«يا حلو مين يشتريك».. «الدستور» داخل أقدم أسواق التمور بالقاهرة (فيديو)
"يا بلح لا تين ولا عنب زيك"، كلمات يتعالى صهيلها خلال شهر رمضان، يروج بها الباعة الجائلين لبيع التمر، الذي يعد من الأكثر رواجًا بين جميع الطبقات الاجتماعية، لكن لكل فئة نوعها المفضل الذي يتناسب سعره مع قدرتها المادية.
سوق الساحل بروض الفرج، أشهر أسواق التمر في العاصمة، إذ تتراكم فيه أطنان من التمر، يعلوها ورقة تعريفية بنوع البلح وشهرته وسعره، ويتوافد عليه الآلاف من المواطنين والباعة من مختلف المحافظات.
زارت "الدستور" سوق البلح في منطقة الساحل بحي روض الفرج التابع لمحافظة القاهرة؛ للوقوف على أغرب أنواع التمر، وأكثرها رواجًا، وقصص الباعة الجائلين الذي توطنوا شوارع السوق؛ لجني قوت يومهم.
• بائعو التمور: "الأنواع لا حصر لها وجنوب الصعيد هو الرائد في الزراعة والتصدير"
وليد شكري، 60 عامًا، يقطن سوق الساحل بروض الفرج مذ 15 عامًا طوال شهر رمضان، يأتي من قرية بني عديات، بمركز منفلوط، التابع لمحافظة أسيوط، مستقلًا قطار الصعيد- القاهرة، حاملًا بعض زكائب التمر المتنوع.
قال "وليد شكري"، إنه يأتي كل عام ليبيع التمور في السوق أملًا في جني أمولًا تكفي أسرته، معلقًا: "آتي إلى هنا كل عام لأجني الأموال في موسم الشهر الكريم، التي تأمن لي توفير مصاريف الأسرة لعدة أشهر قادمة".
تابع، أن أغلب ما يبيعه هو السكوتي، وبنتامودا بنديرا، وشامية، والكولمه ومنيكابي، والتي تعد من أكثر الأنواع رواجًا بين الطبقة المتوسطة، نظرًا لاعتدال سعرها، فيتراوح سعر الكيلو الواحد من 10 لـ40 جنيه، على حسب حجم التمرة وجودتها.
فيما قرر موسى شعبان، 70 عاما، صاحب أحد المحال التجارية للعطارة، تحويل تجارته خلال شهر رمضان لبيع جميع أنواع التمور، التي يجلبها سنويًا في شهر شعبان من أسوان، ليكون عرضها في منتصف الشهر، وحتى نهاية رمضان.
قال "موسى"، إن تجاره التمور مربحة في كل الأحوال، فحتى البضائع المتبقة من العام الماضي، يتم تبخيرها وتخزينها ليتم بيعها بسعر أقل في العام المقبل، معلقًا: "البلح لا يفسد، ولا تنتهي صلاحيته إذا خزن بطريقة صحيحة".
أضاف، أن المواطنين عادًة ما يرغبون في شراء التمور طوال العام؛ ما يجبره على توفير كمية مناسبة منه لطرحها في المحل خلال باقي الشهور، معلقًا: "التمر من أعظم الثمار التي خلقها الله وفوائدها العديدة تجعله رائجا طوال الوقت".
• "المجدول".. أغلى وأرقى الأنواع بسوق الساحل
"المجدول" اسم أطلق على نوع خاص من التمور، يختلف في مذاقه وشكله وحجمه؛ الأمر الذي يجعل سعره باهظًا عن الباقي، فيتراوح سعر الكيلو الواحد منه 140 جنيها.
ظهر "بلح المجدول" في دول الخليج بشكل عام، والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، إلا أن مصر سعت خلال السنوات القليلة الماضية إلى زراعته، وترويجه في الأسواق، وباتت أسوان وجنوب سيناء وجنوب الوادي، والواحات موطن زراعة التمر المجدوب في مصر.
في هذا السياق، قال أيمن محمد، بائع التمر المجدول بسوق الساحل، إن لهذا النوع من التمر فئة معينة تقبل عليه وتفضله، وأغلبهم من المصريين الذين عاشوا لفترة طويلة في دول الخليج أو من أصول بدوية، إلا أن الطبقة الشعبية لا تدرك أهميته.
"التمرة المجدولة تعادل مائة تمرة عادية"، كلمات وصف بها "أيمن" جودة البلح المجدول ومذاقه المميز والمختلف، مؤكدًا أن قيمة هذا النوع من التمور تفرض على الباعة طريقة معينة في العرض والبيع، إذ يتم تغليفه وسحب الهواء من داخل الكيس حتى لا تذبل.
أكد، أنه خلال السنوات القليلة الماضية تمكنت مصر من زراعة "المجدول" بنفس الجودة المطروح بها بالأسواق العالمية، كما تم تصديره خلال العام الجاري، معلقًا: "نزرع نفس شتلة النخل المتواجدة في الخارج، وباتت مصر تنافس دول المنبع كالمملكة العربية السعودية، والمغرب".
• من أقصى الصعيد للعاصمة.. رحلة تجار التمور في شهر رمضان
مع صباح الأول من رجب، تبدأ رحلة تجار التمور من محافظات بأقصى الصعيد للقاهرة، محددين وجهتهم إلى سوق الساحل بمنطقة روض الفرج، في محافظة القاهرة، حاملين بضائعهم، وأواعيهم، ليتدبروا حالهم حتى نهاية شهر رمضان.
"الرزق يحب الخفية"، كلمات دلفت على لسان منصور حسن، بائع التمر، الذي أرتحل من محافظة أسيوط برفقة أسرته الكبيرة؛ للعمل في تجارة التمور، مؤكدًا أنه يعمل بهذا المجال منذ 10 سنوات.
قال" منصور"، إن الأموال التي يجنيها خلال هذا الموسم، تمكنه من العيش لعام كامل في أمان اقتصادي له ولأسرته، معلقًا: "هذا العمل خاضه رجال الأسرة منذ 15 عامًا".
تابع، أن رجال الأسرة يأتون إلى القاهرة، حامين بعض النواشف وقطع الجبن القديمة والخبز المنزلي من أجل التوفير في نفقات العيش في العاصمة، معلقًا: "بنحاول نوفر على قد ما نقدر علشان نجمع أكبر قدر من الفلوس للأسرة".
وإلى جواره تحت سور كوبري الساحل، يرقد عصام محمود، ابن مدينة أسيوط، الذي استأجر أحد محال العطارة المتواجدة في السوق، لتخزين البضائع التي حملها على كاهله خلال رحلته، على أن يكون هذا المقر استراحة خاصة به، معلقًا: "بنام جنب الغلة لحد لما كل البضاعة تخلص".
أوضح، أن أكثر ما يؤرقه هو ابتعاده عن أسرته وابناءه، وروائح الطعام المنزلي الذي تتقنه زوجته، إلا أنه يشعر بهوان كل هذه الصعاب بمجرد أن تطأ قداماه منزله، ويبدأ في احتضان أطفاله وهو حاملًا بين يديه كل ما لذ وطاب لهم.
"القاهرة بلد الأحلام"، بهذه الكلمات وصف عصام محمود، 30 عاما، من أبناء محافظة أسوان، موضحًا أنه يأتي إلى سوق الساحل للتمور محملًا بعربة كبيرة تحوى كميات طائلة من البضائع؛ ليبيعها ويجني بها الأموال التي تمكنه من تجهيز منزل الزوجية.
وأشار، إلى أنه يجني خلال شهري شعبان ورمضان، ما يكفيه لجلب احتياجات منزله الجديد، ففي العام الماضي أخذ ما جمعه من أموال واشترى الشبكة وبعض الأثاث المنزلي، وهذا العام ينوي طلاءها.
أضاف، أن أكثر ما يؤرقه هو قله النوم، والتعب الدائم من أجل الحصول على لقمة العيش، لكنه يستريح لمدة شهر كامل بعد هذا الموسم ليعود للعمل مرة أخرى في مجال تقليم النخل.