السادات.. الدعاة وصناعة التشدد فى مصر
يعتبر السادات من أبرز الشخصيات الخلافية فى تاريخ مصر المعاصر، فمن ناحية لا ينكر أحد دوره التاريخى كصاحب قرار العبور فى أكتوبر ١٩٧٣، هذا القرار الذى أعاد للأمة كرامتها بعد هزيمة ٦٧، لكن من ناحية أخرى هناك خلاف حاد حول خطوته نحو زيارة القدس واتفاقية كامب ديفيد، ومعاهدة السلام، ما بين مؤيد ومعارض، إلا أن هناك شبه إجماع على خطيئة السادات الكبرى واللعب بالنار.
عندما بدأ فى مطلع السبعينيات ضرب معارضيه من الشيوعيين والناصريين- لا سيما من طلاب الجامعات- من خلال عودة التيار الإسلامى من جديد، وهذه السياسة البراجماتية البحتة كانت نتيجتها فى نهاية الأمر اعتقالات سبتمبر الشهيرة فى عام ١٩٨١، ثم اغتيال السادات فى ٦ أكتوبر من العام نفسه على يد هذا التيار.
من الكتب الجديدة التى أولت اهتمامًا كبيرًا لهذه المسألة كتاب وائل لطفى الأخير «دعاة عصر السادات: كيف تمت صناعة التشدد فى مصر»، والعنوان فى حد ذاته ذو دلالة هامة، لا سيما أنه يصدر من واحد جعل مشروعه الفكرى وهمه دراسة «ظاهرة الدعاة»، سواء بشكلهم التقليدى ذى الخلفية الأزهرية، أو شكل «الدعاة الجدد» المتأثرين بظاهرة الواعظ البروتستانتى الأمريكى، وإن كان وائل لطفى عقد مقارنة مهمة ومثيرة بين أداء الشيخ الشعراوى، وأداء الواعظ الأمريكى الشهير بيلى جراهام، والسياسة الأمريكية آنذاك حول تقديم رجال الدين كنجوم تليفزيون من أجل محاربة الشيوعية.. وهو هنا يشير إلى ظاهرة «صناعة النجم الدينى»، التى تجلّت فى الشيخ الشعراوى من خلال التليفزيون، والشيخ كشك من خلال شرائط الكاسيت.
ومن النقاط المثيرة التى يطرحها الكتاب موقف الشيخ الشعراوى من الإخوان، يوضح الكتاب أن الشعراوى كان فى شبابه عضوًا فى جماعة الإخوان، لكنه خرج منها، ومع ذلك بقيت أفكاره أكثر ميلًا إلى فكر الجماعة، وعندما سأله البعض عن رأيه فى الجماعة وهو فى أواخر عمره، قال: «إن سبب فشل الإخوان عندما دخلت فى أذهانهم حكاية الحكم، ولو سكتوا لكان الحكم جاءهم.. كان الناس سيقولون مافيش أحسن من الإخوان يحكمونا»!
ومن النقاط المثيرة للجدل موقف الشعراوى المؤيد للسادات، ودعم الدولة له، لكن وائل لطفى يستند إلى دراسة لمستشرق هولندى وصل فيها إلى أن الشعراوى كان يبغض السادات فى أواخر أيامه.
يُلقى الكتاب أضواءً هامة على ظاهرة «دعاة عصر السادات»، فكيف ظن السادات أنه من خلالهم يستطيع تعويض غياب أيديولوجية واضحة للدولة فى زمنه، لذلك يتناول الكتاب أدوار عدد من الدعاة، مثل: الشيخ «كشك»، الذى يصفه بأنه «صوت الغضب الموجه»، وأنه كان ينقد حال المجتمع وأهل الفن وليس السادات- على الأقل حتى معاهدة السلام- والشيخ «عبدالحليم محمود» والذى يُطلق عليه «شيخ الأزهر الغامض»، والدور الذى لعبه فى محاربة الشيوعية وإحياء التيار الإسلامى، والشيخ «السيد سابق» صاحب الكتاب الشهير «فقه السنة»، لكن وائل لطفى يشير أيضًا إلى أنه مفتى الإخوان الذى أصدر فتوى اغتيال رئيس وزراء مصر «النقراشى».
كما يعالج الكتاب عودة الشيخ «الغزالى» إلى الأضواء من جديد مع عصر السادات، ودوره فى تشجيع نشأة الجماعات الإسلامية فى الجامعات المصرية، ويُنهى الكتاب بالشيخ «المحلاوى» وقصته الشهيرة عندما وصفه السادات فى خطابه الشهير فى سبتمبر ٨١ بأنه- أى «المحلاوى»- مرمى زى الكلب فى السجن!!
لقد لعب السادات بالنار عندما حاول ضرب اليسار بالتيار الإسلامى إلا أن النهاية كانت درامية، حيث أدرك السادات متأخرًا- كما يقول وائل لطفى- «أن الإخوان خدعوه فى الوقت الذى كانوا ينسقون فيه الجهود مع الجماعات الإسلامية ليوم معهود».