مشاركون في الملتقى العالمي للتصوف يناقشون التصوف والمواطنة عن بُعد
تواصلت فعاليات النسخة الـ15 للملتقى العالمي للتصوف الذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية ومشيختها ومؤسسة الملتقى، بشراكة مع المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، اليوم، ليومها السادس، من خلال تنظيم الجلسة العلمية الحادية عشرة، والتي كان محورها "التصوف والمواطنة: تشخيص الأزمة وعلاج الآفات"، وتم بث أطوارها عبر وسائط مؤسسة الملتقى على مواقع التواصل الاجتماعي، وأشرف على تسيير أعمال هذه الجلسة الدكتور مصطفى زكري، أستاذ بجامعة لشبونة بالبرتغال.
المداخلة العلمية الأولى حملت عنوان "علاقة أئمة التصوف وشيوخه بالملوك والأمراء، وأثرها الإيجابي في الحياة العامة"، من خلال ما يصوره الإمام عبد الوهاب الشعراني في كتابه الطبقات الوسطى، قدمها الدكتور محمد إبراهيم عشماوي، أستاذ باحث في الحديث الشريف وعلومه بالأزهر الشريف بمصر، قام من خلالها بتصحيح جملة من التمثلات الخاطئة والشائعة حول الصوفية، كوصفهم بالانعزال عن الحياة العامة، حيث بين أن شيوخ الصوفية يجتهدون في صلاح أنفسهم كوسيلة لإصلاح غيرهم، وبخصوص علاقتهم بالملوك والأمراء، فقد رد شبهتي الانقطاع أو الانغماس مبرزا أن الصوفية انتهجوا الوسطية فهم مع الحق دائرون وله قائمون، وقدم نماذج لهذه العلاقات كقبول شفاعات شيوخ وأئمة التصوف تقديرا لمكانتهم، مقدما نماذج حية أوردها الإمام الشعراني في طبقاته.
"أهمية الروحانية الصوفية في مكان العمل"، كان عنوان المداخلة الثانية التي ألقاها الدكتور صاحبزاده سلطان أحمد علي، رئيس المعهد الإسلامي بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد، أبرز من خلالها أهمية التأمل الروحي الصوفي في تحسين الأداء في العمل والإخلاص فيه، مضيفا أن التربية الصوفية مصدر للطاقة الإيجابية التي تطور أخلاقيات العمل وتحقق التوازن الداخلي، عن طريق التخلي عن أخلاقيات العمل السلبية، وهو ما لا يتحقق، إلا على يد مرشد روحي، مستشهدا بقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".
المداخلة الثالثة قدمها الدكتور نزار اليملاحي، طبيب نفساني وعضو مؤسس للمهرجان متعدد الثقافات بغرناطة بإسبانيا، تحت عنوان "فن تحويل الأزمات إلى فرص" «l’art de transformation de crise، une opportunité»، والتي كانت باللغة الإسبانية، بين من خلالها أهمية الجانب الروحي في حياة الإنسان خاصة في ظل الظروف التي تعيشها الإنسانية حاليا، وتطرق لمفهوم المناعة وقسمها إلى مناعة نفسية، اجتماعية وروحية.
الدكتور واديك دويل Waddick Doyle، وهو أستاذ متخصص في التواصل ومسؤول عن برامج تعليمية متعلقة بالابتكار، قدم مداخلة باللغة الفرنسية، بعنوان "المعراج والهجرة الصوفية العابرة للحدود ودورها في إدارة أزمة الهجرة Miraj and migration: transnational sufism and its role in managing the crisis of migration"، بين من خلالها مفهوم الهجرة كمفهوم روحي وجوهري في التصوف، حيث وصف الهجرة الصوفية بأنها رحلة الروح، كما قدم البعد الروحي والزمني للهجرة الصوفية لاستقراء أزمة الهجرة في العالم المعاصر، مبينا في الآن ذاته على أن الأثر الصوفي انتشر في كل بقاع العالم متجاوزا الحدود الوطنية والثقافية والدينية، ومقدما في الأخير استنتاجا، مفاده أن التصوف يبقى حلا فعالا للتغلب على أزمة الهجرة والاستقرار قديما وحديثا.
أما المداخلة الخامسة في هذه الجلسة فكانت باللغة الفرنسية، وقدمها الدكتور لحسن السباعي، باحث في الاقتصاد والتصوف، وجاءت بعنوان "المقاربة الأخلاقية في إدارة المالية العامة" « l’approche morale de la gouvernance des finances publiques » قارب من خلالها مفهوم الأزمة في سياقها الاقتصادي، وأكد أن الأزمة الصحية الحالية خلفت أزمة اقتصادية، من أبرز معالمها انخفاض نسبة النمو، وتراجع العائدات، وحدوث عجز في الميزانية العامة، وأبرز أنه رغم الخروج التدريجي من الحجر الصحي إلا أن هذه الآثار لا تزال ظاهرة، منوها بالنموذج الصيني في تعامله مع الجائحة، ومبرزا أهمية الجانب الأخلاقي في الخروج من الأزمة عن طريق تعزيز قيم التضامن والإخاء والمواطنة، والانتقال من الفردانية إلى العمل الجماعي التشاركي أسوة بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أسس أركان الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة على الإخاء بداية بين المهاجرين والأنصار.
لتتلوها المداخلة السادسة والتي كانت أيضا باللغة الفرنسية، وذات طابع روحي فلسفي، تحت عنوان "تدبير الأزمة يبدأ من الذات"، « la gestion de la crise commence par soi » قدمها الدكتور جون اندري كاليروند Jean André Galeyrand، حيث عرف بداية مصطلح الأزمة لغويا وسياقيا، وقدم تحليلا عميقا لسبل تدبير الأزمات، والتي تبدأ بالتشخيص الدقيق المنطلق من الذات، وفهم ديناميتها، مقدما إجابات عملية، مشددا على دور الجانب الروحي الذي يبادر للنجدة في مثل هذه الأزمات، عن طريق الاستقرار الوجداني الذي تمنحه الصلوات والأدعية والأذكار، والتي تساعد على التنظيم وترتيب الأولويات، وتجنب الضغط وسطوة التكنولوجيا الحديثة.
المداخلة الأخيرة، كانت عبارة عن شهادة حية للدكتورة ماريا كولين Maria Collin، الخبيرة الاستشارية في الموارد البشرية في أمريكا الجنوبية والمكسيك، قدمت من خلالها تجربتها الروحية الشخصية التي عاشتها خلال فترة الحجر الصحي، والتي اعتبرتها فرصة كبيرة للتعرف على المعنى الحقيقي للمحبة والتعرف أكثر على شريحة واسعة من الناس من مناطق مختلفة عن طريق المشاركة في ملتقيات عدة عبر الوسائط الاجتماعية، وأبرزت الأهمية الكبرى للذكر، واكتشافها لحقيقة كلمة التوحيد لا إله إلا الله، مؤكدة فضل الطريقة القادرية البودشيشية في شخص شيخها الدكتور مولاي جمال الدين حفظه الله، في الوصول لهذه المعاني.