت باليمن، التى هى موطن قبيلته وطريقة آل باعلوى، تضم «خلوة حضرموت» التى تعد أولى الخلوات التى دخلها الداعية اليمنى، وتعلم فيها أمور الدين والشريعة والخلوات الصوفية وآدابها، خاصة أن القبيلة ومشايخ طريقته الصوفية كانوا يلتزمون بواجب الخلوة فيها، ويعتبرون أن الشاب بعد بلوغه سن الـ٢٠ يجب عليه الالتزام بآداب الطريقة والدخول للخلوة.
وتعد الخلوة واجبًا مقدسًا عند الصوفية، وربما لا يكون الصوفى صوفيًا بدونها، خاصة الزاهدين الكبار، كما أن الداعية اليمنى عمر بن حفيظ، الذى يعد شيخ الحبيب الجفرى، له خلوة خاصة بمنطقة حضرموت فى اليمن، وينقطع فيها للعبادة لأيام وشهور، الأمر الذى يسلط الضوء على أهمية هذه الخلوات فى حياة أهل التصوف.
كما تعد الخلوات الرمضانية عادة مقدسة، يتوارثها كبار أقطاب الصوفية، من أمثال أحمد الرفاعى وأبوالحسن الشاذلى وعبدالقادر الجيلانى وأحمد البدوى وإبراهيم الدسوقى، وغيرهم من الأولياء والصالحين، الذين كانوا يلتزمون منهج الخلوة طوال العام، وفى شهر رمضان على وجه الخصوص.
وتحظى خلوة «الجفرى» فى الحسين بمكانة خاصة، فلا يدخلها سوى المقربين من الداعية اليمنى فى معظم أيام السنة، لكنها تتحول فى رمضان إلى خلوة خاصة به، مع عدد قليل جدًا من مريديه، ما جعل آخرين ينسجون حولها الحكايات ويتحدثون عن أسرارها وما تحمله من جمال وخيال وكرامات وبركات.
وفى خلوته «روضة النعيم»، ينقطع «الجفرى» تمامًا عن العالم الدنيوى، ويتفرغ للعبادة والأذكار، أسوة بما تعلمه من شيوخ ومريدى التصوف الإسلامى سواء داخل مصر أو خارجها.
وقال عدد من مريديه وتلاميذه إن الداعية اليمنى يدخل إلى الخلوة خلال شهر رمضان المعظم، ويلتزم طوال شهر رمضان بالذكر والعبادة وقراءة القرآن الكريم، ولا يختلط بأحد تقريبًا، ويمتنع تقريبًا عن الكلام إلا للضرورة، ولا يخرج من خلوته فى منطقة الحسين إلا للضرورة القصوى.
وقال محمد نورى، أحد المترددين على «روضة النعيم»: «كان الحبيب الجفرى يلتقى مريديه وتلاميذه طوال أشهر العام، إلا أنه بعد ظهور كورونا أصبحت اللقاءات قليلة جدًا، لكن فى رمضان الماضى وقبل انتشار كورونا، كنا نذهب لننتظر خروجه من خلوته التى يعبد فيها الله خلال شهر رمضان المبارك، لكننا لم نكن ننجح فى ذلك فى معظم الأوقات لأنه يكون منهمكًا فى العبادة والذكر والصلاة وقراءة القرآن الكريم». وأضاف: «الخلوة بالنسبة للحبيب الجفرى واجب مقدس وأهم لديه من أى شىء آخر، حتى إنه كان يقول لنا لا يجب أن يستهين المريد بواجبات العبادة والذكر مهما حدث، لأن الله عز وجل يراقب كل واحد فينا، ويحاسبه على كل شىء فعله، وكى يكون المسلم صالحًا فى مجتمعه عليه أن يقتفى آثار السادة الصالحين من أهل الطريق الأوائل الذين باعوا الدنيا واشتروا الآخرة».
كما قال على درويش، أحد طلاب الأزهر المترددين على خلوة «الجفرى» بالحسين، إن «روضة النعيم» لها مكانة خاصة لدى كل من يزورها، مؤكدًا أن الداخل إليها يشعر بفيوضات ربانية، لأن الذكر لا ينقطع داخلها أبدًا.
وأضاف: «الصلاة على النبى وقول لا إله إلا الله يظل يتردد فى الخلوة ليلًا ونهارًا، الأمر الذى جعلها خلوة صوفية بامتياز، لكن معظم المريدين لا يترددون عليها فى شهر رمضان، لأن الجفرى لا يلتقيهم بل يكون متفرغًا للعبادة ليلًا ونهارًا حتى يغشى عليه من الذكر والصلاة، ولا يراه أحد إلا فى الصلوات وهو يعبد الله أو يمسك بمسبحته ويردد الأذكار»
مدتها 30 يومًا.. يتعلمها المريد عن شيخه.. وأصلها يعود لـ«غار حراء»
حول مفهوم الخلوات عند الصوفية، قال الداعية سيد شبل: «الخلوة عند الصوفية هى انقطاع عن البشر لفترة محددة، وترك الأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كى يتفرغ القلب من هموم الدنيا التى لا تنتهى، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التى لا تنقطع، وتتضمن الخلوة ذكر الله بقلب حاضر خاشع، وتفكر فى ذات الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، ولا يتم ذلك إلا بإرشاد شيخ عارف بالله، وغالبية شيوخ الطرق الكبار تعلموا على أيدى شيوخهم الكبار، وهم من أعطوهم الإذن فى الدخول للخلوة».
وأضاف: «أئمتنا الكبار بينوا طريقة الخلوة بالقول إن الشيخ يلزم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال، ويلقنه ذكرًا من الأذكار حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلًا: الله.. الله، أو سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات الطيبات».
وواصل: «يواظب المريد على ترديد الذكر حتى يسقط الأثر عن اللسان وتبقى صورة اللفظ فى القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة فى القلب، وحاضرة معه غالبة عليه، وقد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشىء خلا عن غيره».
وتابع: «مدة الخلوة الصوفية الأشهر هى ٣٠ يومًا، على أصل مواعدة نبى الله موسى، وخلوة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بغار حراء، وشروطها ذكرها البعض بأنها ٢٦ شرطًا».
وقال: «من بين شروط الخلوة السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة، ودخولها لا يصح بدون حضور الشيخ ومباركته للمختلى وللمكان، وأن يستعين المختلى ويستمد من أرواح مشايخه بواسطة شيخه المشرف، وأن يباشر خلوته غير مستند إلى جدار المكان، ولا متكئًا على شىء، بل مغمضًا مطرقًا رأسه تعظيمًا لله، ثم يجعل خيال شيخه بين عينيه، فإنه معه وإن لم يره المريد، وأن تكون الخلوة مظلمة، لا يدخل فيها شعاع الشمس ولا ضوء النهار، وأن يداوم السكوت إلا عن ذكر الله، وأن تكون الخلوة بعيدة عن حس الكلام ولغط الناس، وألا ينام إلا إذا غلبه النوم».
وختم بقوله: «يستدل الصوفية على خلوتهم بما رواه الإمام البخارى عن السيدة عائشة رضى الله عنها، قالت: (أول ما بدئ برسول الله، صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه..)، ويرى الصوفية أن هذا هو الأصل فى إثبات الخلوة للمشايخ».