دروس جديدة فى الانتماء
هل كنت تتوقع أن ابنك الذى لم يتجاوز ١٦ عامًا من عمره سوف يقف أمام رئيس الجمهورية عند تقدمه لأداء كشف الهيئة، للالتحاق بإحدى الكليات العسكرية أو كلية الشرطة؟
هل كنت تتوقع أن رئيس أكبر وأقوى دولة فى الشرق الأوسط يتحاور مع ابنك، بل ويطلب منه أن يبدى رأيه فى إدارته شئون البلاد، بل وله أن يقترح على سيادته أى فكرة قد تؤدى إلى صالح الدولة المصرية؟
هذا ما حدث بالفعل، الأسبوع الماضى، عندما حضر الرئيس عبدالفتاح السيسى جانبًا من اختبارات كشف الهيئة لطلبة الكليات العسكرية والشرطة، التى تعتبر الخطوة الأخيرة من مشوار الطالب الذى يريد الالتحاق بتلك الكليات، التى تمثل الحلم الأكبر فى حياته، ولذلك غالبًا ما يكون الطالب فى حالة توتر وخوف من عدم قبوله، وهو ما ينعكس عليه عند وقوفه أمام لجنة كشف الهيئة، وهنا كان السيد الرئيس بمثابة الأب الذى يطمئن أبناءه على مستقبلهم، ويتحدث معهم بوجهه المبتسم المطمئن إلى أن يزيل عنهم رهبة الموقف، ثم يناقشهم بجدية فى العديد من الموضوعات التى تمر بها البلاد داخليًا وخارجيًا، بل وفى القضايا المثارة إقليميًا ودوليًا، ويقوم بشرحها ببساطة لهؤلاء الشباب، ويطلب منهم إبداء وجهة نظرهم فى موقف مصر من تلك القضايا.
كانت هناك قواسم ومناقشات مشتركة فى لقاءات السيد الرئيس مع الطلبة الراغبين فى الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطة كان أهمها:
- أن هناك التزامًا باختيار أفضل العناصر التى سوف يتم قبولها فى إطار معايير موضوعية وحيادية، التى تستطيع الوفاء بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقها، عقب تخرجها فى حماية الوطن، والدفاع عنه من أى أخطار خارجية أو داخلية.
- ضرورة صقل مهارات الطلبة المقبولين لمواكبة أحدث علوم العصر فى كل المجالات العسكرية والأمنية، وذلك من خلال تناول المسائل التى تتعلق بالأمن القومى للبلاد والمخاطر التى تتعرض لها، والبحث عن حلول غير تقليدية لتلك الأزمات التى قد تتعرض لها البلاد.
- أوضح الرئيس الإنجازات التى حققتها الدولة مؤخرًا وحجم الجهود الكبيرة المبذولة فى المشروعات القومية بجميع أنحاء الجمهورية، للنهوض بالدولة عن طريق التنمية الشاملة، خاصة مشروع تنمية سيناء وارتباط أبعاده بمكافحة الإرهاب والتصدى للفكر المتطرف.. وطالب هؤلاء الشباب بالحفاظ على تلك المكتسبات والدفاع عنها لكى تستمر الدولة فى مسيرة التنمية والبناء.
- حاور الرئيس هؤلاء الأبناء فيما تقوم به الدولة للنهوض بمنظومة التعليم والخدمات الصحية والقضاء على الفقر، ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، ومعدلات النمو الاقتصادى وخفض النمو السكانى، وطلب منهم عرض أى مقترحات فى هذا الشأن.
- تطرق النقاش أيضًا إلى مدى التأثير الكبير- السلبى أو الإيجابى- الذى نتج عن تطور وسائل التواصل الاجتماعى الحديثة، وكيفية استخدامها بشكل صحيح وفعال من قبل الشباب.
وهنا لا بد أن أقف وأشيد بذكاء الرئيس عند إثارته تلك الجزئية بحسبان أن هؤلاء الشباب هم الأكثر استخدامًا لتلك الوسائل، وبالتالى فإن التأثير السلبى أو الإيجابى سوف ينعكس بلا شك على مدى قدرتهم على اكتشاف تلك المحاولات الخسيسة لإثارة الفتن والشائعات باستخدام السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعى، خاصة أنها أصبحت الوسيلة الوحيدة حاليًا لأهل الشر، لمحاولة إثبات وجودهم على ساحة الأحداث، بعد فقدانهم القدرة الحركية والتأثيرية على الأرض، بعد النجاحات التى حققتها الأجهزة الأمنية فى القضاء على العناصر والقيادات المؤثرة لديهم والقبض على البعض الآخر.
هكذا كان لقاء الرئيس مع طلبة المرحلة الثانوية، الذين يتلمسون مستقبلهم بعد تخطى تلك المرحلة لتحقيق أحلامهم فى الالتحاق بالكليات العسكرية والشرطية. كان لقاء تمكن فيه القائد بأسلوب الأب من أن يزرع فى نفوس هؤلاء الشباب معنى الانتماء للوطن وكيفية صنع قادة المستقبل، واكتشاف القيادات الرائدة التى سوف تقود سفينة الوطن فى المستقبل القريب، فهؤلاء هم الجيل الجديد الذى سوف يتم تأهيله للدخول فى معترك الحياة العسكرية والأمنية، الذين يعتبرون دعمًا جديدًا لأبطال مصر البواسل الذين يدافعون عن أمن وسلامة الوطن.
وداعًا ياسر عصر
كان استشهاد اللواء ياسر عصر، وكيل الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات درسًا جديدًا من دروس الولاء والانتماء لهذا الوطن، حيث أصر البطل على المشاركة بنفسه فى إخماد حريق داخل هواية مترو الأنفاق بمحطة «مسرة» بشبرا، ليلقى حتفه بعد أن نجح فى إخماد هذا الحريق، إلا أنه للأسف سقط داخلها ليلقى ربه بطلًا وشهيدًا.. وهو البطل نفسه الذى تدخل لمحاصرة حريق فى القطار المتجه من القاهرة إلى طنطا عام ٢٠١٦، ولم ينتظر وصول الدعم اللازم وقام بإخلاء الركاب وأمسك بطفاية حريق وأخذ يتعامل مع مصدر الحريق، وتمكن بشجاعته وبطولته من منع امتداد النيران لعربات أخرى من هذا القطار.
- هذا نموذج آخر من نماذج الرجال الذين يكتبون بدمائهم إحدى ملاحم الانتماء للوطن.
سلامًا إلى روحك الطاهرة يا شهيد البطولة والفداء، وسلامًا على كل شهيد يسقط دفاعًا عن أمن وسلامة الوطن فى أى ميدان من ميادين الفداء والعطاء.
وتحيا مصر.