«حكاية طبيب».. سيد حسن: محاربة فيروس كورونا واجب ديني ووطني
-تعرضت للإصابة بعد خروجي من مستشفى العزل
-رأيت جيراني فخورين بي لعملي في العزل
-ضيق تنفس كبار السن أكثر ما آلمني
لم يتردد الطبيب لحظة واحدة فى تلبية نداء الواجب.. كان جاهزًا ليقف صامدًا كجبال شامخة تُداعب ناظريه في قريته عرب مطير أسيوط.. جهّز الشاب حقيبته للحاق بركب الأبطال المُسافرين لمحاربة فيروس كورونا المستجد، في مستشفى حميات العباسية بالقاهرة.. مهمة رأها وطنية دينية، وفرض على بني البشر أن يستخدموا العلم الذي نهلوه على أيدي غيرهم، لينفعوا به آخرين يحتاجون له.
كانت الكثير من الأفكار تدور في عقل سيد حسن، أخصائي الباطنة بمركز الحضري بالدراسة، كلها تؤدي إلى طريق واحد في خدمة الوطن والإنسانية، معها كانت خُطاه تتسارع نحو المهمة السامية لإنقاذ بني وطنه من عدو لا دواء له.. رؤية عشرات الشهداء من الطواقم الطبية للجيش الأبيض المصري، يتساقطون جراء إصابتهم بالعدوى أثناء عملهم، لم يُثنِ الطبيب عن مهمته؛ وربما كانت حافزًا له من أجل استمرار المسير في طريقه نحو مهمته الإنسانية التي حلُم منذ صِغره بأن يكون واحدًا من هؤلاء الذي يُقفون على جبهة الخطر من أجل إزاحة المخاطر عن بني البشر من آلام الجسد.. أيقن الطبيب المقيم بمنطقة شبرا الخيمة في القليوبية، أن هذا الوقت هو أكثر أوقات العطاء والتضحية قد يمنحها الطبيب لبني البشر في وقت كان الوباء يتوغل في بقاع العالم حاصدًا آرواح الآلاف يوميًا، دون أن يتمكن العلماء من اللحاق به وإنهاء مسيرته بترياق يُجدي نفعًا.
"الدستور" حاورت "حسن"؛ لتغوص معه في كواليس الحكاية لأحد مناضلي الجيش الأبيض المصري.
** متى أُبلغت بالإنضمام لكتيبة الأطباء المحاربين لفيروس كورونا المستجد؟
بدأت مهمتي حينما وصلني تكليف بمأمورية عمل في مستشفى حميات العباسيةبالقاهرة في بداية اكتشاف حالات فيروس كورونا المستجد في مصر؛ مطلع شهر مارس الماضي، ومعها كنت أفكر في أن مصر تحتاجني بشدة في هذا الوقت.. كانتفكيري في الجانب الوطني والديني كفيلًا بأن يمنع أي أفكار أخرى في التسلل لي؛ ففي هذاالوقت العصيب لا يجب عليك كطبيب أن تجلس في منزلك وتُغلق الباب على نفسك، لأن الفيروس (كورونا) قد يأتيك في بيتك أيضًا.. وهو ما حدث معي بالفعل.. لم أُصاب داخل مستشفى العزل طول فترة عملي التي بدأت من منتصف مارس حتى إبريل، وأُصبت بعد عودتي، ونقلت العدوى لعدد من أفراد أسرتي.. لكن الحمد لله جميعنا تماثل للشفاء بعد هذه الأزمة.
أريد من هذا أن أقول إن بقائي في المنزل وعدم الانضمام للجيش الأبيض المصري في مهامه داخل مستشفيات العزل، لم يكن ليُنجيني من الإصابة بالفيروس، وما حدث معي كان دليلًا على ذلك.. لم تأتِ ليّ الإصابة وأنا في وسط المٌصابين بالمستشفى، وانتقلت العدوى بعد انتهاء مهمتي وعودتي لمنزلي.
وكيف واجهت مخاوف أسرتك قبل ذهابك لمهمتك؟
بالطبع كانت هُناك مخاوف عليّ من جانب أسرتي وزملائي وجيراني؛ لكنني رأيت أيضًا دعوات الناس ليّ، أحدثت فارق كبير معي، وأعانتني على الاستمرار في مهمتي، وأعانني الله وأديتها؛ وأشعر بالرضا لما قومت به خلال فترة عملي داخل مستشفى العزل الطبي في حميات العباسية.
حدثنا عن فترة وجودك داخل المستشفى.. وأهم المشاهد هُناك؟
في البداية كان تواصلي مع أسرتي يقتصر فقط على أوقات الراحة؛ عبر الهاتف؛ وكانوا في حالة قلق عليّ، يتزامن مع مخاوفي أيضًا عليهم.. أما بالنسبة للمستشفى، فوجدت تعاونًا كبيرًا من الطاقم الطبي هناك، من الأطباء والممرضين وحتى المرضى أنفسهم، لكن الأكثر تأثيرًا هي مخاوف المصابين، وكنا نحاول دائمًا طمأنتهم، فأغلبهم يكون في حالة فزع وخوف، وأذكر أن المرضى كانوا من مختلف فئات المجتمع.. وكنت أشاهد سعادة كبيرة حينما يعرف أحدهم أن حالتهم "سلبية"؛ والفيروس ليس موجودًا بجسده.
ما أصعب المواقف التي قابلتك داخل المستشفى؟
من المؤلم أن أُشاهد شخص غير قادر على التنفس، خاصة كبار السن ومرضى السكري.. هؤلاء يكون التحسن بالنسبة لهم من فيروس كورونا بطئ، وحالتهم النفسية لا تكون جيدة بسبب ابتعادهم عن أسرهم وعدم وجود تواصل معهم، إضافة لحالة الملل والخوف والهلع التي تُسيطر عليهم.. هذا يجعل الأمر أكثر صعوبة عليهم أثناء فترة العلاج، وقد يؤخر من تعافيهم.
كيف كان شعورك بعد انتهاء مهمتك داخل مستشفى العزل؟
شعور بالرضى عن النفس، وأنك طوعت العلم الذي تعلمته من أجل خدمة الناس.. أنك أديت مهمتك أمام الله.. سعادة لا توصف بأن تُصبح سببًا في الخير للناس، وهذا الشعور تُلامسه كثيرًا بين أهل منطقتك، من مشاعر الاحترام والود لأنك من بين مُحاربي هذا الفيروس؛ والحمد لله أننا أصبحنا الآن على مقربة من الانتهاء منه، وتسجيل صفر كورونا، بعد أن كانت ذروة كورونا في مصر الشهر الماضي.