الحوار المجتمعى.. ضرورة واجبة
مرة أخرى ينحاز السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لمصلحة وظروف المواطن المصرى، ويطالب بإيقاف العمل بقانون الشهر العقارى المستحدث مؤقتًا، وأن يناقش البرلمان المصرى هذا القانون بما يتلاءم مع ظروف معيشة المواطنين من أجل دفع عجلة التنمية.
بطبيعة الحال فأنا هنا لن أناقش قانون الشهر العقارى، الذى قتل بحثًا فى جميع وسائل الإعلام ومن خلال العديد من المختصين والنواب وجميعهم أجمعوا على ضرورة إيجاد صيغة وأسلوب جديدين لتطبيق هذا القانون، مستهدفين فى ذلك التسهيل على المواطن فى تسجيل حقوقه العقارية، وفى الوقت ذاته الحفاظ على حق الدولة فى استكمال منظومة الشهر العقارى والدولة الرقمية، وكذلك حقها المشروع فى ذلك.
ولكن ما لفت نظرى بالفعل هو مدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا فى سرعة نقل نبض رجل الشارع لأصحاب القرار وإلى السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث كان مشروع هذا القانون محل بحث فى جميع المواد التى طرحت به من جميع أفراد المجتمع، سواء فى أسلوب التعامل مع مكاتب الشهر العقارى أو نسب التحصيل أو التعامل مع المحاكم المختصة وغيرها من إجراءات أعتقد أن الكثير من المثقفين أنفسهم لم يسمعوا عنها من قبل، ولم يعرفوا كيفية تنفيذها حال تطبيق القانون.
وقد واجه مجلس النواب تلك الانتقادات بشجاعة وتفهم واحترام لرغبة المواطن المصرى، وسارعت الأحزاب المختلفة، وكذلك تنسيقية شباب الأحزاب، فى إصدار البيانات التى تعلن انحيازها للمواطن المصرى فى المقام الأول، مراعين جميعًا فى ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد، ومحاولين رفع قدر من العبء عن كاهل أبناء وطنهم، بما يحقق لهم قدرًا من الاطمئنان، والتأكيد على تضامنهم معهم.. ومن هنا فإننى بالفعل قد وجدت تباينًا كبيرًا بين البرلمان الحالى فى أدائه المكثف وسرعة رد فعله وتفاعله مع الشارع، بالشكل الذى جعلنى أتفاءل إلى حد كبير بالمرحلة التشريعية الجديدة التى سوف يتصدى لها أعضاء البرلمان الحاليين خلال الفصل التشريعى الثانى من الحياة البرلمانية فى مصر.
لقد أصبح الدور الذى يقوم به النائب البرلمانى حاليًا لا يقل بأى حال من الأحوال عن دور أى جهاز تنفيذى أو إدارى فى الدولة.. بل قد لا أبالغ إذا قلت إن البرلمان المصرى الحالى قد أصبح هو حلقة الوصل الحقيقية بين المواطنين الذين انتخبوه وأجهزة الدولة المختلفة، ولم تعد مهمة النائب البرلمانى من السهولة بمكان، أو أن ذلك تحقق له وجاهة اجتماعية كان الآباء والأجداد يبحثون عنها فى السابق، حيث أصبح رجل الشارع حاليًا على قدر كبير من الثقافة والوعى والإدراك، الأمر الذى يجعله رقيبًا وحسيبًا على كل مشروع قرار تتم مناقشته فى البرلمان، خاصة إذا كان هذا القانون يتعلق بمصلحة مباشرة للمواطن المصرى، سواء فى عمله أو دخله أو حتى قضايا دولته، بل لقد أصبحت مناقشة هذه القوانين، التى تدور بين المواطنين، تتناقلها القنوات الفضائية الخارجية كمادة دسمة لطرحها على الرأى العام العالمى، فى محاولة لنقل صورة سلبية عن الداخل المصرى. ولا شك أن هناك العديد من مشروعات القوانين سوف تتم مناقشتها خلال الدورة الحالية للبرلمان، وهى من الموضوعات التى تمس بالفعل الدولة المصرية بصفة عامة والأسرة المصرية بصفة خاصة، ولعل أبرزها قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذى بدأت شبكات التواصل الاجتماعى تتحدث عنه بشكل سلبى يشير إلى تعارض بعض بنوده مع قواعد الشريعة الإسلامية، ثم يأتى بعد ذلك قانون العمل الذى يمس ملايين العاملين فى الدولة، وبالتالى يجب الأخذ فى الاعتبار أهمية وحساسية مناقشة هذا القانون، ولعل قانون المحليات أيضًا من ضمن القوانين المهمة التى سوف يناقشها البرلمان فى دورته الحالية، تخفيفًا عن كاهل السادة النواب الذين يقومون بأدوار مزدوجة، سواء فيما يتعلق بالمحليات أو الرقابة والمتابعة أو إصدار التشريعات والقوانين المختلفة.
يأتى هذا أيضًا فى نفس التوقيت الذى تتصدى فيه الدولة لمحاولات نشر الفتن والشائعات واستغلال نغمة انتهاك حقوق الإنسان فى مصر، وهى كما سبق أن أشرنا أصبحت من النغمات النشاز التى اعتدنا عليها مع تعاقب بعض الحكومات الأجنبية والأجهزة الاستخباراتية التى تحاول إحداث اهتزاز فى الكيان الداخلى للدولة، وأعتقد أن المواطن المصرى أصبح على وعى كامل بكل تلك المحاولات، التى أصبح صداها لا يتعدى مجرد تصريحات صحفية من هنا وهناك، تتحرك حسب إيجابية أو سلبية العلاقات بين تلك الدول وبعضها. وأعتقد أن كل لجنة نوعية من لجان البرلمان المصرى الحالى لديها من الموضوعات ما يجعلها كفيلة بالانشغال بها وبدراستها بكل دقة وتركيز، تحقيقًا لمصلحة الدولة والمواطن المصرى فى آن واحد.
ولعلنى هنا أصل إلى نافلة القول وإلى الهدف الذى أسعى دائمًا إلى تحقيقه من خلال لقائى مع حضراتكم فى معظم وسائل الإعلام ألا وهو «تفعيل الحوار المجتمعى»، لقد أصبح هذا التوجه هدفًا فى حد ذاته وليس سببًا، إن المجتمع المصرى أصبح كاشفًا لكل ما يحدث حوله، وهو يقدر بكل الاحترام والتفاؤل تلك الجهود المضيئة التى يقوم بها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى على جميع الأصعدة، ويعرف أيضًا أنه وبالرغم من تلك الظروف الاقتصادية القاسية التى تمر بها البلاد، فإن المبادرات التى يعلنها سيادته جميعها تصب فى مصلحة المواطن المصرى البسيط، ولكننى هنا أناشد أعضاء البرلمان المصرى الجديد- الذين أرى فيهم روحًا وثّابة وأمانة ومحاولات حقيقية لإحداث الفارق الإيجابى بين ما كان وما سوف يكون، بإذن الله، من تقدم ورقى وازدهار- بأن يكون هناك دور جديد لهم يتمثل فى ضرورة التهيئة الحقيقية للقوانين التى سوف تتم مناقشتها، والتى تتعلق بمصلحة هذا المواطن فى مختلف مناحى الحياة، وذلك لتفويت الفرصة على مؤججى الفتن ومروجى الشائعات، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى لسماع الرأى الآخر من المواطنين، لعل فى ذلك تكون هناك نتائج أو أفكار إيجابية تعطى زخمًا وواقعية للقوانين المزمع اتخاذها بشأنهم. أنا أعلم أن معظم نواب الشعب يحددون أيامًا محددة لعقد لقاءات خدمية مع ناخبيهم وأهل دوائرهم، فلماذا لا يكون هناك مثلًا لقاء شهريًا على مستوى المحافظات المختلفة يشارك فيها جميع نواب المحافظة، ومن الممكن الاستعانة بالخبراء والمختصين لمناقشة مثل هذه القوانين والأخذ برؤى الجانبين، تحقيقًا للصالح العام، فجميعنا يعمل لتحقيق هذا الصالح، ولا أعتقد أن هناك حزبًا يعمل ضد وطنه، بل الجميع يجب أن يتبارى لتحقيق صالح وأهداف الوطن. لقد أصبح الحوار المجتمعى المباشر، فى ظل ثورة الاتصالات الكبرى، ضرورة حتمية على أن يكون حوارًا مفتوحًا وواضحًا لا لبس فيه، وإنى على قناعة بمدى قبول الشعب للمشاركة فى ذلك، بعدما تأكد أن هناك قيادة سياسية