هؤلاء هم الإخوان «٢-٢»
رأينا فى الجزء السابق رأى «طه حسين» فى الإخوان، وكيف كادوا يشعلون حربًا أهلية فى البلاد فى عام ١٩٥٤، واليوم نتابع آراء المفكرين المصريين تجاه الإخوان فى هذا الكتاب الذى أُعيد نشره هذا العام.
من أهم الكُتّاب الذين شاركوا فى هذا الكتاب الأستاذ «محمد التابعى»، وربما لا يعلم الجيل الحاضر مَن هو «محمد التابعى»، والحق أن التابعى هو أحد أعلام الصحافة المصرية، ويُعَد الأب الروحى لأساتذة كبار فى هذا المجال مثل «حسنين هيكل» و«مصطفى أمين».
كتب التابعى عدة مقالات فى نقد الإخوان منها مقاله المهم «الضحايا والمساكين»، وفيه يستنكر بالقطع عمليات العنف والاغتيال التى قام بها الجهاز السرى للإخوان، لكن التابعى يشير إلى نقطة غاية فى الأهمية، وهى النظرة إلى شباب الإخوان المخدوعين، الذين أصبحوا أداة طيّعة فى يد قادتهم، وكيف يُدفَع هؤلاء إلى أعمال العنف: «شبان وفتيان فى مقتبل العمر تنقصهم التجربة وينقصهم الإدراك السوى والقدرة على وزن الأمور بميزانها الصحيح، شبان سُذّج آلات وأدوات سهلة طيّعة، تناولها زعماء الإخوان وقادتها وصاغوها فى القالب الذى أرادوه». هنا يلفت التابعى الانتباه إلى قضية مهمة وهى مسئولية الدولة والمجتمع الذى ترك هؤلاء الشباب ليسقطوا لقمة سائغة فى أيدى زعماء الإخوان، وكيف يتحول هؤلاء الشباب إلى أعمال العنف والإرهاب.
وبجرأة ونظرة ثاقبة وفى محاولة لغلق منابع الإرهاب يرى التابعى أن هؤلاء الشباب هم أيضًا ضحايا: «ليس الضحايا وحدهم هم الذين أُريقت دماؤهم ظلمًا وعدوانًا.. بل هناك كذلك الضحايا التى امتلأت نفوسهم سُمًا صبه فيها زعماء الإخوان ممزوجًا بآيات الكتاب الكريم!».
وهنا يفتح التابعى ملفًا مهمًا ومثيرًا وشديد الحساسية وهو الحوار مع شباب الإخوان، لأنهم من وجهة نظره «ضحايا».
وفى مقال آخر، وتحت عنوان ساخر «خيار وفقوس فى موازين الثورة»، يطرح التابعى تساؤلًا مهمًا حول موقف الدولة من الإخوان، وتأرجُح الموقف وتغيره من فترة إلى أخرى: «صحيح خصامكم مع جماعة الإخوان المسلمين؟ أم أنه مثل كل مرة سابقة، خصام أحباب سوف يعقبه عتاب، ثم تبادل الأحضان والقبلات!».
وهنا إشارة واضحة من التابعى إلى أن الحكومات السابقة لم تكن جادة فى التعامل مع الإخوان، وربما هذا يفسر عودة الإخوان بعد حل الجماعة على يد النقراشى، ثم تعاظم دورها فى الفترة من ١٩٥٢ وحتى ٥٤، ثم عودتها مرة أخرى فى عام ٦٥، ثم العودة الكبرى فى السبعينيات!
وفى الحقيقة يطرح التابعى أفكارًا مهمة بشأن التصدى للجماعة، سواء من خلال الاهتمام بالشباب حتى لا يسقطوا فريسة سهلة لأفكار الجماعة، ومواجهة فكرية لمنابع الإرهاب، ومن ناحية أخرى سياسة ثابتة وجادة تجاه الجماعة، حتى لا نعيد نفس السيناريو منذ الأربعينيات.