فقه بني إسرائيل (2) ..الشعب المختار والأغيار.. كيف يرى اليهود أنفسهم؟
يعتقد اليهود أن كونهم " الشعب المختار" يعني أنهم وُضعوا على الأرض لتحقيق هدف معين، وفقاً لعقيدتهم فقد اختارهم الله ليصلحوا العالم، فالشعب اليهودي وفقاً للكتاب المقدس هو الذي يعتقد أنه يخدم ربه بالصلاة ومراعاة الوصايا التوراتية كما يعتقد أنه هو الشعب الحامل للرسالة للعالم.
حاول عدد من الحاخامات والمفكرين تفسير فكرة "الاختيار" وفكرة النظرة للآخر أي غير اليهودي، فجاؤوا بتفسيرات كثيرة وكلها تؤكد فكرة التفرد اليهودي عن الآخرين، وشبهوا أنفسهم بحبة الزيتون مع المواد الأخرى، أي استحالة اختلاطهم مع الشعوب الأخرى.
بحسب العقيدة اليهودية، لم يخترهم الله بوصفهم شعباً وحسب؛ بل كجماعة دينية تجمعها أفكارها وعقائدها، ويدل الاختيارعلى تفوق اليهود عرقياً، فقد اختير اليهود لأنهم من ذرية النبي إبراهيم، مثل ما جاء في التلمود: كل اليهود مقدسون، كل اليهود أمراء.
أما في العصر الحديث فقد حاول بعض المفكرين من اليهود التخفيف من حدة الاختيار لما لها من تداعيات تثير عداوة الآخرين فقيل: إن كل شعب يتم اختياره ليكون الشعب المختار، وقد حظي اليهود بنصيب يفوق الآخرين. وتفسيرات أخرى للتلمود رأت أن الصالحين من كل الأمم سيكون لهم نصيب في العالم الآخر.
شعب الله المختار: أصل الفكرة ومعناها
فكرة الشعب المختار وردت في التوراة، في سفر التثنية (الإصحاح 14): "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون شعباً خاصاً فوق جميع الأمم االتي على وجه الارض"، في سفر التكوين: "وسأقيم عهدي بيني وبينك [الشعب اليهودي]، ونسلك من بعدك في أجيالهم، لعهد أبدي، لأكون الله لك ولنسلك من بعدك."
في الفلسفة اليهودية في القرون الوسطى، ظهرت بوضوح فكرة التفرد اليهودي، مثلما ذكر الحاخام والفيلسوف اليهودي "يهودا هاليفي" أن الشعب اليهودي حصل بأكمله على كلية دينية خاصة له، أعطيت أولاً لآدم ثم ورثت من خلال مجموعة من الممثلين المختارين إلى كل إسرائيل، نتيجة لهذا التأثير الإلهي الموروث، كان الشعب اليهودي قادرًا بشكل فريد على الدخول في شركة مع الله، وهو ما يعني اختيار الله لبني إسرائيل.
مع ظهور المسيحية، أصبحت عقيدة إسرائيل كشعب مختار أكثر إثارة للجدل، خاصة أن المسيحية أصبحت تتحدث أنهم المختارين وليسوا اليهود، وهو ما دفع إلى اضطهاد اليهود خلال فترات مر الزمان.
في ضوء هذا الاضطهاد، رغب بعض اليهود في التخلص من فكرة "شعب الله المختار" لأنها تسببت في العداء مع الأمم الأخرى، وقد قام الحاخام مردخاي كابلان، إلى الدفع نحو إسقاط فكرة شعب الله المختار لسببين هما: لتقويض الاتهامات التي كانت ترى أن فكرة الشعب المختارهي نموذجًا للأيديولوجيات العنصرية، ولأنها تتعارض مع التفكير الحديث لرؤية اليهود كشعب مختار من الله.
تفسيرات أخرى، اتفقت مع "كابلان" ورأت أن الاختيار ليس التفرد عن العالم، ولكن هو دور لتعريف العالم بالله، وبعد تخفيف الفكرة أصبحت: العالم مدين لإسرائيل بفكرة الإله الواحد الذي هو البر والقداسة".
لكن لماذا تم اختيار اليهود؟ هل لأنهم من نسل إبراهيم؟، ولماذا إذن تم تكليف إبراهيم ونسله بمهمة تعريف العالم بالله؟ التوراة لم تفسر االسبب الحقيقي ولكن التفسيرات حاولت وضعت العديد من المقاربات.
ولكن اقرب تفسير كان ما ورد في سفر التثنية بأن الله اختار اليهود لأنهم قلة وضعاف وليس لأنهم أقوياء: "لم يختارك الله لأنك كبير، فأنت في الواقع أصغر الناس"، ويرى المفسرون، أن الاختيار وقع على اليهود لأنهم قلة وضعاف، فإن أي نجاح يمكن أن يحققوه في تعريف العالم بالله من المفترض أن ينعكس على قوة فكرة الله. لو كان اليهود أمة كبيرة بجيش متميز، لكانت نجاحاتهم في تعريف الله تعزى إلى قوتهم وليس إلى الله.
ومع ذلك فإن هذه العقيدة – شعب الله المختار- لم يدرجها موسى بن ميمون كأحد المبادئ الثلاثة عشر للإيمان اليهودي .
اليهودية والآخر
القانون اليهودي يميز بشكل صارخ بين اليهود وغير اليهود (الأغيار،. في الكتاب المقدس هناك شروح واضحة تهدف إلى الحفاظ على الفروق الاجتماعية والثقافية بين اليهود والأغيار، ففي سفر لاويين الله يأمر بني إسرائيل بعدم تقليد ممارسات المصريين والكنعانيين.
وفي التلمود، وضع الحاخامات قوانين تحكم العلاقات مع الأغيار، كتحريم بيع شيء لغير اليهودي. ويسرد التلمود عدد من الإجراءات السلبية نحو غير اليهود، كأن لا يتعين على المرء إعادة الشيء المفقود الخاص بغير اليهود، لأنه يُفترض أنه لن يعيد الشيء لليهودي، ولا يمكن لغير اليهود أن يكونوا شاهدًا في المحكمة لأنه من المفترض أنهم غير أمناء، وقوانين أخرى، مثل حظر تناول طعام الغير يهودي.
على مر العقود، رأت الحاخامية أن هذه المباديء لم تعد تناسب تطور العصر، وبدأوا بتخفيفها من أجل الحفاظ على علاقات إيجابية مع غير اليهود، أو من أجل تجنب ارتباط صفات سلبية باليهودية، ولكن لايزال المتدينيون اليهود يحافظون على تلك القوانين.
أما عن نظرة اليهود لغير اليهود، فتم تغييرها على مر القرون، ففي العصور الوسطى، كان هناك الكثير من المناقشات عن غير اليهود وكان تركز على ما إذا كانت المسيحية و الإسلام يتم النظر لهم كمثل النظر للوثنيين، وفي النهاية تم الاتفاق على وضع المسيحيين والمسلمين في رتبة مرتفعة، بينما الوثنيين في أدنى الرتب.
في دراسة للحاخام د. آلان بريل عن اليهودية والأديان الأخرى من منظور أرثوذكسي، جاء أن اليهود في عصر التنوير تغيرت وجهة نظرهم نحو المسيحيين، وأصبحوا أكثر إيجابية نحوهم.
وأضاف الحاخام في دراسته أن كثيرين أخطأوا في تفسير فكرة التفرد اليهودي، وفكرة :"نحن على حق وهم مخطئون"، بينما القراءة الصحيحة هي أن الأديان الأخرى ليست سوى أطراف في جذع اليهودية.
واتفقه مع الحاخام "يعقوب إمدن" وهو حاخام تقليدي وكاتب تلمودي في هامبورج الي أكد أنه يجب اعتبار المسيحيين والمسلمين أدوات لتحقيق النبوة بأن معرفة الله ستنتشر يومًا ما في جميع أنحاء الأرض. في حين أن الأمم التي سبقتهم كانت تعبد الأصنام ، وأنكرت وجود الله .
قال نبي اليهود إيليا: أدعو السماء والأرض لأشهد أن أي شخص - يهودي أو أممي، رجل أو امرأة ، عبد أو جارية - إذا كانت أعماله مستحقة ، فإن الروح الإلهي يسكنه".
واصبحت الآراء السائدة الآن في بعض التيارات اليهودية أن العقيدة والدين ليسا ثابتين بل يعكسان تفاعلًاً بشريًا بين الثقافة الزمنية والفلسفة والعلم، من ناحية، وفكرة الخلود من ناحية أخرى، ومن الضروري التسامح واحترام الاختلاف تمسكاً بالقول التلمودي أن "الصالحين من جميع الأمم لهم نصيب في العالم الذي سيأتي".