الشيخ مختار الدسوقى.. «أبو الفقراء» (بروفايل)
ودعت الطرق الصوفية، أمس الأول، الشيخ مختار على محمد الدسوقى شيخ الطريقة الدسوقية المحمدية بمصر والعالم الإسلامي وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية لأربع دورات متتالية عن عمر يناهز ٧٣ عاما.
ولقب "الدسوقى" بشيخ العارفين ورجل البركة وشيخ الحضرة، وانتشرت الطريقة الدسوقية في عهده وأصبحت من أكبر الطرق الصوفية في مصر العالم الإسلامي، ودفن "الدسوقى" داخل مزرعة الكرام بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي حيث دشن مقام صوفي كبير له.
ـ "الدسوقى" لقب بأبو الفقراء.. وأخذ العهد على يد قطب صوفي سوداني
وقدم "شيخ الدسوقية" الكثير من أعمال الخير والبر فكان يلتقي بالفقراء واليتامى بشكل دائم داخل مزرعة الكرام مقر طريقته الصوفية، فكان يعطف عليهم، ويقول أن أي فقير وأي يتيم هو والد له، ولذلك لقبه أتباعه بأبوالفقراء واليتامى.
معروف أن الراحل أخذ العهد على يد الشيخ البرهانى فى السودان، ودشَّن الطريقة فى مصر حيث تم انضمامها إلى المشيخة العامة للطرق الصوفية لتصبح العضو رقم 77، وفى خلال سنوات قليلة تميَّزت بالأنشطة الكثيفة، والتواصل مع مستجدات العصر، ما جعلها قبلة لمختلف فئات وطوائف المجتمع العربى والإسلامى كله وليس المصرى فقط، حتى صارت "جامعة" للصوفية والمريدين من جنسيات ولغات وطبقات مختلفة ومتباينة.
ولم يحصر الشيخ مختار طريقته فى التعبّد والزهد فقط وإنما أدخل نظام "الاستثمار" فى العبادة، وكيف يستطيع المريد جنى أقصى درجات الثواب والتقرّب إلى الله من خلال ممارسة أقلِّ الطاعات، وجمع النيّة فى العمل الواحد بما يعود على المريد بأكثر من ثواب جراء عمل واحد.
ـ "الدسوقى" رجل المال والأعمال.. لقب برائد الاستثمار السمكي في العالم
ولم يعتمد "الدسوقى" على تبرعات وهبات مريديه بل حوَّل الطريقة إلى مصدر لدعم ومساندة أتباعها وفتح أبواب رزق عديدة لهم، بعدما جعلها طريقة منتجة فى مختلف أنواع الأنشطة التجارية والزراعية والصناعية، فأصبح مقرّ "الدسوقية" فى مزرعة الكرام بالطريق الصحراوى، بمحافظة البحيرة، قِبْلَة لمن يريد الدنيا والآخرة معا، ويعد الدسوقى من كبار رجال المال والاستثمار في مصر فلم يكن شيخ صوفي فقط بل أنه كان من كبار الأعمال الذين خدموا الاقتصاد المصري خدمة كبيرة حيث عرف بأنه رائد الاستثمار السمكي في مصر حيث حصل على لقب "رائد الاستثمار السمكي في مصر والشرق الأوسط".
ـ الشيخ الدسوقى.. واحدًا من العارفين بالله والأولياء الصالحين
ولد الشيخ مختار الدسوقى في شهر يوليو عام ١٩٥٠بعزبة الكرام بمركز منقبات بمحافظة أسيوط، وعرف بذكائه ونبوغه منذ الصغر ففي صغره عرف بالطفل المبروك الذي يستبشر به الناس عندما يروه، وكان حفظه القرآن الكريم منذ صغره سبب رئيسي في الفيوضات والفتوحات التي أمن الله عليه بها، مثلما يقول ويذكر المقربين منه، وتزخر المكتبة الإسلامية بالكثير من كتبه ومؤلفاته.
وفي حياة الشيخ الدسوقى قبل انتقاله كانت أخباره ملء السمع والبصر، تتناقلها الألسنة داخل أوساط «أهل الله»، خاصة مع توجه كثيرين إلى مزرعته بنطاق محافظة البحيرة، التى صارت قبلة للراغبين فى الحصول على «البركة» من شيخ الطريقة الذي لقب بشيخ العارفين وزاد المحبين.
واتسمت رحلة الشيخ الدسوقى في الحياة الدنيا بالكثير من الأعمال الصالحة التي لازال يذكره بها شيوخ ومريدي التصوف، ويذكر شيوخ التصوف أن الشيخ الدسوقى تمكن خلال فترة وجيزة، من نشر طريقته الصوفية الحديثة بين أطياف المثقفين والسياسيين ورجال الأعمال وطلاب جامعة الأزهر، بجانب دول الخليج العربى، خاصة مع سابقة عمله فى الكويت قبل إنشائه طريقته فى ٢٠٠٧، التى ساعدته فى تكوين شبكة معارف كبيرة جذبت للطريقة آلاف المريدين من حول العالم وخاصة من دول الخليج العربي.
"الدسوقى".. رفع شعار التصوف على الطريقة الحديثة.. وأتباعه من المثقفين وعلماء الدين
علاقة الشيخ مختار الدسوقى بالطرق الصوفية بدأت عندما انتمى لبيت الشيخ محمد عثمان البرهانى، أحد أقطاب الصوفية الكبار فى دولة السودان، شيخ الطريقة «البرهانية»، وفق ما كشفه الدكتور سيد مندور، القيادى بالطريقة «السمانية».فبعد أن حصل «الدسوقى» على العهد من الشيخ عثمان البرهانى، أذن له بتدشين الطريقة «الدسوقية»، وبالفعل دشنها فى صحراء أقصى جنوب غرب البحيرة، لاستقبال المريدين والمتيمين به حتى اعتمادها رسميًا من المجلس الصوفى الأعلى فى ٢٠٠٧، لتصبح الطريقة ٧٧ من بين الطرق الصوفية.
ويقول «مندور»: «تماشى الشيخ مختار الدسوقى مع العصر الذى هو فيه، جعل المريدين يقبلون عليه من كل أنحاء العالم وليس من مصر فقط، وأتباعه ليسوا دراويش فقط، بل من كل الطبقات، ومنهم الأطباء والمهندسون والمفكرون والصحفيون والإعلاميون».
ويضيف أن «الدسوقى استغل علاقاته خارج مصر فى نشر الطريقة الدسوقية، ما جعل الآلاف ينضمون إليها من كل المستويات»، لافتًا إلى أن كثيرين يبدون استغرابهم من ضم الطريقة مسئولين كبارًا فى الدولة، رغم أنه أمر عادى جدًا.
ويفسر: «التصوف الإسلامى جذب الجميع إليه، لما فيه من علوم ووسطية ومجاهدة للنفس، وغير ذلك من الأمور العظيمة التى تربى فى المريد الكثير من الخصال الإيجابية وتجعله محبًا لوطنه وبلده».
من جهته، رأى محمد على، أحد مريدى الطرق الصوفية، أن «بركات» الشيخ مختار الدسوقى «لا تعد ولا تحصى»، وقال: «أتباعه فى الأوساط الصوفية يؤكدون دائمًا أنه صاحب كرامات، الأمر الذى جذب الكثيرين من المشاهير إليه».
وقال خالد الشناوى، الباحث والمهتم بالشأن الصوفى، إن ما فعله الشيخ مختار الدسوقى للتصوف والصوفية «كثير جدًا»، ومزرعته خير شاهد على ذلك، خاصة مع استقطابه طلابًا من جامعة الأزهر لتعليمهم مبادئ التصوف الصحيح وتحذيرهم من الفكر المتطرف الذى انتشر خلال الآونة الأخيرة بصورة كبيرة، فضلًا عن نجاحه فى جذب الآلاف من دول الخليج إلى طريقته، خلال فترة وجيزة.
وأضاف: «الشيخ الدسوقى اعتاد دعوة أئمة المساجد التابعين لوزارة الأوقاف وعلماء الأزهر الشريف لحضور الندوات العلمية والدينية التى تقام داخل مزرعة الكرام، مساء كل خميس وجمعة أسبوعيًا، مع تكفله بدفع تكاليف انتقال هؤلاء الأئمة».
وتابع: «ليس هذا فقط، بل توزع آلاف الوجبات الغذائية للزوار، خلال هذين اليومين، وتقام الولائم للمسئولين والوزراء والشخصيات العامة الذين اعتادوا زيارته كل جمعة، إذ يعتكف كثير من المسئولين فى المزرعة حبًا فى علوم وبركات شيخ الدسوقية».
وينتقل «الشناوى» للحديث عن بعض الصفات الشخصية لـ«الشيخ الدسوقى»، قائلًا: «حديثه اللبق والمقنع يمكنه من جذب الجميع إلى حضرته، بجانب ارتدائه أفخر الثياب».
واعتبر أن ذلك يعد دليلًا على عدم اقتصار الصوفية على «الدراويش» و«المجاذيب»، بل يوجد فيها كثير من الشخصيات المتماشية مع الحداثة، لذا يصف الجميع «الدسوقى» بأنه شيخ طريقة صوفية على الطراز الحديث، وفق قوله.
ـ أتباعه: فسَّر القرآن الكريم كاملًا دون أى «دراسة»
يعتبر محمد مدثر، أحد مريدى «الدسوقية» من دولة السودان، أن الشيخ مختار الدسوقى يمتلك أسلوبًا خاصًا فى تعليم المريدين والأتباع المنهج الصوفى الدسوقى، لأنه قائم على ربط التصوف بالواقع المعاصر.
ويقول «مدثر»: «أسهم هذا الأسلوب فى انضمام كثيرين من السودان ونيجيريا وإثيوبيا إلى طريقته الصوفية التى انتشرت بصورة رهيبة خلال الفترة الأخيرة، ووصل عدد مريديها للآلاف، حيث يأتون إلى مزرعة الكرام بشكل دورى فى الاحتفالات التى تقيمها الطريقة الدسوقية».
ويضيف: «الشيخ مختار الدسوقى له أفضال كبيرة على جميع أتباعه، الذين يحرصون على نقل الصورة التى يرونه بها داخل مزرعته لكل أنحاء العالم»، مشيرًا إلى أنه «يتعامل مع الجميع بقدر كبير من التواضع، ما جعل الوزراء والمسئولين فى الدولة يقصدونه بشكل شبه دائم للاستفادة من خبرته وعلومه الكثيرة التى ملأت المؤلفات والكتب وأصبحت تدرس لطلاب الجامعات داخل مصر وخارجها».
وقال عبدالعزيز البرهامى، أحد أتباع «الدسوقية»: «الشيخ مختار له كرمات ربانية جذبت الجميع إليه سواء داخل مصر أو خارجها، خاصة أنه يعلم الجميع مبادئ الزهد فى الدنيا والعمل والاجتهاد والبعد عن كل الأمور التى تغضب الله عز وجل، بالإضافة إلى حب الوطن».
وأضاف: «يقول لنا دائمًا إن حب الوطن من الإيمان، والوقوف مع بلدنا وقت الأزمات والعسرات ستكون له مكافأة عظيمة من الله عز وجل».
ووصلت ثقة «البرهامى» فى شيخه إلى أن يقول: «مختار الدسوقى ليس شيخًا صوفيًا عاديًا، بل إنه طبيب ومهندس ورجل أعمال وشيخ طريقة وعالم دين، فالله عز وجل أنعم عليه بالكثير من النعم التى لم ينعم بها على أحد غيره».
وتابع: «يملك قدرًا كبيرًا من العلم والمعرفة، جعله يفسر القرآن الكريم كاملًا، الأمر الذى حيّر علماء الدين أنفسهم، وجعلهم يتساءلون: كيف لرجل لم يدرس فى الأزهر الشريف أو الكليات الشرعية والدينية أن يفسر القرآن؟»، معتبرًا هذا «كرامة» من كرامات الشيخ.
واستكمل: «المريديون يذهبون كل جمعة إلى مزرعة الكرام لمقابلة الشيخ مختار الدسوقى وحضور درس العلم الأسبوعى الذى يلقيه فى حضور كبار العلماء من الأزهر الشريف».
ويحضر هذا اللقاء الآلاف من مريدى الصوفية وكبار المسئولين والشخصيات المحبة والعاشقة للشيخ، الذى «حيرت كراماته الجميع، وجعلت كثيرين يذهبون إليه للجلوس فى حضرته»، وفق «البرهامى».
وكشف عن أن المريدين يستقبلون «الدسوقى» بأنشودة «طلع البدر علينا»، لأنهم يرون فيه، الصلاح والتقوى، مضيفًا: «النبى صلى الله عليه وسلم كان تنتظره الصحابة رضوان الله عليهم بالأناشيد والقصائد الدينية، لذا هذا الأمر متعارف عليه عند أهل التصوف فى مصر وغيرها من الدول، باعتباره سنة عن النبى».
واختتم: «الشيخ مختار الدسوقى يتمتع بذكاء اقتصادى شديد، إذ دشن العديد من المشروعات خلال فترة قصيرة، نجحت نجاحًا كبيرًا، ما جعل المريدين يفتخرون بشيخهم».
ـ دفن بمزارع الكرام.. وتدشين مقام صوفي كبير له ليزوره أتباعه ومحبيه من حول العالم
وأعلنت الطريقة الدسوقية المحمدية عن دفن الشيخ المنتقل داخل مقر طريقته الصوفية بمزارع الكرام، حيث تم تدشين مقام صوفي كبير له، ليكون قبلة المريدين من حول العالم، نظراَ لانتشار هذه الطريقة في عدد من دول العالم كالهند وماليزيا وأندونيسيا وبلاد البلقان وألمانيا وإيطاليا وأمريكا.