«هزيمة المُميت».. متعافون يروون قصص من الإدمان إلى «الخلاص المربح»
هناك العديد من الأشخاص الذين سقطوا في براثن الإدمان، حتى أنهم باتوا في قبضة المكيفات والعقاقير المخدرة، لسنوات، لكنهم قرروا بعدما وجدوا أنفسهم في طريق اللاعودة، وبدعم من ومساعدة من آخرين - سواء الأسرة أو المنظمات والجمعيات المتخصصة - في التخلص من هذه الآفة التي تحول الجسد إلى دمية، بل ويكون نهايتها الموت حال الاستمرار في ذات الطريق.
النجاة من طريق الضياع
ولم يقتصر الأمر لدى هؤلاء الأشخاص على التعافي من المخدرات فحسب، بل والمضي في تنفيذ مشروعات إنتاجية، يمكنهم من خلالها كسب الرزق، وتحقيق الذات، بعيدًا عن طريق «الضياع»، حيث يقول تامر يسري محمود، 44 سنة، متعافي منذ 7 سنوات: «الإدمان بالنسبة ليّ بدأ منذ كنت في الخامسة عشر من عمري، وظللت على هذا الحال لمدة 24 عامًا في غياهب المخدرات، وهذا بالطبع تأثرًا بالمحيط الذي كنت أعيش فيه، في البيت الذي نشأت فيه بسبب المعيشة صعبة، وإخوتي يضربون بعضهم باستمرار، ولا أجد نفسي وسط هذه المشاكل المستمرة، ما شكّل عليّ ضغط عصبي ونفسي».
ويُضيف «محمود»: «بدأ الإدمان معي كنوع من حب الاستطلاع، عايز أعرف الناس لما بتاخد الحاجات دي بتحس بإيه، وبالفعل تواصلت مع أحد الأشخاص ممن يمكنهم توفير تلك المواد المخدرة ليّ، ولم أدرك أن هذا سيقودني للإدمان، وإني أبيع اللي ورايا واللي قدامي عشان أتعاطى مخدر».
ويُتابع: «بدأت في تجربة الحشيش مع آخرين، وشعرت وقتها بسعادة غامرة، لأنها المرة الأولى بالنسبة ليّ، وهذا هو الفخ الذي وقعت فيه لباقي عمري في الإدمان، وخسرت كل شيء في حياتي وقتها، وتطور الأمر من حب الاستطلاع إلى الرغبة الجامحة في تجربة كل شيء في عالم المخدرات، وبالفعل لا يُوجد نوع مخدر إلا وقمت بتجربته منها الأدوية المخدرة، والهيروين اللي استمريت في تعاطيه لمدة 12 عامًا، كذلك الأستروكس».
ويواصل: «بعت كل حاجة في إرث والديّ، وحتى المحل اللي كنت بسترزق منه بقيت بدمره، فكنت أخذ ما به من بضائع وأبيعها في محل آخر ليصبح لديّ أموال لشراء المخدرات، والكل أصبح ينظر إليّ على أني مدمر ولن أستمر في الحياة كثيرًا، لكن كان لديّ العند في القدرة على التوقف عن الإدمان في أي وقت، رغم أني متأكد من عدم قدرتي على التوقف».
ويكمل: «بداخلي أنا متأكد أني مدمن ولا أعرف كيف سأتمكن من الخروج من هذه الدائرة، خسرت كل شيء، وبتعد عنيّ الجميع، وأصبحت شخص غير مرغوب فيه، لأني أصبحت أغدر بأي شخص حولي، وتقطعت أواصر الصلة بيني وبين الجميع، وأصبح لدي الاستعداد أن أفعل أي شئ مهما كان من أجل المخدر الذي سأحصل عليه، ومبقتش أقدر أعيش من غير مخدرات وصعب عليا أتحول لشخص عادي».
«تعافيت 13 مرة بعد دخولي مستشفى الخانكة، وكل مرة كنت أدخل فيها كنت أتخيل أني بعد 3 شهور على الأكثر أتعافى بشكل جذري، وكنت أتعمد الإطالة في المدة، 6 و7 و8 أشهر، وفي النهاية كانت محاولاتي تبوء بالفشل، وكانت الأزمة أني لم أدخل في كل تلك المرات للتعافي من المخدرات، ولكن لأهرب من المجتمع الذي أصبح يشير إليّ بأني شخص سئ، وفي محاولاتي كنت أحاول التقرب من الله بالصلاة حتى تظهر زبيبة الصلاة على جبهتي، ووقتها عندما أنظر لنفسي في المرآة لا أصدق أنه أنا، وتركيزي يكون حول هل سيقبلني الناس مرة أخرى أم لا، وعندما يتقبلني الناس أشعر أني حققت هدفي بعدها أعيد دائرة إدماني من جديد دون أن أشعر»، يقول «محمود».
ويوضح: «لم أكن أعلم أني بهذه الحالة مريض وأحتاج لخطوات كي يتم علاجي بشكل نهائي، بالتالي انتكاستي كانت سريعة جدًا، وهناك مرات أخرى أدخل مصحة الإدمان لعدم الاكتفاء المادي واحتياجي للنقود، وكانت المرة الوحيدة التي أخذت فيها قرار التعافي إحساسي أن المخدر هو من يستخدمني لا أنا، وصلت إلى درجة أني أتعاطى ولا أشعر بنشوتها ولا سعادتها وحتى مع زيادة الجرعة، وتحول الأمر أن المخدر أصبح كالدواء ضروري الحصول عليه لاستكمال عملي، أخسر كل شيء، ولا أشعر بالسعادة، فبقيت بالمخدرات مش مبسوط، ولم أجد من حولي لتشجيعي على قراري النهائي بالإقلاع».
«دخلت للدكتور قولتله عايز أبطل بس معييش حاجة خالص حتى الهدوم بيعتها لديلر عشان يجيبلي مخدرات»، يتذكر «محمود»، مضيفًا: «وتعاطف معي الطبيب وأدخلني إلى المصحة بصورة البطاقة لأن الأصلية لم أعلم أين هى، وقرر مساعدتي عندما لمس إرادتي القوية في التعافي، ودخلتها لمدة 3 أشهر مستسلم تمامًا ولم أحصل على زيارات لمدة شهرين، وطلبت من الطبيب: أنا عايز أتعلم ازاي أعيش مبسوط من غير المخدرات».
ويُبيّن: «وبالفعل تعلمت مع الأخصائيين العلاجيين، كيفية التخلص من المشاعر السلبية بالمتابعة معهم في كل خطوة من حياتي، فتغيرت حياتي رأسًا على عقب والصندوق ساعدني في الحصول على قرض مالي، وفتحت تجارة والدي مرة أخرى ولم يصدق أخواتي أني مثلما كنت سبب في الخراب، كنت أنا السبب في الإعمار مرة ثانية».
قسوة الأب السبب.. وخوف الأم والزوجة الدافع للخلاص
فيما يتحدث أيمن حسام، عن تجربته: «مشكلتي مع المخدرات بدأت منذ 20 عامًا بسبب والدي، وقسوته عليّ، فشعرت بالظلم والقهر، بسبب الضرب والإهانة على أتفه الأسباب، وتركت المنزل أكتر من مرة في سن 10 سنوات وتعلمت السجائر والمخدرات مع هروبي وعملي في أحد صالونات الحلاقة من الزبائن».
ويستعيد «حسام» الذكريات الأليمة: «جربت كل أنواع المخدرات، وبعد أن استطعت تكوين محل خاص بي، لكن مع شرب المخدرات بشكل أكبر، أهملت عملي وزوجتي التي تحملتني كثيرًا وأولادي، وبدأت في بيع أثاث منزلي وهنا بدأت زوجتي في الشك بأني اشرب مخدرات، في ذلك الوقت توفي والدي وبدأت أمي في الاهتمام بي وحاولت كثيرًا علاجي، ولكني بدأت أشرب كمية أكبر من المخدرات وأنواع أكثر».
وينوه: «وذات مرة كنت في المقابر مع أصدقاء السوء وأثناء الضرب شعرت بالدوران وفقدت الوعي ودخلت المستشفى وجدت أمي وزوجتي خائفين عليّ للغاية، وشعرت بمدى التعب والضرر الذي ألحقته بهما وهنا قررت العلاج، وذهبت لمستشفى الخانكة وكانت نقطة التحول عندما تواصلت مع الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان، ومن المعاملة الجيدة بالعاملين بالخط الساخن والمتابعة المستمرة منهم، التزمت وتعافيت، وحصلت على دورة تدريبية لتصليح الإلكترونيات، وابتعدت تمامًا عن أي مكان يذكرني بالمخدرات مرة أخرى، وتغيرت وتأكدت أن الفشل بداية النجاح».
وفاة الأب نقطة التحول
ويعود محمود متولي، للوراء ويتذكر تجربته القاسية مع المخدرات: «حكايتي بدأت في سن صغير مع الترامادول، بعد ما جربت السجائر، وكان والدي ووالدتي يثقون فيّ بشكل كبير فلم يلحظوا أي تغييرات عليّ، وزادت من هذه الثقة تحملي المسئولية ونزولي لسوق العمل من الصغر وقدرتي على فتح صالون للحلاقة بمفردي وهنا كانت بداية الإدمان الحقيقي».
ويُبرر «متولي» الأمر: «الزبائن كانوا يهادوني بالترامادول بحجة القدرة على العمل لساعات أطول، وتحقيق دخل مادي أكبر، وهو ما تحقق بالفعل في بداية الأمر حتى وجدت أن الأمر كان لفترة قصيرة، وبدأت أشعر بتعب واحتياج لكمية أكبر من المعتادة للتأثير فبدأت في زيادة الجرعة حتى أصبح لا تأثير له».
ويؤكد: «حاولت الإقلاع أكثر من مرة، ولكن مع أول شخص يعرض عليّ سيجارة حشيش، كنت أرجع لهذه النقطة المظلمة من جديد، وأثناء محاولاتي ساعدني والدي على الزواج وأنجبت صبيًا، ولكن زوجتي لم تكن تعلم أني مدمن، وعندما علمت وقفت بجانبي وحاولت معي كثيرًا، لكنّي بدأت في بيع أثاث منزلنا، واتجهت لشرب الأفيون مع الهيروين بسرنجات ملوثة، ما تسبب في مرضي بفيروس سي، ووصلت لمرحلة رعشة في الأطراف وعدم القدرة على الوقوف طويلًا ففكرت في الانتحار، ولكن فشلت بسبب رعشة يدي فلم أستطع تعليق المشنقة».
«وبعد وفاة والدي حاولت والدتي علاجي في مراكز علاج إدمان خاصة، ولكن كانت التكلفة كبيرة وصلت لـ 25 ألف جنيه شهريًا، فكان قراري بعد تعب أمي وترك زوجتي للمنزل وطلب الطلاق، الذهاب للقصر العيني وسمعت برنامج علاج الصندوق»، «متولي» يتذكر الموقف الذي غير حياته، متابعًا: «وهنا شعرت إن الله يُطبطب عليّ، وبدأت العلاج والتخلص من المخدرات، والعودة لحياتي الطبيعية من جديد، وتعافيت وعدت زوجتي وابني وفتحت صالون الحلاقة مرة أخرى، وأصبحت شخصًا منتجًا».
آلية العلاج
من جانبها، توضح الدكتورة هوانم الفقي، استشاري علاج الإدمان بصندوق المكافحة، أن الخط الساخن لعلاج الإدمان رقم (16023) ليس معني فقط بالعلاج، ولكن تقديم الاستشارات العلاجية والمشورة على مدار 24 ساعة وبالمجان.
وتشرح «الفقي» مراحل العلاج داخل الصندوق، والتي تبدأ بتلقي مكالمة للخط الساخن بوجود مريض في مكان ما، ويوجه الخط المريض لأقرب مركز لعلاج الإدمان من الـ 25 على مستوى الجمهورية، مشيرة إلى أنه بعد دخول المريض تبدأ رحلة العلاج وأولها مرحلة التوقف عن تعاطي المخدرات، وأعراض الانسحاب تكون من 70 إلى 90 يومًا، وقبلها يكون هناك تحفيز على العلاج ودخوله عجلة التغيير والاستمرارية.