«الدستور» تنشر رسائل صلاح جاهين إلى والدته
تحل علينا غدا الذكرى 35 لرحيل الشاعر الكبير صلاح جاهين.
عاش جاهين حياته كلها كما لو كان طفلا لم يكبر أبدا، فحينما سأله المذيع الشهير طاهر أبوزيد في إحدى المرات: عملت كل حاجة.. لكن نفسك تعمل إيه لسه؟ أجابه جاهين بسرعة ملفتة "نفسي أرقص باليه!"، هذا الخيال الخصب لا يمتلكه سوى طفل، وهذا الخيال تربى- كما صلاح- على يد أمه التي تركت عملها كمدرسة وتفرغت تماما لجاهين وكأنه تلميذها الوحيد، وكان صلاح تلميذا نجيبا فسمع معها للمرة الأولى صوت سيد درويش عبر أسطوانات أحد أقرباءها الذي كان صديقا لمعني ثورة 19، وظلت أمه حتى رحيله صديقة له، صديقة من نوع خاص لابن مشاغب، حتى كبر الطفل وكتب لأمه مجموعة من الرسائل يمكننا أن نلمس فيها هذه العلاقة الخاصة، كتبها جاهين بلغة بسيطة لا افتعال فيها ولا زخرفة، وكان انفرد بنشرها الكاتب الصحفي وائل عبد الفتاح على صفحات مجلة أخبار الأدب في العام 1999.
وأغلب الظن أن هذه الرسائل كتبت في نهاية السبعينيات وقت أن كان صلاح جاهين منشغلا في فيلم "المتوحشة" والذي صدر في 1979، ربما انشغل لظروف عمل الفيلم عن زيارتها وكانت أمه حينها تقيم في منزل شقيقته في مصر الجديدة، ويبدو كذلك من خلال الرسالة الأولى أن تليفون المنزل كان معطل، فكتب جاهين إليها رسائله وهي- أي الرسائل- من جعلت أمه تقترح عليه اقتراحا لطيفا وهو أن يتراسلا عبر الحمام الزاجل وهو -أي الاقتراح- ما يعبر عن خفة روح الأم حتى في عتابها وما يعبر كذلك عن خيال الأطفال الذي يسكن كلاهما: جاهين وأمه!
الرسالة الأولى:
حبيبتى ماما
أقبلك ألف قبلة بل مليون قبلة وأدعو الله أن تكونى بصحة جيدة، كل سنة وأنت طيبة عشان عيدك ولو إنها جاءت متأخرة كتابة (رأفت قال لى أنه بلغك تحياتى يوم 21 كما طلبت منه).
أنا بخير ولو إنى مشغول جدا ومواعيد صحيانى ملخبطة للغاية. أرجو تبليغ تحياتى وحبى لسامية ولبنى وميرت والجميع وأن أتمكن قريبا من المجىء إليك لأنك وحشانى جدا.. وربنا ينفخ فى صورة التليفون علشان أعرف أكلمك كل يوم.
علمت من مصطفى انه متوجه إلى مصر الجديدة فكتبت هذه الرسالة على عجل ليحملها إليك.
وأخيرا أدعو الله أن يمتعك بالصحة وأن يحفظك لنا خيرا وبركة وحكمة.. وإلى لقاء.
صلاح
الرسالة الثانية:
حبيبتى ماما
أقبلك وأقبل يديك الكريمتين وأدعو الله أن تكونى بخير ومتمتعة بالصحة أنت ووجدان والدكتور عبد الحميد والدكتور هشام والدكتور خالد والدكتورة أميمة.
أكتب لك بسرعة من حوش الاستديو حيث نبنى حارة فى فيلم المتوحشة. وأنا أصل كل يوم الساعة 8 صباحا مثل أجدع عامل وأظل حتى ينصرف العمال الساعة 6 مساء ثم تصل سعاد ونظل إلى الساعة 10 مساء فى بروفات على الاستعراض الذى سيصور يوم السبت.
دعواتك الصالحات أن يوفقنا الله فى هذا العمل ويمنع التعطيل ويهدى الجميع ويكفينا شر ولاد الحرام ويستحسن أن تدعو لنا وجدان أيضا والدكتور عبد الحميد حتى تأتى النتيجة مضاعفة.. وإلى اللقاء
صلاح
الرسالة الثالثة:
أمى الحبيبة
أقبل يديك ووجنتيك ألف قبلة. وأقدم إليك الاعتذار ألف مرة على عدم مجيئى لزيارتك. ولولا أنى أعلم بقبولك عذرى قبل أن أبديه لحزنت كثيرا جدا. التليفونات مصيرها للتصليح. وإلى أن يأخذ ربنا بيدها أرى أن نتكاتب كأننا فى بلدين منفصلين. بدلا من فكرة الحمام الزاجل التى أرى انها مبالغ فيها. أخبارى أننا سندخل الاستوديو يوم السبت القادم بالرغم من أن الأحد عيد الأقباط والمخرج ومساعده قبطيان ويليه شم النسيم وهو عطلة ثم عيد العمال ولا أدرى كيف سيتغلب الانتاج على كل هذا فإلى أن انفض يدى من هذا الفيلم (الجملى) الذى لا يريد أن يستوى مع إننا نشتغل فيه أو نشتغل تحته منذ أكثر من عامين. سأحضر وأقضى معك بعض الوقت. وأيضا ربما تأتى معى سعاد لأنها مشتاقة إلى رؤيتك من كثرة كلامى عنك التى ربما تكون قد جعلتها تحس بأنها تعرفك. صحتى لا بأس بها ولو أنى أحس فى بعض الأحيان بتوتر عصبى وتطلع زرابينى ولكنى لا ألبث أن أروق وأبقى ميت فل وخمستاشر. أرجو أن تكون صحتك قد تحسنت وأصبحت عادية مرة أخرى.
وأعتقد أنك لو مشيت على نظام مثل جدى حسن لاستطعت أن تستمتعى بوقتك بعد أن أنهيت خدمتك الجليلة التى جعلت منا جميعا أناسا لا بأس بهم.. وآن لك أن تفعلى كل ما كلن فى نفسك وأنت مشغولة بنا. تمنياتى لك بالهنا وراحة البال.
صلاح