الإخوان وحقوق الإنسان
لم أفاجأ بما جاء فى مشروع القرار الذى تبناه البرلمان الأوروبى، الأسبوع الماضى، حول وضع حقوق الإنسان فى مصر، بل إننى كنت أتوقع تحديدًا بعض البنود التى جاءت به من بين الـ١٩ بندًا، خاصة تلك المتعلقة بأوضاع السجناء المحتجزين فى السجون المصرية من عناصر بعض المنظمات الممولة من الخارج، والمطالبة بالإفراج الفورى وغير المشروط عنهم.. وإعراب البرلمان عن قلقه إزاء مصير السجناء الموجودين فى أماكن مزدحمة، كما ورد فى التقرير على غير الحقيقة، داعيًا السلطات إلى تخفيف الازدحام خوفًا عليهم من تفشى جائحة كورونا.
كذلك كنت أتوقع أيضًا إثارة موضوع وفاة الطالب الإيطالى «ريجينى» الذى لقى مصرعه فى ظروف غامضة فى مصر ٢٠١٦، والمطالبة بدعم مطالب أسرته والكشف عن هوية قاتليه، كما لو كانت السلطات المصرية التى تعاملت مع هذا الملف بكل وضوح وشفافية تخفى حقيقة مقتله. والواقع أننى كنت أتمنى من المصريين الشرفاء العاملين فى مجال حقوق الإنسان توقع صدور مثل هذا القرار وتلك البنود، ومحاولة العمل على إجهاضه أو تغييره أو تجميده قبل إصداره، خاصة أن لدينا من المعطيات الحقيقية والموضوعية والمنطقية ما يدحض معظم ما جاء فى بنود هذا القرار. كذلك أيضًا كنت أتمنى عدم الاكتفاء بتلك البيانات التى صدرت من العديد من المجالس والأحزاب والهيئات والشخصيات العامة، والتى أعلنت رفضها واستنكارها ما جاء فى القرار من منطلق أنه يتضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع والداخل المصرى، وأنه يعبّر عن أهداف مسيسة ونهج غير متوازن، والنأى به عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية أو انتخابية، حيث انحصر معظمها فى توجيه تلك الاتهامات للبرلمان الأوروبى دون التعرض لمضمون ما جاء فى تقريره أو تفنيد مضمونه. لم تكن أيدى أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بعيدة بشكل أو بآخر عما جاء فى هذا البيان، خاصة فيما يتعلق بأوضاع هؤلاء المحتجزين فى السجون المصرية بناء على أحكام قضائية، وهم من سبق أن طالبوا بالإفراج عن سجنائهم خوفًا عليهم من الإصابة بفيروس كورونا، ومن الواضح أن تصريحات الرئيس الأمريكى المنتخب قد أوحت لهؤلاء بإمكانية عودتهم مرة أخرى للحياة السياسية، وأن تلك الجماعة من الممكن أن تشكل ورقة ضغط على الدولة المصرية لإعادة تصديرها مرة أخرى على ساحة الأحداث، وهو الأمر الذى أصبح من المستحيل حدوثه، خاصة بعد نجاح مصر فى محاربة الإرهاب وأظهرت للعالم حقيقة جماعة الإخوان الإرهابية. أما بالنسبة للعناصر الموقوفين بغرض إتمام التحقيق معهم لتشكيلهم كيانًا غير رسمى يطلق عليه «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، والذين تم تحديد أسمائهم فى بيان البرلمان الأوروبى- فلا شك أن هذا يأتى فى أعقاب كشف أجهزة الأمن المصرية عن اجتماع عدد من السفراء الأجانب معهم لبحث أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، كورقة ضغط أخرى على الدولة المصرية بعد سقوط أو ضعف ورقة جماعة الإخوان وداعش وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، التى أصبحت أدوات محروقة، خاصة أن ملف حقوق الإنسان فضفاض ويصلح الحديث عنه فى كل زمان ومكان.
ثم نأتى إلى قضية مقتل ريجينى، والتى أصبحت حاليًا إحدى أوراق الضغط السياسية فى يد الحكومة الإيطالية للضغط بها على مصر لتحقيق مكاسب سياسية تدعم موقفها فى الملف الليبى، والجديد هنا هو تصعيد هذا الملف إلى البرلمان الأوروبى فى إطار الاستمرار فى ممارسة هذا الضغط، وذلك بعد النجاح الذى حققته زيارة السيد الرئيس الأخيرة إلى فرنسا، والتنسيق معها فى العديد من الملفات، خاصة الملف الليبى، وهو ما يشكل تهديدًا لمصالح إيطاليا فى ليبيا.
وفور صدور هذا البيان من البرلمان الأوروبى، قام الإعلام المعادى الذى تموله عصابة الإخوان والدول والأجهزة الداعمة لها بحملة إعلامية ممنهجة فى إطار تسويق آمالهم المزعومة، واعتبار أن ما حدث هو كارثة قد وقعت على الحكومة المصرية، فى حين أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد «بيان»، وليس «قرارًا»، غير ملزم على الدول الأعضاء، ويمثل بالنسبة لمصر تجاوزًا وتدخلًا غير مقبول فى الشأن الداخلى.
واللافت هنا أن هذا البرلمان الأوروبى لم يصدر إدانة واحدة لانتهاك حقوق الإنسان أثناء فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية للبلاد، والتى شهدت العديد من وقائع الإقصاء والتعذيب والانتهاكات، حيث بلغ خلال هذه السنة عدد المعتقلين السياسيين ٣٤٦٢، بالإضافة إلى حادث مقتل خمسة من الشيعة فى محافظة الشرقية، ومحاولات التحريض العلنية ضد الإخوة المسيحيين. ناهيك عن أحداث العنف والقتل التى ارتكبتها تلك الجماعة الإرهابية خلال هذه السنة، حيث وصل عدد القتلى إلى ٨٢ قتيلًا، بالإضافة إلى ٤٤ حادثة تعذيب، منها ٢٢ واقعة أفضت إلى الموت، ولم تعطِ الجماعة أى اعتبار لقضايا حقوق الإنسان وحماية حرية الرأى والتعبير، وتم التعدى بشكل سافر وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولى على حرية التعبير والتجمع السلمى وحماية الحريات الدينية والذى تمثل فى حرق أكثر من ٦٦ كنيسة، مع إطلاق حملة أمنية واسعة لملاحقة النشطاء الحقوقيين والسياسيين المعارضين للإسلام السياسى، مما أدى إلى ارتفاع حالات التعذيب، مع تقديم الحماية لكل من ارتكب مثل هذه الانتهاكات لضمان الإفلات من العقاب.
وبالرغم من كل هذا، لم تصدر ولو عبارة واحدة تندد أو تشجب أو حتى تعاتب جماعة الإخوان على تلك الانتهاكات من هذا البرلمان الأوروبى، بل كان سكوته عنوانًا على موافقته الضمنية على إسقاط أو تفكيك الدولة المصرية لصالح الدول الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية.. لكل تلك المعطيات فإننى أرى أن مواجهة صدور مثل تلك البيانات والإدانات، والتى أتوقع أن تتزايد خلال المرحلة المقبلة، يجب أن تتجاوز إصدار بيانات التنديد والشجب إلى اتخاذ إجراءات أكثر تأثيرًا وواقعية، من خلال التحدث بنفس اللغة التى تجيدها تلك الدول التى تسعى إلى إجهاض جهود الدولة المصرية لتحقيق الاستقرار والتنمية، والعودة بها إلى تلك المرحلة الظلامية التى سيطرت فيها جماعة الإخوان على مقدرات البلاد والعباد.
ومن هنا، فإننى أقترح ما يلى:
- تفنيد وتوضيح ما ورد فى البيان المشار إليه من خلال كوادر مهنية على وعى ودراسة دقيقة بالتزامات مصر بما جاء فى الاتفاقيات الدولية المنظمة لحقوق الإنسان.. وتقديم ردود موثقة بالبراهين والأدلة الدامغة لكل الاتهامات الواردة به.
- قيام وزارة الخارجية بدعوة سفراء دول الاتحاد الأوروبى للقاء مفتوح لتوضيح حقيقة الأوضاع فى مصر، وعدم صحة المعطيات التى بنى عليها البرلمان الأوروبى بيانه.
- دعوة الكتل البرلمانية فى الأحزاب الممثلة فى البرلمان الأوروبى لحوار مفتوح لمناقشتها فى البنود التى وردت فى البيان، مع التأكيد على التحديات والصعوبات التى تواجه الدولة المصرية، خاصة فيما يتعلق بملف محاربة الإرهاب.
- ضرورة التعاون مع الدول والهيئات الصديقة، الممثلة فى البرلمان الأوروبى، للعمل على تلافى إصدار تلك البيانات مستقبلًا إلا بعد مراجعة الجهات والمنظمات الحقوقية الشرعية فى مصر، والتى سوف يكون تعاونها فى إطار من الشفافية والوضوح.
إننا ونحن مقبلون على مستجدات جديدة على الساحة الدولية، يجب أن نكون متمسكين بروح ٣٠ يونيو التى أسقطت حكم الإخوان.. فالقادم صعب والتحديات كثيرة والمؤامرة مستمرة.
وتحيا مصر.