وعلى أرض مصر السلام وبالناس المسرة
تحتفل مصر كلها- مسلمين وأقباطًا- بعيد الميلاد المجيد، عيد ميلاد السيد المسيح، عيد المحبة، وحسنًا فعلت الدولة المصرية عندما جعلت السابع من يناير عيدًا مصريًا وعطلة قومية، تأكيدًا لمعانى القومية، ومكانة مصر فى المسيحية. فهى البلد الذى لجأت إليه العائلة المقدسة هربًا من الاضطهاد، وما زال مسار العائلة المقدسة من المزارات الدينية والسياحية المهمة فى مصر حتى الآن.
أحدثكم عن مصر مهد الأديان، هل هى صدفة أن ينشأ النبى موسى على أرضها، ويرتوى من مياه النيل، ويتعلم من كهنتها الحكمة؟ هل نتذكر قصة الخروج وأحداثها التى تدور على أرض مصر؟ ما أروع قصة التجلِّى الإلهى لموسى على أرض الفيروز، سيناء الحبيبة التى رويت بدماء الشهداء على مر التاريخ دفاعًا عن مصريتها.
يحدثنا التاريخ كيف دخلت المسيحية إلى إفريقيا عن طريق مصر، نعم فالكرازة المرقسية هى كنيسة عموم إفريقيا، لذلك كانت كنيسة الإسكندرية- الكنيسة القبطية- هى الكنيسة الأم والراعية لكنائس إفريقيا. ربما لا يعلم البعض ارتباط الكنيسة الإثيوبية «الحبشية» بالكنيسة المصرية، والنفوذ الروحى للبابا القبطى ليس فقط على الكنيسة الإثيوبية، بل على إمبراطور إثيوبيا نفسه، وكان أهل إثيوبيا يطلبون من البابا القبطى إرسال مطران قبطى إلى بلادهم ليعطيهم البركة ويشرف على الشئون الدينية، بل ويكون مرجعًا روحيًا للإمبراطور. وكثيرًا ما تدخلت الكنيسة القبطية بنفوذها الروحى لحل المشاكل السياسية التى نشبت بين مصر وإثيوبيا، لكن الغرب لم يرضَ عن هذه العلاقة الوثيقة، وتدخل كثيرًا لكسر هذا الترابط بين مصر وإثيوبيا.
هل أحدثكم عن هدية مصر إلى العالم المسيحى كله، أى نظام الرهبنة، نعم تؤكد كل المراجع التاريخية على خروج الرهبنة من مصر وانتشارها فى جميع أنحاء العالم، والدور المهم الذى تلعبه الرهبنة فى تاريخ المسيحية حتى الآن.
ولنتذكر جميعًا الدرس المهم الذى قدمته مصر إلى العالم كله فى أثناء ثورة ١٩١٩، درس المواطنة الحقة، ووحدة الهلال مع الصليب، ذُهِلَ العالم الغربى مع نشر صور مظاهرات الثورة فى مصر وعلى رأس هذه المظاهرات رجال دين أقباط يضحون بحياتهم من أجل استقلال مصر، لذلك أصبح «القمص سرجيوس» بحق خطيب ثورة ١٩، واعتقلته السلطات البريطانية هو ورفيقه فى المظاهرات الشيخ «مصطفى القاياتى» وتم نفيهما إلى معتقل رفح.
وقدم الشاب «عريان يوسف سعد» طالب الطب درسًا فى الوطنية، حيث تعهد باغتيال «يوسف وهبة باشا» عميل الإنجليز، حتى لا يقوم بذلك شاب مسلم فتُشعل بريطانيا نيران الفتنة الطائفية، وقال «عريان»: أنا فداء للوطن.
هل نتذكر «مكرم عبيد» الفارس الذهبى للحركة الوطنية، كما وصفه الكاتب الكبير «أحمد بهاء الدين»، «مكرم عبيد» القبطى الذى وُصِفَ بأنه قارئ حافظ للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، بجانب حفظه التوراة والإنجيل، مستشهدًا بكل ذلك فى خطبه الوطنية