إيناس الدغيدى: الكبت سر آرائى الجريئة.. وحاولت الانتحار
تبقى المخرجة إيناس الدغيدي من بين أهم المخرجات في السينما المصرية، فتأسست على أيدي أستاذة كبار مثل صلاح أبو سيف وحسن الإمام، وتعمل في مجال السينما منذ أكثر من 35 عامًا وتعد أول مخرجة مصرية على مستوى الاحتراف، وهي السبب في وجود عناصر نسائية في مهنة الإخراج بعد ذلك، تميزت أعمالها بالجرأة وأرائها دائمًا مثيرة، مرت في حياتها بمحطات كثيرة إلى أن حققت ذاتها في السطور التالية تحكي لنا عن مغامراتها.
والدي مدرس دين ونشأت في حي شبرا لأسرة متوسطة
في حي شبرا ولدت إيناس الدغيدي لأب يعمل مدرس لغة عربية ودين وتعلمت في مدارس مصرية، الفكر والعقلية التي تمتلكهم إيناس الدغيدي هم نتاج نشأتها فتوضح ذلك: "هذه عقليتي والطبقة المتوسطة في مصر كانت تفكر بهذا الشكل قديمًا، ولكن الناس انقسمت نوعين الأول حدثت له ردة وجلسوا بجانب الحائط، والثاني استمروا في مسيرتهم الطبيعية ولم يخافوا وأنا منهم".
تعرضت لهجوم شديد في أكثر من مناسبة، فبخلاف أعمالها الجريئة كانت لها أراء مثيرة، وبالرغم من تعنيف الجمهور لها أكدت لنا: "لم أندم على أي رأي قدمته من قبل في أي وقت، حتى وقت الهجوم عليّ بشدة لأنني لا أتحدث من منظور الفرقعة الإعلامية، أنا أتحدث من منظور آخر مختلف عما يفكر فيه الناس في أي مشكلة، وما أقوله هي قناعتي الشخصية، ولكن هناك أراء خرجت مني ولم أقم بها وذلك لأنني خرجت من بيئة لم يسمح فيها بذلك، وما جعلني أبوح بكل ما بداخلي سابقًا لأنني كنت مكبوتة في صغري بطبيعة البيئة التي نشأت فيها، وعندما جاءتني الحرية والمقدرة في قول آرائي والدفاع عنها فعلت ذلك".
أثناء تواجدها من قبل في أحد البرامج طالبت بترخيص الدعارة في مصر، وبسبب هذا الرأي واجهت صدامًا عنيفًا مع الجميع، ولكنها وضحت لنا ذلك: "وقت تصريحاتي عن ترخيص الدعارة في مصر قولت أيضًا إن المجتمع المصري لن يقبلها، ولكن الإعلام يأخذ المقطع الذي يصنع الفرقعة، وكنت أقصد أن نحدد الدعارة ولا أقصد أن نفتحها، وهي حاليًا موجودة في كل العالم وفي مصر متواجدة من الأساس، فأقصد بدل من أنها متواجدة بشكل غير قانوني نرخصها وتصبح بشكل رسمي، وهذا الكلام من الناحية النظرية صح، ولكن من الناحية العملية والدينية يكاد يكون قرارًا خاطئًا"، كما كان لها رأي صادم برفض الحجاب تفسره حاليًا: "عندما قلت في أحد الأيام إنني لست مع الحجاب هوجمت بشدة، اليوم عدد كبير من النساء يخلعن الحجاب ويرون الأمر عاديًا والممثلات الذين كن محجبات تخلين عنه، ما يتواجد حاليًا ليس المجتمع المصري".
وعدت والداها بالابتعاد عن التمثيل وتسير على نصيحة صلاح أبو سيف
بدأت العمل بالسينما بعدما قررت امتهان الإخراج ودراسته في معهد السينما، حيث وعدت والداها بالابتعاد عن مهنة التمثيل، وحتى الآن تسير على ذلك الوعد، وكان أول عمل لها كمخرجة عام 1984 فى فيلم "عفوا أيها القانون".
وتتذكر إيناس أول أعمالها قائلة: "كان معي في العرض الخاص بالسينما الأساتذة الكبار صلاح أبو سيف وحسن الإمام وكمال الشيخ وهنري بركات، وبعد انتهاء الفيلم ذهب الجميع ليهنئوهم على وجود مخرجة مصرية جديدة له ثقل على الساحة الفنية المصرية، لأن قبل هذا الفيلم لم تكن هناك تجارب جادة لمخرجات، كانت مجرد محاولات غير حقيقية، ومن بعدي بدء تظهر مخرجات في السينما المصرية، وأنا أعتبر أن أي مخرجة تظهر وتقدم أعمال هي تكمله لمسيرتي الفنية".
وتوضح لماذا أشيع أنها عادت مساعدة مخرج بعدما قدمت أول تجاربها كمخرجة، حيث أكدت: "بعد الفيلم (عفوًا أيها القانون) اعتقد البعض أنني عدت مرة أخرى كمساعد مخرج مع الأستاذ صلاح أبو سيف في فيلم (البداية)، ولكن هذا غير صحيح فعملي مع صلاح أبو سيف في هذه التجربة كمساعدة كان قبل انتهاء تصوير فيلمي الأول كمخرجة وتأخر ظهور فيلم (البداية) وتم عرضه بعد فيلمي، وتحدثت وقتها مع الأستاذ صلاح أبو سيف أنني سأعمل معه لأن هناك عقد بيننا وهو رفض وقال لي وقتها: لن أقبل ـن تعودي مساعدة بعدما أصبحتي مخرجة حافظي على اسمك واجعلي مكانتك دائمًا كبيرة، ومن هنا أصبحت أمتلك أسلوبًا حافظت عليه طوال أعمالي وامتلك فكرًا لم أغيره نهائيًا وهو ما تعلمته من أعمال أستاذتي الكبار".
لكل أستاذ تلاميذ مثلما تتلمذ على يد أستاذة، وتحدثنا إيناس هنا عن تلاميذها: "أفخر أن شريف عرفة كان في أحد الأيام مساعدًا في أعمالي، وكانت بداية أول خطوة في عمله بالإخراج معي، رغم أن والده كان مخرجًا وحسن الإمام كان يداعبني قائلًا: جيبالي ابن مخرج عشان ياخد الشغل مني، ولكن حسن الإمام أحبه بشدة، كما أن علي رجب خرج من تحت يدي هو وتيمور سري، ولكن الثنائي توفوا رحمة الله عليهم، وهناك أشخاص آخرين ولكنهم مستمرين كمساعدين ليس لديهم رغبة في التقدم بالعمل كمخرجين خوفًا من أن يظل فترة طويلة بدون عمل".
المخرج كان رب العمل وحاليًا النجوم هم من يقوموا بعمل مونتاج أفلامهم
هناك فروق كثيرة بين العمل في السينما قديمًا مقارنة بالوقت الحالي، حيث كان المنتج إله العمل، والمخرج يأتي بعد منه، وتكشف إيناس سبب تغيير ذلك قائة: "المنتجون حاليًا ونجوم الجيل الحالي لا يريدون مخرجين يمتلكون شخصية، وشركات الإنتاج ترضي النجوم لأنهم يبيعون باسمهم، أما قديمًا المنتجون كانوا عكس ذلك، أتذكر جيدًا أن رمسيس نجيب كان إلهًا يأتي في نفس المستوى المخرج ومن خلال أعماله قدم نصف نجوم مصر في عصر االسينما الذهبي، قديمًا كان المخرجون يمنعون دخول النجوم غرفة المونتاج عكس اليوم النجم هو من يجلس لعمل مونتاج أفلامه، ولذلك ستجد النجوم حاليًا لا يستمرون كثيرًا".
عندما تشاهد الأعمال السينمائية في حقبة السبعينات والثمنياينات والتسعينات تعرف من خلال مشاهدتك اسم المخرج، لأن كل مخرج كان له هوية وطريقة وأسلوب، وتوضح إيناس الدغيدي ذلك قائلة: "يوسف شاهين أعماله مبهرة على مستوى الشكل والصورة، وعلاقاته الخارجية كانت قوية، لذلك أعماله حققت نجاحًا عالميًا، أما صلاح أبو سيف موضوعاته كلها من واقع المجتمع فوصل للناس بشكل كبير، وأغلب مخرجي السينما في عصرها الذهبي ستجد لهم شكلًا وأسلوبًا وطريقة، عكس الوقت الحالي، تجد أغلب الأعمال أكشن وهو نوع أعمال لن يعيش، لأن الأكشن مش طريقتنا ولا أسلوبنا ويقدم عالميًا أفضل منه، أما الأفلام التي تحمل قيمه فكرية هي التي تعيش وتخلد اسم صاحبها لدينا".
قدمت إيناس الدغيدي 16 عملًا سينمائيًا كمخرجة، من بين هذه الأعمال هناك مشهدين فقط تبكي عندما تتذكرهم أو تشاهدهم، وكشفت لنا عنهم: "مشهد اغتصاب البنت في فيلم (لحم رخيص) أمام والداتها يجعلني أبكي بشدة في كل مرة أشاهده، فيها شعرت وقت تصوير المشهد أنني مكان والداتها وفي كل مرة وهذا شيء بغير إرادتي، أما المشهد الآخر من فيلم (عفوا أيها القانون) نجلاء فتحي وهي تسلم ابنها لجده بعدما تم الحكم عليها بـ15 سنة".
سر التوقف.. فيلم العودة وموعد الاعتزال
تغيب إيناس الدغيدي عن تقديم أعمال سينمائية جديدة منذ عدة سنوات، ولكن هذا كلام على ورق من وجهة نظرها، فهي لا ترى ذلك، حيث تقول: "أنا لا اعتبر نفسي متوقفة ولم يتملكني هذا الشعور بالتوقف عن ممارسة عملي، لأن السينما أخدت طريقًا آخر مختلفًا، وشكلًا جديدًا، وليست هذه السينما التي نريدها، وإذا نظرت من حولك ستجد المخرجين المهمين متوقفين، فأين داوود عبدالسيد وغيره، وعندما ذهب يسري نصرالله للعمل مع السبكي هل توافق الثنائي؟ قطعًا لم يحدث ذلك، لم يقدم يسري فيلمًا يحمل وجهات نظره كما عودنا، ولم يقدم فيلمًا مثل أعمال السبكي وهذه وجهة نظري مع احترامي لوجهة نظر يسري ذات نفسه، لكن تركيبة يسري نصر الله والسبكي لم تنجح لأن عقلية المنتج اختلفت عن الماضي وضياع دور المخرج الحقيقي هو سبب ضياع السينما".
وتتحدث إيناس الدغيدي عن تجربتها السينمائية التي تريد تقديمها وتسعى لها منذ سنوات عديدة ولكن لم يأذن لها بتقديمها حتى الآن وكشفتها لنا قائلة: "لدي تجربة سينمائية أتمني تقديمها وهي تناقش زنا المحارم أحارب عليه منذ 6 سنوات وهي ليست قضية شرقية، أنما قضية بشر متواجدة في العالم أجمع، وحاليا الأمم المتحدة تناقش هذه القضية وتريد أخذ قوانين دولية بخصوصها، وأنا أناقش الفتيات اللاتى تعرضن لذلك، كيف يواجهن المجتمع بعد ذلك، أنا أحصل حاليًا على مناقشات الأمم المتحدة في هذه القضية؛ لمعرفة تطوراتها طوال الوقت، والفيلم لازال في الرقابة، وتحدثت مع خالد عبدالجليل أكثر من مرة ولكن لا جديد، وسأقدم بطلات جداد بجانب فنانين حاليين كضيوف شرف، ولن أقدر على إنتاجه لأنني خسرت في العملين اللذين قدمتهما من قبل كمنتجة بسبب التوزيع".
إيناس الدغيدي من بين مخرجات أو فنانين قلائل يحددون موعد توقفهم عن العمل أو خروجهم على سن المعاش، حيث تقول: "قدمت 16 فيلمًا في مسيرتي الفنية حتى الآن وأنا سأعتزل بعد فيلمي الـ20، وذلك يتبقى لي ثلاثة أعمال سينمائية، والفيلم الرابع الذي سأختم به مسيرتي سيكون قصة حياتي، وهي تحمل العديد الأحداث والتجارب الهامة، ولن أخفي شيئًا فيها، ولكني لن أذكر أسماء بعض الأشخاص لعدم أهميتهم، فمثلًا أنا حاولت الانتحار من قبل في مرحلة من عمري وأنا صغيرة بسبب حبي الشديد لأحد الأشخاص فلا يوجد داعٍ لذكر اسمه".