هؤلاء هم الإخوان «١-٢»
هؤلاء هم الإخوان.. عنوان مثير وجدته على غلاف أحد الكتب الجديدة، واكتشفت بعد قراءة الكتاب أن العنوان ليس بالجديد! فالكتاب فى حقيقة الأمر إعادة نشر لكتاب قديم صدر بعد حل جماعة الإخوان فى ١٩٥٤، وقامت هيئة الكتاب بالتعاون مع وزارة الأوقاف بإعادة نشره هذا العام ٢٠٢١، وخير ما فعلوا.
لكنى برؤية المؤرخ وجدتنى أتساءل: لماذا طرحنا هذا الأمر فى عام ١٩٥٤، ثم نعيد طرح نفس السؤال ونعيش نفس المعضلة، معضلة الإخوان، فى عام ٢٠٢١؟ لماذا أضعنا كل هذا الوقت منذ ١٩٥٤؟ ولماذا عدنا إلى طرح نفس السؤال فى عام ١٩٥٦، ونكرر نفس الخطأ فى سنوات السبعينيات ويُغتال أنور السادات فى عام ١٩٨١، ونعيد تكرار سيناريو الإخوان فى الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٣، لماذا لم ننجح فى مواجهة الإخوان طيلة هذه السنين الطوال، الأمر يحتاج إلى مراجعة مع النفس، لنكتشف أخطاءنا، ونتهم التاريخ.. على أى حال فالكتاب يجيبنا عن مكامن الأخطاء فى التعامل مع معضلة الإخوان.
وعودة إلى هذا الكتاب الفريد لنكتشف أنه تجميع لمجموعة مقالات كتبها فى عام ١٩٥٤ نخبة الفكر والصحافة آنذاك، وربما يأتى على رأس هؤلاء المفكر الكبير طه حسين الذى كتب عدة مقالات ردًا على أحداث ١٩٥٤، وتأييدًا لقرار حل الجماعة. يعنون طه حسين أحد مقالاته بعنوان مثير هو «رُخْصُ الحياة!!»، حيث يسخر بشدة من استسهال أعضاء الجماعة فى إصدار أوامر الاغتيال والعنف المسلح، وعدم احترام حرمة النفس التى عظمها الله، ويروى طه حسين أن جنازة مرت بالنبى- صلى الله عليه وسلم- وهو جالس فى أصحابه فقام لها وقام أصحابه لقيامه، ثم قيل له: إنها جنازة يهودى، فقال: أليست نفسًا؟! هكذا يوضح النبى حرمة النفس حتى غير المسلمة، ويعطينا درسًا فى تقديس الحياة واحترام الإنسانية.
ويشير طه حسين إلى صدمة مصر كلها جراء أحداث عنف الإخوان: «نحن نصبح ذات يوم فإذا الهول يتكشف لنا كأشنع ما يكون الهول، وإذا بعض المصريين يمكرون ببعض، وإذا الموت يريد أن يتسلط على مصر».
ويفند طه حسين إلباس الإرهاب ثوبًا إسلاميًا، ويرفض فتاوى القتل: «يقال إن حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يُحَرِّم شيئًا كما حرَّم القتل، ولم يأمر بشىء كما أمر بالتعاون على البر والتقوى، ولم ينهِ عن شىء كما نهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولم يرغب فى شىء كما رغب فى العدل والإحسان والبر».
وفى مقالة أخرى له اختار لها عنوان «فتنة»، يوضح طه حسين رؤيته لطبيعة الأحداث منذ عام ١٩٥٢ وحتى ١٩٥٤، حيث يرى أن العالم كان ينظر إلى مصر كيف سيكون حالها بعد ثورتها، وبعد سعيها إلى الاستقلال وعقد اتفاقية الجلاء عام ١٩٥٤، وهل ستسير مصر فى ركب الأمم الحديثة، إلا أن تطور الأحداث كاد أن يصل بالبلاد إلى ما أطلق عليه طه حسين «الحرب الداخلية بين المواطنين»، وهو مرادف لما نسميه الآن «الحرب الأهلية».
ويضع طه حسين تصورًا افتراضيًا عن حال مصر لو نجح الإخوان فى مسعاهم: «إنى لا أفكر فى الأعقاب التى تلم بهذا الوطن لو تم لهم ما دبروا، فلا أكاد أثبت للتفكير فيها، فقد كان أيسر هذه الأعقاب الحرب الداخلية بين المواطنين».
وينهى طه حسين مقالته بالدعاء لمصر والمصريين: «أتمنى على الله أن يُلقى المحبة فى قلوب المصريين، وأن ينزع ما فى صدورهم من غل، ويتيح لهم أن يعيشوا إخوانًا يتعاونون على البر والتقوى، ولا يتعاونون على الإثم والعدوان».
فى المقال المقبل نتابع مقالات وتعليقات محمد التابعى وعلى أمين وكامل الشناوى وجلال الحمامصى، وما أشبه الليلة بالبارحة!
ويفند طه حسين إلباس الإرهاب ثوبًا إسلاميًا، ويرفض فتاوى القتل: «يقال إن حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يُحَرِّم شيئًا كما حرَّم القتل