من قلب المِحن.. تأتى المنح
لا شك أن ما شهدته البلاد، فى الأيام السابقة، من أحداث ووقائع متسارعة ومتشابكة من جنوح سفينة الحاويات فى قناة السويس إلى حادث قطار سوهاج إلى انهيار مبنى سكنى فى منطقة جسر السويس بالقاهرة وبعض الأحداث الأخرى- يثير العديد من التساؤلات والمخاوف لدى المواطن المصرى البسيط، بل ويثير القلق فى الأوساط المختلفة، خاصة فيما يتعلق بحادث سفينة الحاويات، وهو كما رأينا أحدث قلقًا عالميًا اهتمت به جميع دول العالم، بحسبان أن هناك نسبة كبيرة من حجم التجارة العالمية تمر من خلال قناة السويس المصرية.
وبغض النظر عما سوف تسفر عنه التحريات والتحقيقات فى جميع تلك الحوادث، فإن هناك العديد من النتائج التى يجب التوقف عندها ودراستها بعناية، لكى نتعامل معها مستقبلًا سواء بالعمل على تلافيها أو فى التعامل مع الإعلام الغربى، وأيضًا مع المواطن المصرى الذى من حقه أن يعرف حقائق الأمور، وأيضًا فى مواجهة أبواق المصريين المأجورين الهاربين فى الخارج، وكذلك تلك القنوات التى ركزت معظم برامجها على تصعيد ما يحدث على الساحة المصرية، كما لو كانت لم تقع من قبل فى أى دولة من دول العالم الأخرى.
بداية، يجب علينا جميعًا أن نحمد الله على ما تمر به بلادنا حاليًا من أزمات، حيث إن ذلك سوف يترتب عليه وضع السيناريوهات اللازمة لتلافى تكرارها مستقبلًا بقدر الإمكان.
وأقول هنا بقدر الإمكان، لأن هناك حوادث من الصعب تلافيها لكونها تأتى خارج جميع المعطيات والتوقعات، ويكفى هنا ما أشار إليه الفريق الهولندى الذى شارك فى أعمال تعويم السفينة الجانحة بأن هذا الحادث لم يتكرر منذ ١٨٠ عامًا، وأعتقد أن أنظار العالم كله لم تتوجه إلى مصر فى السابق مثلما اتجهت إليها خلال الأيام القليلة الماضية.
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة، أعتقد أن ذلك يشكل بُعدًا إيجابيًا بشكل أو بآخر سواء فيما يتعلق بالموقع الاستراتيجى للدولة المصرية أو أهمية قناة السويس، كما أن ما شاهده العالم على الهواء مباشرة من محاولات مخلصة من جانب العاملين بهيئة قناة السويس لإنهاء تلك الأزمة يؤكد أن لدينا من الخبرة والثقة ما يجعلنا نثمّن تلك الجهود وندعمها.
وهنا أيضًا أشير لذات الفريق الهولندى، المعروف عنه أنه يضم خيرة الخبراء فى مجال الشحن البحرى والسفن التجارية، أنه لم يكن ليقوم إلا بمثل ما قامت به السلطات المصرية فى هيئة قناة السويس، وأعتقد أن ذلك يمثل شهادة تقدير واحترام لتلك الجهود مرسلة إلى دول العالم المختلفة لبث الثقة فى القدرات المصرية على تجاوز تلك الأزمة بإذن الله.
أما على صعيد حادث قطار سوهاج.. فإننا يجب أن نتوقف قليلًا وألا نلقى اللوم على جهة معينة بذاتها، خاصة أن تحقيقات النيابة وتحريات أجهزة الأمن ما زالتا تعملان على مدار اليوم للكشف عن ملابسات وقوع هذا الحادث، وعما إذا كان متعمدًا أم نتيجة إهمال يصل إلى درجة التعمد، لكنه فى جميع الأحوال حدث نتيجة تدخل بشرى غير مسئول.
وهنا نشير إلى ذلك التلاحم الشعبى الذى يعلن دائمًا عن طبيعة هذا الشعب المعطاء وقت الشدائد والمحن، حيث سارع أبناء محافظة سوهاج والمحافظات المجاورة للمشاركة فى أعمال الإنقاذ والتبرع بدمائهم للمصابين الذين لا يعرفونهم أصلًا، ولكنها روح متوارثة فى جينات هذا الشعب كلما تعرضت بلادنا للمحن والأزمات والكوارث.أيضًا رأينا، ولأول مرة منذ سنوات بعيدة، وزيرًا يقدم اعتذاره لأبناء الشعب على وقوع ذلك الحادث، ويتعهد بالإسراع فى إحلال وتجديد خطوط السكك الحديدية التى ورثها متهالكة، والتى كانت سببًا فى استبعاد كل من تولى وزارة النقل، ولكنه هنا يعلنها صراحة أنه يواجه ما حدث بكل شجاعة، ولن يتهرب من مسئوليته لأن الهروب يعنى الخيانة خاصة فى تلك الأوقات العصيبة التى تمر بها البلاد حاليًا، وأنه على استعداد لتقديم استقالته إذا ثبت أنه مقصّر أو متكاسل فى الأمانة والمسئولية التى تحمّلها.
كما رأينا ذلك التحرك المسئول من الحكومة التى وجهت السادة الوزراء المعنيين ليشاركوا أبناء محافظة سوهاج فى مصابهم الأليم، سواء فى زيارة ذويهم بالمستشفيات أو بطمأنتهم على اهتمام الدولة بهم، وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بل وتأكيد سيادته أن الحادث لن يمر مرور الكرام، بل سوف تتم محاسبة كل من تسبب فيه بأى شكل من الأشكال بكل الشدة والحسم، وقد كان ذلك سببًا فى إحداث حالة من الهدوء النسبى والثقة بين أبناء المحافظة بأن حكومتهم معهم ورئيسهم يتابع الأحداث عن كثب.
وعن عقار جسر السويس.. فقد علمنا سبب انهياره، وأن هناك قرارًا بغلق المصنع الكائن أسفل العقار قد صدر منذ عدة أيام، ولكنه للأسف لم يتم تنفيذه بحسم، وهو الأمر الذى ترتب عليه وقوع الحادث.
وهنا أيضًا يجب أن أشير إلى ضرورة تفعيل دور المحليات والإسراع فى الانتهاء من دراسة قانون الإدارة المحلية حتى يمكن السيطرة على تلك المخالفات، خاصة على ضوء الصلاحيات الواجب أن يتمتع بها مَنْ سوف يتم اختيارهم أو انتخابهم فى المجالس المحلية، والتى من شأنها الحد من ظاهرة المخالفات الموجودة فى الأبنية المختلفة، وكذلك المخالفات الأخرى التى نشاهدها فى القرى والمراكز من تجريف الأراضى أو البناء المخالف وغيرها من تجاوزات من الممكن أن تحدث كوارث بسببها.
ولعل من أبرز الإيجابيات التى أحدثتها تلك الحوادث المؤسفة أنها أظهرت لنا ذلك الكم من الحقد والغل على النجاحات التى تحققها الدولة المصرية حاليًا، حيث شاهدنا تلك الفئة الضالة المضللة وهى تحاول أن تطفو على السطح مرة أخرى، مستغلة تلك الأحداث المأساوية لإظهار كم الشماتة لكى تعلن عن وجودها بعد أن لفظها الشعب المصرى الأصيل عندما اكتشف خيانتها لوطنها وعمالتها للدول والأجهزة التى تعمل معها.
ومن هنا كان يجب علينا أن نتأكد أن النفوس لن تصفو أبدًا، وأن الأحقاد مستمرة مهما تصافحت الأيادى ومهما توالت التصريحات التى تعلن عن الرغبة فى التهدئة والمصالحة، والتأكد من أنها تأتى فى إطار من الخديعة والكراهية وأنها ليست خالصة بالفعل للتقارب أو حتى للحياد مع الدولة المصرية.
ومن هنا، فإنه من اللازم والواجب علينا أن نتوخى الحذر والحيطة فى التعامل مع تلك الدول التى تحاول أن تحقق مصالحها فى المنطقة بوعود كاذبة، فما زالت قنواتها تبث سمومها، وما زال هدفها التأثير السلبى علينا سرًا وعلانية.
إنها مصر التى تعرضت وتتعرض وسوف تتعرض للمؤامرات بمختلف أشكالها وأنواعها بل ومن أقرب حلفائها، هذا قدرها، ولكنهم لا يعرفون أن الله، سبحانه وتعالى، قد جعل أهلها فى رباط إلى يوم الدين، وأنهم وقت المحن يقفون صفًا واحدًا خلف قيادتهم لدعمها وتأييدها والشد من أزرها مهما كانت المصاعب والظروف.
فهذا قدرنا وهذا شعبنا الأصيل، وتلك هى مصر الغالية التى أبى الله، سبحانه وتعالى، إلا أن يحقق لها فى كل محنة منحة تخرج بعدها أقوى وأعلى من أى أزمة قد تتعرض لها، وليست ثورة ٣٠ يونيو ببعيدة عن ذلك عندما خرج هذا الشعب العظيم ليعلن رفضه الفاشية الدينية وحكم عصابة الإخوان والإرهابية، لننعم بعدها بهذا الهدوء والاستقرار ولنبدأ مشوار التنمية والرخاء.
ولكن هل سوف يروق ذلك لأعدائنا ولهؤلاء المأجورين الهاربين خارج البلاد؟.
وتحيا مصر.