البرلمان وحقوق الإنسان
فى لقاءات سابقة تحدثنا كثيرًا عن ملف حقوق الإنسان، وأشرنا إلى أن هذا الملف سيكون من ضمن أوراق الضغط التى سوف تُمارس على مصرنا الغالية فى أعقاب تولى الرئيس الأمريكى جون بايدن مقاليد الحكم هناك، وذلك من منطلق تعهداته التى أطلقها إبان حملته الانتخابية، والتى تلقفتها منظمات حقوق الإنسان التى تعمل لصالح جهات ودول تعادى الدولة المصرية، كما تلقفها التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية وراح يغازل الرئيس المنتخب بعبارات التأييد والتمجيد ويدعوه لمؤازرته، باعتباره فصيلًا سياسيًا معارضًا للنظام فى مصر وليس كجماعة إرهابية.
وقد سارع بعض قيادات الجماعة لاكتساب هذا التعاطف مستندين إلى أن الحزب الديمقراطى الأمريكى، الذى ينتمى إليه الرئيس الجديد، سبق أن أظهر تأييدًا لتلك الجماعة أوصلتها إلى سدة الحكم فى مصر، مستغلين فى ذلك حالة السيولة الأمنية التى شهدتها البلاد خلال الفترة من ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى ما بعدها، ولولا يقظة الشعب المصرى ووعيه لاستمر حكم الإخوان وتعرضت الدولة لمخطط التقسيم الذى كان مرسومًا لها من قبل الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت.. كما كان أيضًا إسراع قيادات تلك الجماعة فى تأييد الحكم الأمريكى الجديد نتيجة لذلك القرار الذى أصدرته الخارجية الأمريكية فى ١٥ يناير الماضى بإدراج «حركة سواعد مصر»، المعروفة باسم «حسم»، على قوائم الإرهاب، وهى تلك الحركة التى تعتبر الذراع العسكرية لجماعة الإخوان فى مصر، وقامت بإدراج قيادات تلك الحركة، ومن بينهم يحيى السيد إبراهيم موسى وعلاء على على محمد السماحى، على لائحة الإرهابيين الدوليين، وهو الأمر الذى أزعج قيادات الجماعة وجعلهم فى حالة حراك مستمر وسريع للتواصل مع مؤسسات صنع القرار الأمريكى تحسبًا من نجاح مساعى الدولة المصرية والمنظمات الحقوقية الوطنية فى إقناع الرأى العام العالمى بأن جماعة الإخوان تعتبر تنظيمًا إرهابيًا دوليًا ينتهج أيديولوجية العنف والتطرف، ويغذى بها كل المنظمات الإرهابية، التى تنشر الخراب والإرهاب فى الشرق الأوسط، بل وفى دول العالم المختلفة.
ولعلنا نسمع ونرى حاليًا أن بعض الأصوات الأمريكية، وكذلك بعض الدول الأوروبية، قد بدأت تنادى بالإفراج عن المعتقلين فى السجون المصرية بغض النظر عن أن ذلك يأتى بناء على أحكام قضائية نهائية رُوعى فيها تطبيق كل مراحل التقاضى العادل قبل إصدار هذه الأحكام، ولكن إن دل هذا على شىء فإنه يدل على أننا فى بدايات مرحلة جديدة من مراحل التحديات التى سوف تواجه الدولة المصرية، بعدما نجحنا إلى حد كبير فى تقويض الإرهاب المسلح والقضاء على تلك العمليات الغادرة التى يقوم بها بعض عناصر التنظيمات التكفيرية المسلحة بين الحين والآخر.. كما نجحت إلى حد كبير حملات التوعية الثقافية والفكرية التى تقوم بها الجهات المعنية والوزارات المختلفة وكذلك وسائل الإعلام فى التأكيد على نجاح السياسة المصرية الحالية فى تحقيق النماء والاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى، وأيضًا فى كشف حقيقة ذلك التنظيم الإرهابى والدول والأجهزة التى تدعمه بكل وسائل الدعم المادية واللوجستية والإعلامية.. وبالرغم من ذلك فما زلنا نحذر من اللجوء إلى هذا الملف بحسبانه الوسيلة الوحيدة حاليًا لجماعة الإخوان والعناصر الإثارية الأخرى لتحقيق أى وجود سياسى أو اجتماعى داخل البلاد.
وهنا نشير إلى ذلك التأييد الذى أعلنه بعض أعضاء الكونجرس الأمريكى من دعم الإخوان المسلمين كفصيل سياسى فى الشرق الأوسط، بل وتأييد ذلك الائتلاف الذى دعا إليه بعض الهاربين خارج البلاد، أمثال أيمن نور وقيادات أخرى، لتشكيل كيان معارض لنظام الحكم فى مصر، وكذلك تشكيل لجنة لمتابعة أوضاع حقوق الإنسان فى مصر فى تدخل سافر وغير مقبول فى الشأن المصرى، وجميع الشواهد حاليًا تشير إلى أن ثمة تحركات عدائية بائسة تقودها جماعة الإخوان عبر رجالها فى الكونجرس، من خلال ملفات ملفقة وتقارير مغلوطة حول أوضاع حقوق الإنسان فى مصر.
يأتى هذا فى الوقت الذى تحرص فيه مصر على التعاون مع الآليات الحقوقية الأممية، حيث استجابت لمعظم التوصيات التى وُجهت إليها خلال آلية الاستعراض الدورى الشامل التابع لمجلس حقوق الإنسان الدولى، ولكنها فى ذات الوقت تعلن صراحة عن رفضها تسييس حقوق الإنسان وتحويلها لمادة للتجاذب السياسى تبعد مبادئ تلك الحقوق عن مقاصدها وأهدافها.
نتحدث اليوم عن سلاح جديد يجب أن تواجه به الدولة المصرية تلك الادعاءات التى من المتوقع أن تتزايد، خلال الفترة المقبلة، حول ملف حقوق الإنسان، ألا وهو «لجنة حقوق الإنسان»، وهى إحدى اللجان الفرعية للبرلمان المصرى، الذى بدأ أعماله منذ عدة أيام، وجميعنا يشهد أنها كانت بداية موفقة نتمنى أن تستمر طوال فترة هذا الاستحقاق البرلمانى الجديد.
وعلى ضوء تلك المعطيات المشار إليها، فإننى أعتقد أن تلك اللجنة سوف تكون هى الأهم فى الفصل التشريعى الثانى لهذا البرلمان، لأنها سوف تواجه العام الأول للإدارة الأمريكية الجديدة، حيث من المتوقع أن يكون هذا الملف من ضمن أولويات الرئيس الأمريكى المنتخب، كما وعد بذلك فى حملته الانتخابية.. وبطبيعة الحال فإنه ليس من المنطقى أن يكون جميع أعضاء تلك اللجنة على ذات الكفاءة أو القدرة على مواجهة الادعاءات الزائفة التى يروجها أعداء الوطن حول هذا الملف، كما أن إجادة اللغات الأجنبية لبعض الأعضاء قد لا تكون على درجة كافية من الإلمام الذى يترتب عليه توصيل الرسالة الصحيحة لهذا العالم بشكل مفهوم.. ولكنه من المؤكد أن جميع أعضاء اللجنة، بل وأعضاء البرلمان، على دراية كاملة بأهمية الدور المنوط بهم والمسئولية الملقاة على عاتقهم، وأنه ليس من العيب الاستعانة بكبار أساتذة الجامعات المتخصصين فى هذا الملف؛ للمشاركة فى وضع الأسلوب الأمثل لمواجهة أى محاولات للمساس بالسياسة الداخلية للبلاد تحت ذريعة حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تفعيل التنسيق مع تلك الإدارة الجديدة التى تم استحداثها بوزارة الخارجية، وكذلك المجلس القومى لحقوق الإنسان، للتعاون المثمر والبناء فى هذا المجال.
وللمرة الثانية، فإننى أنوه إلى ضرورة الاستعداد لاجتماعات المجلس الدولى لحقوق الإنسان المزمع عقده فى سويسرا، خلال شهر مارس المقبل، والذى سوف يتناول ما جاء فى بيان البرلمان الأوروبى الأخير، بالإضافة إلى مراجعة باقى التوصيات التى طلب من الجانب المصرى العام الماضى تلافيها أو التعامل معها بشكل أكثر إيجابية.
تلك هى الرسالة التى أوجهها لأعضاء البرلمان المصرى بصفة عامة، وأعضاء لجنة حقوق الإنسان بصفة خاصة، وكذلك لكل الجهات المعنية بهذا الملف خلال الفترة المقبلة، لمواجهة أى تداعيات أو إسقاطات قد يستفيد منها أو يستثمرها أعداء الوطن.
وتحيا مصر.