معًا لمواجهة خطاب الكراهية
تلقيتُ هذا الأسبوع دعوة كريمة من منتدى حوار الثقافات الذى تنظمه وتشرف عليه الهيئة القبطية الإنجيلية، للمشاركة فى لقاء حول «آليات مواجهة خطاب الكراهية»، بحضور كوكبة متميزة من رجال الفكر والدين والسياسة والبرلمان، وأيضًا من تنسيقية شباب الأحزاب.
كان من المهم تعريف مفهوم الخطاب بصفة عامة قبل أن ننطلق إلى تعريف خطاب الكراهية بصفة خاصة، فالخطاب هو فكر وممارسة، وهذا الفكر ينتشر ويتوغل بين الأوساط المختلفة، ويكون مؤثرًا، سلبًا أو إيجابًا، على المجتمع الذى يمارس فيه هذا الفكر.
من هنا يمكن أن نعرّف خطاب الكراهية بأنه «مجموعة من العبارات التى تؤيد التحريض على الضرر والتمييز والعدوانية والعنف، حسب الهدف الذى يتم استهدافه من هذا الخطاب»، وغالبًا ما يكون موجهًا للأقليات أو الضعفاء.
وعلى الرغم من أن الإنسان لا يولد ومعه شعور الكراهية، ولكنه يتولد مع الوقت نتيجة عوامل كثيرة تستبدل المحبة الفطرية بالكراهية، نتيجة تلك الخطابات الموجهة لزرعها فى النفوس، لتصبح سلاحًا للتدمير الذاتى لأى مجتمع عبر تفكيك بنائه وانقسامه.
وقد جاء فيما تم طرحه فى هذا اللقاء العديد من الأسباب التى أدت إلى انتشار خطاب العنف والكراهية مؤخرًا، ومن أبرزها:
١- غياب منظومة القيم فى بعض المجتمعات تحت شعار حرية التعبير أو الحريات الشخصية بلا قيود أو ضوابط، وهو الأمر الذى يجب أن نتصدى له من منطلق أن الحريات ليست مطلقة، ولكنها تقف عند حدود حرية الآخر.
٢- ضعف الرقابة الأسرية حيث بداية التنشئة، وأيضًا داخل المدارس والمعاهد التعليمية، وقصور دورها فى زرع روح التسامح وقبول الآخر، والاهتمام بالحوار والاعتراف بحق الآخر، والعمل على إزالة الخلاف وتقريب وجهات النظر وقبول النقد والتوجيه واحترام الكبير ومراعاة الضعيف والصغير.
كما نجد أن هناك أيضًا أزمة فى المناهج الدراسية التى تتجلى فيها أحيانًا تلك التفرقة البغيضة بين مكونات المجتمع والخطاب العدائى تجاه الآخر، بسبب الدين أو العرق أو الجنس، وهو ما ينتج عقولًا قد تشبعت بالعنصرية والكراهية.
٣- الخطاب الدينى المتطرف، يعتبر من أخطر خطابات الكراهية، حيث إنه يستند إلى بُعد دينى أو عقائدى يجعل صاحبه يعتقد خطأ أنه بكراهيته للمخالف له فى الدين يتقرب إلى الله، وقد يصل الأمر إلى أن يتطور هذا الخطاب إلى تشكيل إرهابى أو متطرف، يعمل على إنهاء وجود الآخر تمامًا ولا يكتفى بإقصائه.
٤- وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى، وهنا نجد أن تلك الوسائل قد تمكنت من الدخول فى حياة العائلات، بل وأصبحت تؤثر بشكل كبير على اتجاهاتنا الفكرية وفى تصرفاتنا اليومية وردود أفعالنا.
وقد كان لشبكات التواصل الاجتماعى دور كبير فى تأجيج مشاعر الكراهية بكل أشكالها وأنواعها، سواء الدينية أو السياسية أو العرقية أوالاجتماعية، وهو الأمر الذى أدى إلى قيام ما سمى «ثورات الربيع العربى»، وكان الشباب هم الهدف الرئيسى لتلك الحملات الإعلامية.. ويكفى هنا أن نشير إلى أنه خلال ٦ أشهر فقط من أكتوبر ٢٠١٨ وحتى مارس ٢٠١٩ تم رصد حوالى ٧ ملايين «بوست» تحتوى على خطاب يحض على كراهية.
٥- القوانين الحاكمة داخل الدول المختلفة، وأيضًا الاتفاقيات الدولية بين هذه الدول، من المفروض أن تمثلا عناصر رادعة لتحقيق منظومة الوقاية، إلا أن غياب تلك القوانين أدى إلى تنامى ظاهرة خطاب الكراهية والحض على العنف والتطرف ضد العديد من الأنظمة الحاكمة.
وقد خرج هذا اللقاء بالعديد من التوصيات التى أرى أنه لو تم الأخذ بها فسوف يكون لذلك تأثير ملموس على نبذ خطاب الكراهية وتحجيبه والقضاء عليه، ومن أهم تلك التوصيات:
- ضرورة قيام الأسرة بدورها فى التنشئة الصحية للأبناء، من خلال تعظيم مفهوم التعايش مع الآخر والمحبة والتسامح.
- مراجعة المناهج الدراسية وتنقيتها من الأفكار التى تحض على الكراهية، وتعزيز ثقافة قبول الآخر واحترام الخلاف والتعددية، والابتعاد عن النعرات والطائفية.. والتأكيد أن الاختلاف والتنوع سُنة الكون، ولكنه فى النهاية يهدف إلى تحقيق صالح المجتمع.
- ضرورة العمل على تجديد الخطاب الدينى بشكل جدى من خلال هؤلاء الدعاة الذين يحملون أمانة الكلمة والرسالات السماوية التى تنادى بالمحبة والوئام، وأن يُظهروا نبذهم الطائفية والتمييز والتعصب بشكل واضح وصريح، سواء فى خطاباتهم أو أفعالهم، وأن يتعاون رجال الدين من مختلف الأديان والطوائف فيما بينهم فى أنشطة مشتركة ليعطوا مثالًا عمليًا للإخاء والتوافق والقبول واحترام الأديان والإنسانية.
- اتخاذ إجراءات جدية فى التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى لضبط إيقاعها وإيجاد حائط ضد السيطرة عليها ومواجهتها، ودحض أفكارها الهدامة من خلال إعداد كوادر إعلامية قادرة على القيام بهذه المسئولية عن علم وفهم وتدريب، وليس بأساليب ارتجالية متهالكة.
- العمل على إصدار قوانين رادعة تُجرم خطاب الكراهية، وتدعم ضحايا تلك الخطابات.. والتعامل مع البلاغات التى ترد بشأن أى منشور على السوشيال ميديا تحض على الكراهية بإصدار تشريعات حاسمة ومؤثرة.
وهنا أيضًا نشير إلى أن العديد من دول العالم قد أصدر بالفعل قوانين تُجرّم خطاب الكراهية، منها ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وأيضًا دولة الإمارات ومملكة البحرين والأردن، حيث تم إقرار قوانين لمكافحة التمييز والكراهية.
تلك هى الرؤية التى خرجتُ بها من هذا اللقاء الهادف، والتى أتمنى من مؤسسات الدولة المختلفة أن تأخذ بها، خاصة فى هذه المرحلة من تاريخ البلاد، وليكن معلومًا للجميع «إن المجتمع الذى يعيش فيه خطاب الكراهية هو مجتمع يعيش على حافة الهاوية».
وتحيا مصر.